إنتاج أكبر وقرار مستقل: الإمارات القوة الصاعدة في أوبك+

تكشف تحركات الإمارات ومواقفها داخل أوبك عن تغيّر كبير في سياستها النفطية، حيث يمنح التوسع النفطي الدولة ثقلا كبيرا يعزز استقلالية قرارها ويضاعف هوامش المناورة، ما يفرض مراجعة التحالفات وفرض قواعد ضبط جديدة للإمدادات داخل المنظمة.
دبي - تنذر معارضة الإمارات خلال اجتماعات أوبك لتمديد تخفيضات عميقة للإنتاج في العام 2021 بمواقف أكثر استقلالية في المستقبل قد يصعب معها على السعودية، أكبر منتج في المنظمة، موازنة إمدادات النفط العالمية.
ويعود أصل الخلاف المتصاعد إلى زيادة كبيرة في طاقة الإنتاج بالإمارات إضافة إلى مسعى يكتسب زخما لأن يصبح نفط البلاد من الخامات القليلة المستخدمة كمقياس معياري لتسعير الإمدادات العالمية.
وأبلغت الإمارات نظراءها في أوبك+ خلال اجتماعات مغلقة هذا الأسبوع أنه رغم دعمها تمديدا للتخفيضات القائمة، فإنها ستجد صعوبة في الاستمرار على نفس تخفيضات الإنتاج العميقة في 2021، مما تسبب فعليا في تأجيل البت في استراتيجية أوبك وحلفائها.
وحتى وقت قريب كانت السعودية وحليفتاها الخليجيتان، الإمارات والكويت، تتحرك معا على صعيد سياسة الإمدادات. حتى أن الدول الثلاث خفضت الإمدادات في بعض الأحيان بكميات أكبر مما اتفقت عليه للتعويض عن عدم خفض أعضاء آخرين في أوبك إنتاجهم بقدر تعهداتهم.
ويقول محللون ومصادر مطلعة داخل القطاع إن إصرار أبوظبي المتنامي، الذي يؤكده استقلالها السياسي المتزايد عن الرياض في عدد من القضايا، قد يعني أن عصر التعاون التلقائي بينهما قد ولّى.
وكتب أيهم كامل من يوريجا في مذكرة بحثية “ربما تعارَضت ميول الإمارات والسعودية بشأن سياسة أوبك+. سياسة السعودية في السنوات القليلة الماضية كانت تعطي الأولوية بشكل كبير للأسعار على حساب الحصة السوقية، ومنطق التدخلات المستمرة في الأسواق سيكون محل تمحيص من الإمارات”.
وأضاف “أبوظبي تفتح الباب أمام تفسيرات أقل حدة للتحركات الضرورية في عالم ما بعد كوفيد – 19. التحول العالمي للطاقة نحو المصادر المتجددة سيزيد في عهد إدارة بايدن، مما يجعل تقييم نهج الحصص السوقية مما يستحق الاستكشاف على الأقل”.
وخفضت مجموعة أوبك+، المؤلفة من منتجي أوبك وحلفاء مثل روسيا، نحو ثمانية ملايين برميل يوميا من إمدادات السوق العالمية مع استمرار تراجع الطلب على الوقود بفعل جائحة كورونا.
وكان من المتوقع على نطاق واسع أن تمدد المجموعة تخفيضات الإنتاج الحالية البالغة 7.7 مليون برميل يوميا حتى الفترة من يناير إلى مارس 2021 في ظل عودة تفشي الجائحة. وكانت السعودية المؤيد الرئيسي لهذه الخطوة.
لكن وفقا لمصادر في أوبك+ والقطاع، فقد احتجت الإمارات خلال الاجتماعات الأخيرة لأن تخفيضات النفط تؤدي إلى تعطيل حوالي نصف طاقتها الإنتاجية في وقت تستثمر فيه المليارات من الدولارات لزيادتها.
وقالت المصادر إن مسؤولين إماراتيين أبلغوا نظراءهم في أوبك+ بأن لدى شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) التزامات إمداد مع شركات نفط عالمية شريكة في حقوق الملكية وتساعد في تطوير حقولها. وعندما تخفض البلاد إنتاجها، تضطر شركات النفط الأجنبية أيضا إلى الخفض.
ويتنامى منذ شهور الإحباط داخل الإمارات بسبب التخفيضات الكبيرة وتدني مستوى الإنتاج الأساسي عند مقارنتهما بطاقتها الإنتاجية، بينما تجد صعوبة في الوفاء بالتزاماتها حيال الاستهلاك المحلي والصادرات.
