مغريات السلطة تعجّل بتمزيق الشعارات الأخلاقية لجماعة الحوثي

الصعود السريع لجماعة الحوثي في اليمن وانتقالها في فترة وجيزة وبشكل غير متوقّع حتى من قبل كبار قادتها من طور “الثورة” والتمرّد إلى ممارسة السلطة على مساحات شاسعة من اليمن تضمّ قسما كبيرا من سكانه، يضعانها بشكل مبكر، أيضا، في مواجهة مصير الحركات السياسية العقائدية القائمة على مبادئ أخلاقية فضفاضة وشعارات دينية أو قومية وطائفية عامّة، سرعان ما تحترق عند احتكاكها بواقع ممارسة الحكم بمتطلباته المعقّدة ومغرياته الكثيرة الدافعة في أغلب الأحيان إلى تفجّر الخلافات والصراعات.
صنعاء - لم يكن اختيار إيران لضابط في حرسها الثوري ليكون “سفيرا” لها في العاصمة اليمنية صنعاء مقرّ “حكومة” جماعة الحوثي غير المعترف بها دوليا، متعلّقا فقط بمساعدة الجماعة المرتبطة بطهران سياسيا وعقائديا، في حربها ضد السلطة الشرعية اليمنية والتحالف العربي بقيادة السعودية، بل جاء أيضا بعد أن تناهت إلى علم طهران أنباء غير مطمئنة تنذر بتفجّر الجماعة التي تعوّل عليها لضمان موطئ قدم لها في جنوب شبه الجزيرة العربية، بسبب استشراء الصراعات داخلها على المكاسب السياسية والمادية بعيدا عن الشعارات الدينية التي قامت عليها الحركة الحوثية منذ إنشائها أوائل تسعينات القرن الماضي على يد حسين بدر الدين الحوثي.
وتواجه الجماعة في الوقت الحالي مصير الغالبية العظمى من الحركات العقائدية عندما تنتقل من مرحلة “الثورة والتمرّد” ورفع الشعارات المتوهّجة وطرح البرامج الحالمة حيث غالبا ما تسود اللحمة والوفاق علاقات القيادات ببعضها بعضا وعلاقاتها بالجماهير والأتباع المتأثرين بأفكار الحركة ودعواتها، إلى طور ممارسة السلطة وخوض تجربة الحكم بمسؤولياته ومغرياته التي سرعان ما تظهر زيف الشعارات وعدم واقعية الأهداف المرسومة، وتضعف حتى إيمان القادة بما كانوا يدعون إليه ويعملون على نشره وترسيخه، وتجعلهم ينصرفون بواقعية نحو ترسيخ سلطاتهم وتحصيل أقصى قدر ممكن من المكاسب السياسية والمادية، ليصطدموا بالطامحين مثلهم إلى الوصول إلى نفس الغايات وتحقيق ذات الأهداف.
وكشفت مصادر سياسية من داخل العاصمة اليمنية صنعاء عن قيام “السفير” الإيراني حسن إیرلو منذ وصوله متسلّلا إلى صنعاء منتصف أكتوبر الماضي بين ركاب طائرة قادمة من العاصمة العمانية مسقط وعلى متنها العشرات من جرحى الحوثيين العائدين في إطار تفاهم مع الأمم المتحدة، بجهود كبيرة لتطويق خلافات حادّة بين شخصيات وأجنحة داخل السلطة غير الشرعية التي يقيمها الحوثيون في العاصمة اليمنية وباقي المناطق التي يحتلونها في شمال وغرب اليمن.
الحركات العقائدية تبدأ في التفكك عندما تنتقل من مرحلة الثورة إلى ممارسة السلطة بمسؤولياتها ومغرياتها
وأوضحت ذات المصادر أن ضابط الحرس الثوري استخدم السلطة التي تمتلكها بلاده على القيادات الكبيرة في جماعة الحوثي وعلى كبار المسؤولين في “حكومة” صنعاء الموازية، لمنع انفلات الصراع الذي دار حول مواقع حكومية وقطاعات اقتصادية ومشاريع تجارية وأموال وممتلكات هي عبارة عن فلل سكنية ومتاجر ومزارع في ضواحي العاصمة والمحافظات القريبة كان بعض القادة السياسيين والعسكريين قد استولوا عليها وكانت على ملك سياسيين ورجال أعمال وتجار فرّ بعضهم لدى احتلال الحوثيين لصنعاء في خريف سنة 2014 وقتل البعض الآخر وزجّ بشق ثالث في السجون بتهمة مناهضة الانقلاب الحوثي.
ونجح الحوثيون المتحصّنون خلف جدار سميك من السرية والتكتّم اللصيقين بحركتهم منذ إنشائها وحتى غزوها لمناطق اليمن، في حجب صراعاتهم الداخلية التي وصلت في أحيان كثيرة حدّ المواجهات بالسلاح والتصفيات الجسدية التي يُحسَب من يسقط فيها ضمن قتلى المواجهات العسكرية ضد القوات الحكومية والمقاومة المساندة لها، إلاّ أنّ مقتل حسن زيد وزير الشباب والرياضة في حكومة الحوثي كشف حدّة الصراعات، حيث لم يكن بالإمكان حجب حدث بذلك الحجم.
ودأب زيد في الآونة الأخيرة على توجيه انتقادات غير مباشرة لمراكز النفوذ التي تشكلت في صنعاء، ملوّحا بمسؤوليتها عن عمليات السطو على الممتلكات العامة والخاصة التي تفاقمت في مناطق سيطرة الحوثيين، وهو ما يرجح أن تكون عملية اغتياله قد تمّت، في إطار الصراع المحتدم بين الأجنحة المتنفذة في الجماعة الحوثية على توزيع مناطق النفوذ في صنعاء والمحافظات.
وعلى وقع الحديث المتزايد عن استشراء الفساد في مفاصل الجماعة الحوثية، وارتفاع وتيرة الصراع بين الأجنحة النافذة في الجماعة، برزت أصوات جديدة من داخل قيادات الجماعة الحوثية في صنعاء وصعدة لانتقاد الوضع الذي تشهده المناطق الخاضعة لسلطة الحوثي وطريقة إدارة الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية والخدمية وانتشار الفساد المالي والإداري.
ومن أبرز الأصوات التي انتقدت علانية هذا الوضع القيادي الحوثي البارز والرئيس السابق للمجلس السياسي للجماعة صالح هبرة، إضافة إلى شخصيات أخرى يرجح أنها تخوض معركة إعلامية وسياسية للدخول في معادلة القوة والحصول على مكاسب مالية، كما هو الحال مع قيادات حوثية من الدرجة الثانية مثل فارس الحباري وصالح الوجمان.
وازداد أمر الخلافات الحوثية الداخلية انكشافا لدى الإعلان عن توقيف ثلاثة مسؤولين في حكومة صنعاء بينهم وزير المياه نبيل الوزير، والشروع في التحقيق معهم بتهم فساد، وذلك في امتداد لعملية تصفية الحسابات الداخلية التي تعصف بالجماعة منذ أشهر، حيث كانت عملية التوقيف تلك على علاقة مباشرة بنهب أموال المساعدات الإنسانية الدولية، التي تقول مصادر يمنية إنّ التنافس الحاد على الاستيلاء عليها يمثّل أحد الأسباب الرئيسية للخلافات بين أقطاب جماعة الحوثي.