بعد مرور عقد كامل.. لا شيء تغيّر في سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية

غالبية المناطق الصناعية في المحافظة من دون مؤسسات للاستثمار ولم تتجاوز نسبة التشغيل فيها ثلاثة في المئة.
الاثنين 2020/12/14
مدينة مهمشة قبل الثورة وبعدها

سيدي بوزيد (تونس) – لم يتغيّر الواقع التونسي كثيرا مقارنة بما قبل ثورة 2011، فسيدي بوزيد التي تعتبر مهد انتفاضة الياسمين والشرارة الأولى للربيع العربي تشكو إلى اليوم من المشكلات التي طالبت بحلها منذ عشر سنوات.

ومن المدينة المهمشة في الوسط التونسي، تعبّر خلود الرحيمي عن خيبة أملها من الوضع الاقتصادي الصعب بعد عقد من الزمن على الحركة الاحتجاجية الشعبية العارمة، وتشكو عدم وجود فرص للعمل في منطقتها.

وأصبحت ولاية سيدي بوزيد رمزا للانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي بعد حكم استمر أكثر من عشرين عاما (1987-2011). وكانت المدينة في تلك الفترة عبارة عن طرق تحتاج إلى تأهيل تصطف على جانبيها دكاكين متواضعة ومبان عامة مترهلة.

وحظيت المنطقة إثر الثورة ببعض الاهتمام، فشيُد مسبح بلدي في المدينة وانتشرت فيها المقاهي التي يرتادها الشباب من الجنسين لمناقشة المواضيع السياسية والاجتماعية، بعدما أصبحت حرية التعبير مكسبا يعتبر الوحيد في تونس التي لا تزال تعيش انتقالا ديمقراطيا متعثرا.

وجلب التغيير الحاصل في البلاد معه نفحات الحرية ووضع البلاد على سكة المسار الديمقراطي، لكن شعارات مثل “الشغل” و”الكرامة” التي رفعها المحتجون في 2011، ظلت حبرا على ورق، ولم تتحقق على أرض الواقع، وفقا لغالبية سكان المنطقة.

وتفوق نسب البطالة في الولايات الداخلية المعدل الوطني المقدر بحوالي 18 في المئة، لاسيما لدى الشباب الحاصلين على شهادات علمية.

وكان هذا السبب بالذات بالإضافة إلى المضايقات الأمنية، هما اللذان دفعا بالشاب محمد البوعزيزي إلى إضرام النار في جسده احتجاجا على ظروفه المزرية في 17 ديسمبر 2010 بالقرب من مقر ولاية سيدي بوزيد.

وتقول الرحيمي (25 عاما) بينما تحتسي القهوة مع رفيقاتها “أعرف العديد من الذين حاولوا الهجرة بطريقة غير قانونية ومنهم من مات غرقا… لأنه لا يوجد عمل في سيدي بوزيد، وأضرم آخرون النار في أجسادهم لأنهم لا يملكون مالا للعيش”.

وتحمل خلود الرحيمي شهادة في المعلوماتية منذ العام 2015، ولم تنتظر مساعدة الدولة في ولاية يتقاضى البعض فيها راتبا شهريا لا يتجاوز 50 يورو، فقد تمكنت خلال أربع سنوات من ادخار المال لإطلاق مشروعها المتمثل في مطعم صغير. وعندما احتاجت إلى مبلغ صغير لاستكمال مشروعها، طلبت قرضا من المصارف لكن طلبها رُفض.

وبقيت غالبية المناطق الصناعية في المحافظة من دون مؤسسات للاستثمار ولم تتجاوز نسبة العمل فيها ثلاثة في المئة، وفقا للمحافظ أنيس ضيف الله.

الأوضاع ساءت بعد 10 سنوات
الأوضاع ساءت بعد 10 سنوات

وينتقد رشيد الفتيني، وهو صاحب مصنع للخياطة، النقص في الاستراتيجيات الحكومية لمكافحة انعدام المساواة بين المناطق والزبائنية.

ويقف رشيد الفتيني وراء آلات الخياطة المتوقفة عن العمل في مصنعه الذي كان يشغل قرابة 500 عامل قبل ثورة 2011. ويقول “هرب كل زبائني من سيدي بوزيد بعد الثورة” التي كان هو من أنصارها، منتقدا التناول الإعلامي للمنطقة التي تقدم وكأنها تشهد إضرابات متواصلة، “وهذا غير صحيح إطلاقا”.

ويتابع “هناك صراع بين الأحزاب السياسية، وبالتالي لا يتمكن المسؤولون المحليون من اتخاذ القرارات. لا يتجرأ أحد على التوقيع على ملف دون ضمان حماية سياسية”.

وأثرت جائحة كوفيد - 19 سلبا أيضا على مشروعه كما على سائر الاقتصاد التونسي.

ويؤكد الفتيني أن العديد من المشاريع الاقتصادية تتعرقل بسبب شروط المصارف المجحفة لتمويل الشركات، وكذلك “لأن بعض المجموعات لا تريد لبعض الأنشطة أن تتطور” خوفا من المنافسة.

وتمثل شركة “سومابروك” مثالا على ذلك، ويقع مقر الشركة في أحد أطراف مدينة سيدي بوزيد، وكان من المفترض أن تسهل عمل المزارعين في النفاذ إلى أسواق جديدة، وهي المشكلة الكبرى في المنطقة.

وكان يفترض أن تتولى الشركة إدارة سوق كبيرة للخضروات والغلال ومسلخ ومركز أبحاث في منطقة تربط كل الولايات الفلاحية في وسط البلاد، لكنها اليوم مجرد قطعة أرض قاحلة.

وكان من المفترض كذلك أن يساهم المشروع في تشغيل 1200 شخص وأن يحسّن أوضاع 130 ألفا آخرين، وتم جمع تمويل بالملايين من اليوروهات من مؤسسات أجنبية، ودعم الرئيس قيس سعيّد المشروع.

لكن المشروع لم يقلع. ويعللّ المدير لطفي الحمدي ذلك بالعراقيل “القانونية والإدارية” والتنسيق بين ثماني مؤسسات حكومية.

وبالرغم من أن المطالب الاجتماعية لم تتحقّق في معظمها، وضعف الأمل، فقد أصبح للشباب دور سياسي أكبر.

وتقول المسؤولة المحلية عن جمعية تهتم بالعاطلين عن العمل حياة عمامي (38 عاما)، “أصبحت لك اليوم الحرية في النشاط الحزبي والاجتماعي والنقابي”.

وتؤكد الناشطة في منظمة لمكافحة العنف ضد المرأة فادية الخصخوصي (36 عاما) “طوّرت كثيرا في قدراتي الاتصالية، والطريقة التي أعبّر بها”، و”قدمت الكثير في نطاق عملي وأنا فخورة بذلك”، لكن خلود متمسكة بأن “الثورة لم تجلب لي شيئا”.

الحرية هي المكسب الوحيد من الثورة
الحرية هي المكسب الوحيد من الثورة