ولا تستغل أبوظبي نحو 33 في المئة من قدرتها الإنتاجية، وتضخ 2.59 مليون برميل يوميا، انخفاضا من نحو 3.9 مليون برميل يوميا قبل التوصل إلى اتفاق أوبك+ على تقليص الإمدادات في أبريل، حسبما تظهره بيانات من أوبك والقطاع.
وعند المقارنة مع الأعضاء الآخرين في أوبك+، تُظهر البيانات أن الإمارات تضطلع بأكبر تخفيضات كنسبة من قدرتها الإنتاجية.
وفي الوقت نفسه عززت أدنوك طاقتها الإنتاجية من النفط إلى أكثر من أربعة ملايين برميل يوميا من نحو 3.5 مليون برميل يوميا في 2018، وتعتزم رفعها إلى خمسة ملايين بحلول 2030.
وتوسعت أدنوك منذ 2016 في إبرام اتفاقات امتيازات إنتاج النفط ودخلت في شراكات مع شركات نفط جديدة في آسيا وأوروبا، ومنحت صفقات تنقيب عن النفط والغاز للمرة الأولى.
الإمارات تعلم أوبك أنها ستجد صعوبة في خفض الإنتاج، ما تسبب في تأجيل البت في استراتيجية ضبط السوق
وتمكنت الشركة من جذب استثمارات من أكبر مديري الصناديق وصناديق التقاعد في العالم، منها شركة الاستثمار بلاك روك، في مسعى نادر بالنسبة إلى شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط، وذلك عبر بيع حصص في بنيتها التحتية.
وتعتزم أدنوك أيضا بدء تداول خامها الرئيسي مربان في الربع الأول من 2021 بغض النظر عن اتفاق تخفيضات أوبك+.
وتقول مصادر إن طموحات أبوظبي بالنسبة إلى خام مربان قد تُعقد التزامها بتخفيضات عميقة في المستقبل، إذ قد يكون من الصعب إقناع المستثمرين والمتعاملين الأجانب بإمكانية تداول الخام بحرية كخام قياسي إذا كانت أبوظبي مضطرة إلى تحديد مستويات للإنتاج بموجب سياسة أوبك الخاصة بالإمدادات.
وقال مصدر أحيط علما بالأمر “من غير الواضح كيف ستؤثر تخفيضات أوبك النفطية على تداول مربان لأن أدنوك ستحتاج إلى الالتزام بكميات معينة من النفط تتوافر بحرية في السوق”.
وأضاف “أنا متأكد من أن الإمارات ستلتزم باتفاق أوبك+ إذا كان هناك توافق على التمديد لثلاثة أشهر أخرى، لكن هذا صعب جدا”.
وهناك عامل آخر ربما يزيد من إحباط أبوظبي فيما تتمسك الرياض بموقف متشدد حيال الإمدادات. فالجائحة ربما أدت إلى تسريع انتقال العالم نحو مستقبل تقل فيه انبعاثات الكربون، بينما تفكر شركات نفط كبيرة في العالم في احتمال عدم تعافي الطلب على الوقود أبدا وعودته إلى مستويات ما قبل الجائحة.
وتحوز الرياض وأبوظبي على بعض من أرخص احتياطات النفط من حيث تكلفة الإنتاج، ومما يكمن خلف التوتر بينهما هو الرغبة في ضخ أكبر قدر ممكن قبل أن يخفض التحول عن الوقود الأحفوري قيمة النفط.
وأدنوك، التي تتمتع بأحد أقل تكاليف إنتاج برميل النفط في العالم، وباعتبارها شركة النفط الرئيسية في الإمارات، ترغب في التأكد من جني أكبر قدر من المال من هذه الاحتياطيات ونيل أكبر حصة سوقية ممكنة قبل تحول العالم إلى مصادر الطاقة منخفضة الكربون، بحسب مصادر في القطاع.
وقال مصدر مطلع على تفكير أدنوك “في النهاية، وبينما تشرع أدنوك في استكشاف أشكال جديدة من الطاقة مثل الهيدروجين، وهي في وضع يمكنها من الاستفادة من ذلك، فإن النفط والغاز سيظلان في صميم أعمالها”.
وتابع “ولأنها منتج منخفض التكلفة والكربون، فإنها في وضع يتيح لها الاستفادة من طلب السوق في المستقبل”.