أمازيغ مصر أمام تحدي الحفاظ على هويتهم في واحة سيوة المنعزلة

مناهج المدارس المصرية لا تتيح دراسة أي من لغات الأقليات في البلاد مثل السيوية والنوبية.
الأربعاء 2020/12/02
تشبّث بالهوية

واحة سيوة (مصر) – يواجه أمازيغ مصر الذين يقطنون واحة سيوة المنعزلة صعوبات كثيرة للمحافظة على هويتهم وتاريخهم، بدءا من التمسك باللغة الأمازيغية واللهجات المتفرعة عنها كوسيلة تواصل في ما بينهم.

وبينما يقود يوسف دياب شاحنته عبر واحة سيوة المصرية، يردد أغنيات باللغة الأمازيغية المحلية مفعمة بالحياة .. إنها السيوية.

وتصنّف الأمم المتحدة هذه اللغة المتفرعة من اللغة الأمازيغية المستخدمة في شمال أفريقيا خصوصا في بلاد المغرب، على أنها “مهددة بالانقراض”.

لكن في الواحة التي تقع بصحراء مصر الغربية، من يتحدثون العربية كلغة أساسية قلائل، فحين يلعب الأطفال عند سفح قلعة سيوة القديمة يتحدثون ويصيحون بالسيوية.

ويعبر دياب، المرشد السياحي البالغ من العمر 25 عاما، الذي وضع على نافذة شاحنته الخلفية علما أمازيغيا ملونا بالأصفر والأخضر والأزرق، عن قناعته بأن لغته الأم لن تموت، مشيرا إلى أن “الجميع يتحدثون بها هنا”.

ويعتبر الأمازيغ في سيوة من أبرز الأقليات في مصر، أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان (مئة مليون)، والتي حملت راية القومية العربية لفترة طويلة.

وتقع سيوة على بعد حوالي 560 كيلومترا غرب القاهرة، ولم تخضع الواحات لسيطرة الدولة إلا عندما سيطر عليها محمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة، في عام 1820.

وتقول أستاذة اللغويات الاجتماعية فالنتينا سيريلي التي أعدت أطروحة دكتوراه عن اللغة في الواحة، إن انعزال الواحة “سمح لسيوة وسكانها بالحفاظ على تقاليدهم الخاصة ولغة تميزهم عن الثقافة المصرية السائدة”.

وحتى ثمانينات القرن الماضي، لم تكن اللغة العربية رائجة هناك، إلا أن “السياحة والإعلام والتنقل من أجل التعليم العالي أو العمل”، أمور ساهمت في انتشارها، بحسب ما تقول سيريلي.

وقدّرت الأمم المتحدة في عام 2008 أن نحو 15 ألف شخص يعيشون في الواحة، أي تقريبا نصف السكان، يتحدثون اللغة السيوية، لكن سيريلي ترى أن الرقم الحقيقي يزيد بحوالي 5000 شخص.

وتتابع “تعتبر اليونسكو اللغة مهددة بالتأكيد لأن الأطفال لم يعودوا يتعلمونها كلغة أم في المنزل”. وتستطرد “على حد علمي، هذا ليس صحيحا.. اللغة السيوية هي السائدة في الحديث، حتى بين الصغار”.

واحة معزولة

تاريخ يوشك على الاندثار
تاريخ يوشك على الاندثار

يقول إبراهيم محمد، أحد شيوخ القبائل في المنطقة البالغ عددها 11 قبيلة، إن "السيوي" كان مركزا لـ”الهوية الأمازيغية” للواحة.

وعلى الرغم من تدفق السياح في العقود القليلة الماضية إليها، لا تزال الواحة معزولة نسبيا، إذ لا يمكن الوصول إليها إلا عبر طريق واحد على ساحل البحر المتوسط.

ويقول رئيس مكتب السياحة المحلي مهدي الحويتي، ابن الواحة الذي ابتعد من أجل الدراسة ثم عاد، “السيويون في سيوة مثل السمك في الماء، لن يتركوها لأجل أي شيء في العالم”.

وعلى الرغم من هذا الولاء للجذور، يواجه سكان سيوة تحديات عديدة لحماية لغتهم، بما في ذلك الهيمنة الثقافية للغة العربية وحقيقة أن اللغة السيوية يتم تناقلها فقط داخل العائلات.

ويتذكر الشيخ إبراهيم الذي كان اعتمر قلنسوة سوداء، “في الماضي، كان الآباء يتحدثون فقط اللغة السيوية التي لم يجمعها شيء مع اللغة العربية، لكن اليوم، أصبحت اللغة أقرب وأقرب إلى العربية”.

وبينما تتيح مناهج المدارس المصرية دراسة اللغات الأجنبية، لا يتم تدريس أي من لغات الأقليات في البلاد، مثل السيوية والنوبية. ويرى محمد أن “اللغة يجب أن تدرس بشكل رسمي حتى لا تختفي”.

وتبذل جمعية “أطفال سيوة” الأهلية المحلية جهودا للحفاظ على اللغة، إذ حرصت في العام 2012 على نشر مجموعة من الأغاني والقصائد والأمثال باللغتين السيوية والعربية، وعمل على ذلك ستون شخصا من شباب وشيوخ الواحة بالتعاون مع بعض الشركاء من المغرب وإيطاليا.

وعلى الرغم من هذه الجهود، فقد نفدت نسخ الكتاب ولم يعد التمويل كافيا لطباعة نسخ أخرى، وفق ما يقول نائب رئيس الجمعية يحيى قناوي.

ويضيف “نحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد للحفاظ على تراثنا.. لكن لا يمكننا أن ننجز عشرة في المئة مما نرغب فيه، لأن الجمعية لا تحصل على أي تمويل”.

رغم ذلك، يتمسك دياب بأمل استمرار تناقل لغته، ويقول “في المدرسة، يتعلم ابني إبراهيم العربية ويقرأها ويكتبها. أما في المنزل، فعليه أن يتحدث بالسيوية”.