مستشار الغنوشي السابق يدعو النهضة إلى نزع جبة الإسلام السياسي

تونس - جدّد مستشار رئيس حركة النهضة الإسلامية السابق في تونس لطفي زيتون انتقاداته لحزبه السابق، وقد أكد أنه لم يتتونس بعدُ، وأنه عليه القيام بمراجعات في علاقة بانتمائه إلى تنظيم الإخوان المسلمين، وذلك في وقت تشهد فيه الحركة الإسلامية انقسامات عميقة.
وقال زيتون، المستقيل حديثا من النهضة، إنه ’’كان يتعين على النهضة التي قارعت نظام الحكم الاستبدادي قبل ثورة عام 2011، البدء بمراجعات فكرية قبل سنوات وعدم المجازفة بدخول الحكم في أولى سنوات الانتقال الديمقراطي‘‘.
وأضاف في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية أن المراجعات داخل حزبه بدأت مع الثورة قائلا ’’نحن حركة واجهت الدولة لمدة طويلة بفعل انغلاق الدولة وبفعل تصوراتنا الأيديولوجية تجاه الدولة الوطنية”.
وأوضح زيتون ”جاءت الثورة وفتحت الباب للعمل السياسي والمشاركة في الانتخابات. في تلك الفترة طالبت في ورقة داخلية للحركة بأن تكون هناك وقفة ومراجعات”، لكن يبدو أن هناك تيارا داخل النهضة عمل على الحيلولة دون ذلك.
وانسحب زيتون مؤخرا من النهضة، بعد أن قدّم استقالته من منصب مستشار لرئيس الحركة، راشد الغنوشي، الذي يرأس أيضا البرلمان التونسي، بالتزامن مع ما شهدته الحركة الإسلامية من سجالات داخلية.
وخرجت هذه السجالات إلى العلن مع توجيه 100 قيادي داخل النهضة، رسالة إلى رئيسهم راشد الغنوشي يطالبونه فيها بعدم الترشح لرئاسة الحزب مرة أخرى، وهو ما قوبل بتجاهل كبير من الغنوشي.
ويرى زيتون أن حركة النهضة فشلت في إدارة الحكم خلال الفترة الأولى بعد الثورة بسبب الاستمرار في نفس الخط السياسي لفترة ما قبل الثورة، إضافة إلى عجزها عن الاستجابة إلى الضغوط المطالبة بتحوّلها إلى حزب وطني باعتبارها “الحزب الأكبر” في البلاد.
وكان قادة الحزب قد أعلنوا في المؤتمر العاشر في عام 2016 فصل الجناح الدعوي عن الحزب حتى يتسنى له التفرغ للعمل السياسي، وهي خطوة كان يقصد بها التصاق الحزب أكثر بقيم الجمهورية والدولة المدنية.
ويوضح زيتون بشأن هذا التحول ”تضمّن المؤتمر إصلاحات سياسية وفكرية واستفاد من تجربة الحكم، لكن هذا بقي حبرا على ورق بسبب شدة المقاومة التي ترى أن الإسلام السياسي مثلما كان صالحا أثناء الاحتجاج، فهو صالح في فترة البناء”.
وتابع زيتون “في رأيي، وبحسب خلاصاتي الشخصية، فإن الإسلام السياسي في السنوات الأخيرة قبل الربيع العربي تحوّل إلى عامل تفرقة وانقسام في المجتمعات وفي بعض المناطق الساخنة التي كادت تتحول إلى حروب أهلية”.
ومضى زيتون في تعليقه على الصعوبات التي يواجهها الإسلام السياسي، قائلا “لقد تبيّن أن الأيديولوجيا ليست صالحة للبناء، هذا كان مضمون حوار داخلي يجري داخل النهضة، بعد سنة من الانتخابات (2019) وزعنا فيها وعودا بسخاء على الناس والآن نحن ننسحب ونعترف أننا غير قادرين على الحكم”.
