نفايات المبيدات الزراعية في تونس تسمم الأرض وتهدد البشر

غياب البرامج والآليات اللازمة للتصرف الوجيه في نفايات المبيدات الفلاحية.
السبت 2020/12/05
سموم منتشرة

تونس - في إحدى الحقول الواقعة في محافظة منوبة، شمال تونس، يمسك العم محمد بمرش ممتلئ بخليط من المبيدات متنقلا بين أحواض الخضر التي زرعها مؤخرا، لا يشغل باله سوى ضيعته التي يبذل ما في وسعه لحمايتها من الحشرات والطفيليات، وفي البال محصول وافر بذل الجهد لكي يزهر ويينع.

ويقول لوكالة تونس أفريقيا للأنباء “اقتنيت نوعين من المبيدات ونصحني البائع بمزجها للحصول على النتيجة المرجوة حتى أحمي ما زرعته بيديّ اليوم من الطفيليات والأمراض التي قد تتلف المحصول، فيجف باب الرزق”.

ويضيف “هذه الأرض هي منبتي وهويتي، أحرص عليها كما حرصي على أبنائي، أرعى تربتها وزرعها كي ترد لي الجميل حصادا وافرا”.

ويقول بحسرة “لكن من المؤسف أن يتقلص المحصول سنة تلو الأخرى، رغم أنني لا أدخر جهدا في العناية بأرضي الطيبة وأحرص كل الحرص على استعمال المبيدات الفلاحية بانتظام كلما انتشر المرض، وأسارع إلى المداواة وأمنّي النفس بالقضاء على هذا العدو اللعين، الحشرات والطفيليات، حتى لا يتأثر المحصول بالنقصان أو التلف”.

وبعد استعمال المبيدات، يلقي العم محمد دون أية دراية بما يمكن أن يتسبب فيه هذا السلوك، بالأوعية والقوارير الملوثة بما علق فيها من بقايا الأدوية الزراعية على حاشية ضيعته، فيسيل ما تبقى بداخلها من مواد خطيرة لتختلط بالتربة ومياه الأمطار والوديان، وتتوغل في أعماق الأرض، فتتلفها وتقلص من خصوبتها وتتلف معها أيضا المائدة المائية.

وأغلب مستعملي المواد الكيميائية من مبيدات حشرية وطفيلية، وهي من المواد المصنفة خطيرة، يفتقدون بصفة جلية إلى الوعي، أو هم لا يهتمون بالتداعيات الخطيرة للتخلص العشوائي وغير الرشيد من بقايا هذه السموم، إذ يتم إلقاء العلب والأوعية الملوثة بالأدوية الزراعية في الطبيعة والفضاء العام.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى المبيدات المنتهية الصلوحية التي يتم تخزينها دون القيام بأي إجراء استراتيجي وصحي للتخلص منها وفق الضوابط القانونية التي تشترط أن يتم عند جمع وتخزين هذه المواد الخطيرة، لفّها وتعليبها وعَنونتها طبقا للمواصفات الجاري بها العمل.

وسط كل هذه المخاطر، تغيب البرامج والآليات اللازمة للتصرف الوجيه في نفايات المبيدات الفلاحية، وتفادي مضار إلقائها عشوائيا في الفضاء العام، مع ما يمثله غياب إستراتيجية للتصرف الرشيد في نفايات المبيدات الحشرية والزراعية من أوعية فارغة وعلب وغيرها من خطر على خصوبة التربة بسبب قتل المبيدات لبكتيريا تثبيت النيتروجين (الأزوت) فى التربة.

هناك فِرق مكلفة من قبل وزارة الفلاحة لمراقبة المواد التي لم تعد صالحة للاستعمال، لكنها تقوم بدوريات غير منتظمة

ويعترف فلاح من محافظة منوبة بمضار الأدوية الزراعية الكيميائية منذ تداولها في السوق، ولكنه يرى أن الخطورة تكمن في طريقة الاستعمال والكمية الملائمة لمقاومة المرض أو الحشرات.

وفي حديثه عن عملية التخلص من المبيدات المنتهية الصلوحية أو التالفة، يذكر بأن الكميات التي يتزود بها من الشركات المختصة والمرخص لها هي كميات صغيرة تعرض كلها في المحل، وبالتالي لا توجد حسب قوله مبيدات غير صالحة لتجاوز تاريخ صلوحيتها، كما لم يعد هناك داع، حسب رأيه، لوجود مخزن لوضع المبيدات بأنواعها في هذا المكان.

و يوضح أنه بالرغم من عدم وجود كميات مخزنة فإن فِرقا مكلفة من قبل وزارة الفلاحة هي التي تقوم بدوريات لمراقبة المواد التي لم تعد صالحة للاستعمال، وهي دوريات غير منتظمة يمكن أن تكون مرة في الشهر أو مرة في 6 أشهر أو أكثر.

ويقول خميس، وهو أيضا فلاح يجاور العم محمد “أعلم جيدا أهمية إتلاف هذه العلب الفارغة ظاهريا من محتواها، لكنها تظل تحمل بقايا من المواد الكيميائية قد تظل ذات فاعلية لسنين. ولكن نحن كفلاحين لا نجد من يساندنا للقيام بالتخلص السليم من هذه النفايات، فنلقي بها أرضا”.

وأشار إلى علب فارغة وقوارير ملقاة بجانب مسرب للمياه اجتمع حوله الدجاج لالتقاط ما جادت به هذه الأرض، ويختم خميس حديثه بالتأكيد على أن الخطر الأكبر هو أن هذه النفايات تُوجه في ما بعد للإلقاء بها في المصبات العادية.

ويكمن الخطر أيضا في انتشار “البرباشة” وهم أناس ممّن امتهنوا عملية البحث في القمامة، صغارا وشبانا وكهولا، خاصة في مصبات الفضلات لالتقاط المواد البلاستيكية وغيرها دون حماية، معرضين بذلك أنفسهم إلى خطر الإصابة بآلات حادة أو وخزات إبر طبية من حقن وغيرها، بالإضافة إلى التعرض إلى المواد السامة الخطيرة مثل بقايا المواد الكيميائية من مبيدات زراعية علقت في العلب والأوعية الفارغة.

والتخلص غير السوي من نفايات المواد الكيميائية الخطيرة يهدد التربة وصحة الإنسان وأيضا المائدة المائية، بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في دورتها الحادية والأربعين المنعقدة في روما في يونيو 2019 حول مدونة السلوك الدولية بشأن استخدام الأسمدة وإدارتها على نحو مستدام.

وتساهم الأسمدة في حال عدم استخدامها على النحو المناسب، في تغير المناخ العالمي، وفي تدهور التربة وموارد المياه وجودة الهواء، وفي استنزاف المغذيات من التربة، وفي احتمال إلحاق الضرر بصحة الإنسان والحيوان.

وقد شـددت دراسـات علمية على أن الاضـطرابات التي تصـيب التدفقات البيولوجية والجغرافية والكيميائية للنيتروجين والفوسفور بسبب إنتاجهما لأغراض الاستخدام الزراعي قد تجاوزت الهامش الآمن لنشـاط الإنسان.

17