تنظيم داعش في العراق يُحْيي أجواء ما قبل غزو الموصل

سامراء (العراق) – أثار سقوط عدد كبير من الضحايا في هجوم شنّه تنظيم داعش بشمال العاصمة العراقية بغداد، المخاوف من مرحلة دموية جديدة قد يكون التنظيم بصدد تدشينها، بعد أنّ تبيّن أنّه أبعد ما يكون عن نهايته رغم الحرب العسكرية والأمنية المرهقة التي شنّت ضدّه ورغم التضحيات الكبيرة التي قدّمت خلالها.
وأعلنت محافظة صلاح الدين شمالي بغداد، الحداد لثلاثة أيام بعد مقتل عشرة أشخاص في هجوم ألقى البعض تبعاته على “عجز القوات العراقية عن القضاء على الخلايا السرية لتنظيم داعش”.
وقتل ستة من أفراد قوات الأمن وأربعة مدنيين، مساء السبت، في كمين نصبه عناصر من داعش قرب سلسلة جبال مكحول الواقعة على بعد مئتي كيلومتر شمال بغداد، بحسب مصادر في الشرطة.
وانفجرت قنبلة على جانب الطريق لدى مرور سيارة كانت تقل مدنيين قرب قرية المسحك وعندما حضر عناصر الشرطة وأفراد من الحشد الشعبي لإنقاذهم، تعرضوا لإطلاق نار من عناصر التنظيم.
وبعد ثلاث سنوات من المعارك الدامية لاستعادة ثلث الأراضي العراقية التي سيطر عليها تنظيم داعش. وعلى الرغم من أن التنظيم فقد سيطرته على الأراضي، ما تزال خلاياه النائمة تشنّ هجمات كرّ وفرّ على القوات الأمنية والمدنيين وتستهدف بنى تحتية للدولة، خصوصا في مناطق مفتوحة تمتد إلى الشمال من بغداد.
وكان أحد عشر عراقيا بينهم مقاتلون من الحشد الشعبي، قتلوا قبل عشرة أيام في هجوم بقنبلة يدوية على نقطة عسكرية في منطقة الرضوانية، ذات الغالبية السنية، الواقعة إلى الغرب من بغداد.
وتفيد دراسة نشرت هذا الشهر “للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب” في لاهاي، أن نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في العراق “تسارع بشكل كبير من فبراير 2020 فصاعدا”، حيث وصل إلى مستويات “تقترب من القلق” من تلك التي سبقت اجتياحه لمدينة الموصل ومن ثم لثلث مساحة العراق في عام 2014.
ولفتت الدراسة الانتباه إلى أنّه “يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبشكل عام، ينتقل من مرحلة إعادة بناء إلى أخرى تتميز بهجمات جريئة على غرار حرب العصابات”.
وتزامنت الهجمات مع حملة جديدة لقوات الأمن العراقية لاعتقال عناصر داعش المختبئين في أرض وعرة في شمال وغرب البلاد. وقبل يوم من وقوع الهجوم، أعلن قائد الشرطة الاتحادية الفريق الركن جعفر البطاط خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الرسمية العراقية، السيطرة على جبل مكحول.
وأثار الهجوم الأخير غضب شخصيات محلية بارزة. وكتب النائب السني مشعان الجبوري، أحد ممثلي محافظة صلاح الدين في البرلمان، في تغريدة بعد الهجوم الذي وقع ليلة السبت “قوات الأمن أكدت لنا توا بأن هذه المنطقة تم تطهيرها”.
وقال السياسي السني جمال الضاري، في تغريدة مماثلة، إنّ “الجريمة البشعة في قرية المسحك تكشف عن الفشل المتكرر بخطط محاربة الإرهاب”. وأضاف “على حكومة مصطفى الكاظمي أن تكون جادة بوضع استراتيجية وطنية للقضاء على الخلايا الإرهابية من خلال التعاون الحقيقي وتفعيل الجهد الاستخباراتي وألا تكتفي بتشكيل لجان التحقيق الصورية”.
ويقابل العراقيون تشكيل اللجان التحقيقية مرارا من قبل الحكومة بسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لعدم التوصل لأي نتائج.

وتأتي هذه الهجمات تزامنا مع قيام التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، بخفض عدد قواته التي ساندت العراق في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية منذ عام 2014.
وأعلنت واشنطن الأسبوع الماضي، بأنها ستسحب قريبا 500 جندي من قواتها في العراق بحلول منتصف يناير القادم، ليبقى بذلك 2500 من جنودها فقط في هذا البلد.
وقال القائد الأعلى للقوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال كينيث ماكنزي إن التقدم الذي أحرزته قوات الأمن العراقية في السنوات الأخيرة سمح بانسحاب القوات الأميركية.
وستتركز مهمة القوات المتبقية في العراق على تدريب القوات الأمنية وتنفيذ ضربات جوية لدعم عملياتها وتسيير ومراقبة الطائرات المسيرة فوق البلاد.
وصوت البرلمان العراقي في يناير الماضي بعد 48 ساعة من اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ومساعده العراقي أبومهدي المهندس قرب مطار بغداد، على وجوب مغادرة 5200 جندي أميركي كانوا ينتشرون في العراق.
ومن جهتها، تدعو الحكومة العراقية الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي الذي يُنظر لحكومته على أنها تميل إلى الولايات المتحدة، إلى إمهال الأميركيين ثلاثة أعوام للانسحاب.
وهذا ما دفع الفصائل الموالية لإيران إلى تنظيم سلسلة مسيرات خلال الأشهر الأخيرة، لمطالبة الكاظمي بتنفيذ القرار. وكتب على واحدة من اللافتات التي رفعت خلال تلك الاحتجاجات “إذا لم تغادر لوحدك، فإن صواريخنا ستجبرك على الخروج”، في إشارة إلى عشرات الهجمات الصاروخية التي استهدفت منذ أكتوبر الماضي مقار دبلوماسية وعسكرية غربية ما دفع الولايات المتحدة للتهديد بإغلاق سفارتها في بغداد في حال توقف تلك الهجمات.
ويحذّر خبراء أمنيون من أن انسحاب القوات الأميركية من العراق سيقلّص دور التحالف الدولي ضد داعش الذي تقوده الولايات المتحدة، وقد يُدخل البلد في أزمة أمنية حادّة.
وطالبت فرنسا مؤخرا الولايات المتحدة بعدم سحب قواتها من العراق وأفغانستان، معتبرة أنّ ذلك سابق لأوانه نظرا لعدم القضاء على الإرهاب في البلدين.