وبدلا من الاستمرار بعباءة الإسلام السياسي، يرى المستشار السابق للغنوشي أن حركة النهضة مطالبة بأن تتحول إلى حزب وطني ذي هوية تونسية خالصة، أو أن يكون حزبا محافظا، يمثل انعكاسا للمجتمع التونسي، أسوة بالأحزاب المحافظة في جنوب أوروبا.
وفي هذا الصدد، يقول زيتون ”يجب أن تكون الرابطة الوطنية هي المعيار الأول للحزب، وأن يؤمن بالجمهورية والحريات العامة والشخصية، ولا يدخل البلاد في سياسة المحاور لا على أساس أيديولوجي أو جغرافي ويقدم الحلول لمشاكل المواطنين ويقترب منهم”.
ويُعدّ زيتون (56 عاما) من أبرز قيادات النهضة الذين غادروا الحزب في السنوات الأخيرة حيث عاش الرجل في المنفى منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، وتقلد العديد من المناصب داخل الحزب.
وعلى الساحة الوطنية بدا زيتون أكثر القيادات الإسلامية داخل النهضة ليبرالية، ودعا في العديد من المرات إلى التخلي عن الأيديولوجيا كحزب إسلامي والتحول إلى حزب مدني وهي نقطة لا تزال تثير جدلا داخليا مستمرا دون أن يتم الحسم فيها.
كما يُعدّ زيتون من أبرز المناهضين للسياسات التي اختارت الأحزاب التونسية توخيها منذ 2011، لكن هذا لا يغير شيئا باعتبار أنه كان قياديا بارزا داخل حزب حكم في جل الفترات التي أعقبت ثورة 14 يناير.
وفي تقييمه لمسار الثورة عشية الذكرى العاشرة لاندلاعها في 17 ديسمبر 2010، يعتقد زيتون أن الحصيلة حتى اليوم جاءت “عكس المسار الطبيعي للثورات”.
ويوضح “عادة، الثورات يتبعها الرخاء والعدل، لكن في تونس لا يزال هناك ظلم وفقر متفش (…) عشر سنوات من الانتقال الديمقراطي لم تحقق طموحات الناس. هناك أحزاب سرقت الثورة وحوّلت وجهتها من ثورة اجتماعية اقتصادية تبحث عن العدل، إلى ثورة انتقال سياسي يبحث عن وضع نظام جديد عاجز عن تقديم الحلول والبرامج لعامة الشعب”.
ويرى زيتون أن من نتائج هذا المسار أن الناس انصرفوا عن الأحزاب كرد فعل عن الوعود غير المنجزة، ومع ذلك يؤكد أن “دور الأحزاب لم ينته، لكن دور الأحزاب الأيديولوجي انتهى، وجاء وقت الأحزاب البراغماتية والبرامجية”.
وفي تقدير المستشار السابق للغنوشي، فإن أكبر مظاهر الفشل التي رافقت الانتقال السياسي هي التأخر في وضع محكمة دستورية منذ ست سنوات وتفتيت السلطة والصراع بين رأسي السلطة التنفيذية (الرئيس ورئيس الحكومة).
ويوضح زيتون هذا الرأي قائلا ”المشكلة في بنية النظام السياسي، فهو قائم على تفتيت الدولة، وهذا يفسر أن صياغة الدستور كانت من قبل معارضين كان هاجسهم الأول التصدي للاستبداد، فبدلا من وضع ضمانات لمنع الاستبداد وقع تفتيت السلطة، والدستور هو من بين الأضعف في توفير ضمانات عدم الجور”.
وبدلا من ذلك، يقترح زيتون بأن يتم وضع نظام سياسي متناسق يختاره الشعب ثم يفصله خبراء القانون، لكنه استدرك بالقول ”يحتاج هذا لإصلاح دستوري، لكن هل ممكن فعل ذلك في ظل التمزق وغياب محكمة دستورية؟”.