فرنسا تستدعي سفيرها لدى تركيا ردا على تشكيك أردوغان في مدارك ماكرون العقلية

اسطنبول – استدعت فرنسا السبت سفيرها في أنقرة عقب تصريح للرئيس رجب طيب أردوغان هاجم فيه نظيره الفرنسي مشككا بصحته العقلية، الأمر الذي اعتبرته باريس “غير مقبول”.
وأعلن مسؤول في الرئاسة الفرنسية أنّ باريس استدعت سفيرها لدى أنقرة للتشاور، موضحاً أنّه سيلتقي ماكرون لبحث الوضع في أعقاب تصريحات أردوغان.
وقال إنّ “تصريحات الرئيس أردوغان غير مقبولة. تصعيد اللهجة والبذاءة لا يمثلان نهجاً للتعامل. نطلب من أردوغان أن يغيّر مسار سياسته لأنّها خطيرة على كل الصعد. لن ندخل في سجالات عقيمة ولا نقبل الشتائم”.
وتركيا وفرنسا حليفتان في حلف شمال الأطلسي لكنهما على خلاف حول مجموعة من القضايا تتعلق بسياسات كل منهما في سوريا وليبيا وخلاف بشأن تنقيب أنقرة عن النفط والغاز وترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، فضلا عن الصراع في إقليم ناجورني قره باغ.
بيد أنّ أنقرة بدأت تعرب الآن عن غضبها تجاه حملة يقودها ماكرون لحماية قيم العلمانية في بلاده في مواجهة الإسلام المتطرف، في قضية اكتسبت زخماً إضافياً إثر قتل المدرّس صامويل باتي الشهر الحالي لعرضه رسوماً كاريكاتورية للنبي محمد أمام تلامذته.
وقال أردوغان في كلمة ألقاها أمام مؤتمر لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه في مدينة قيصري بوسط تركيا "ما هي مشكلة هذا الشخص الذي يدعى ماكرون مع المسلمين والإسلام؟ ماكرون يحتاج إلى علاج على المستوى النفسي".
وأضاف "ماذا يمكن أن يقال أيضا لرئيس دولة لا يفهم حرية المعتقد ويتصرف بهذه الطريقة أمام ملايين الأشخاص الذين يعيشون في بلده ويؤمنون بدين مختلف؟".
وأردف “يحتاج ماكرون فحصا عقليا”، متوقعاً في الوقت نفسه ألا يحقق الرئيس الفرنسي نتائج جيدة في الانتخابات الرئاسية عام 2022.
“لا تعازي”
أشار المسؤول في الإليزيه إلى “غياب رسائل التعزية والمساندة من الرئيس التركي عقب اغتيال (المدرّس) صامويل باتي” بِقَطع الرأس قبل أسبوع في اعتداء نفذه إسلامي قرب مدرسته في الضاحية الباريسية.
ووصف ماكرون الإسلام هذا الشهر بأنه ديانة تعيش “أزمة” حول العالم، مشيراً إلى أنّ الحكومة ستقدّم مشروع قانون في ديسمبر لتشديد قانون صدر عام 1905 يفصل رسميا بين الكنيسة والدولة في فرنسا.
وأعلن تشديد الرقابة على المدارس وتعزيز الرقابة على التمويل الخارجي للمساجد.
وتطوّر النقاش حول الإسلام في فرنسا في أعقاب قتل المدرّس باتي على يد شاب شيشاني يبلغ 18 عاماً كان على تواصل مع جهادي في سوريا وفق ما ذكر المحققون.
وتركيا بلد ذو غالبية مسلمة لكنه علماني، وعضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لكنه ليس جزءا من الاتحاد الأوروبي الذي بقي طلب انضمامه إليه معلقا لعقود على خلفية عدد من الملفات الخلافية.
ولا يتقاعس أردوغان عن محاولة الظهور في هيئة "الخليفة"، رافع راية الإسلام وموحد المسلمين، بهجماته المتكررة ضدّ زعماء، ودعمه لمقاتلين متشددين في سوريا وليبيا، وتأجيجه للصراع بين أرمينيا وأذربيجان، في خطوات تعمّق الخلافات الإيديولوجية والعقائدية، وتدفع كثيرين إلى التعصّب ونصرة التطرف الديني ونبذ سبل الحوار والتعايش السلمي.
خلافات متعددة
برزت أحدث الخلافات بين الزعيمين في ملف النزاع بإقليم ناغورني قره باغ الذي تقطنه غالبية أرمنية وأعلن انفصاله عن أذربيجان إثر تفكك الاتحاد السوفياتي، ما قاد إلى حرب بداية التسعينات خلفت 30 ألف قتيل.
وتدعم تركيا أذربيجان في النزاع الذي أودى بحياة المئات منذ تجدده في نهاية سبتمبر، لكنّها تنفي اتهامات ماكرون لها بإرسال مئات المقاتلين السوريين دعماً للقوات الأذربيجانية.
واتهم أردوغان فرنسا التي ترأس مع روسيا والولايات المتحدة مجموعة مينسك، السبت، بأنها “تقف خلف الكوارث والاحتلال في أذربيجان”.
وتوجه إلى باريس بالقول “أنتِ جزء من ثلاثي مينسك. ماذا فعلتِ حتى الآن؟ هل أنقذتِ الأراضي الأذربيجانية من الاحتلال؟ لا. فقط ترسلين الأسلحة إلى الأرمن”. وأضاف “هل تظنين أنكِ ستستعيدين السلام بالأسلحة التي ترسلينها إلى الأرمن. لا يمكنكِ ذلك لأنكِ لستِ نزيهة”.
وأوضح المسؤول في الإليزيه أنّ لدى أردوغان شهرين لتغيير الموقف بما يضع حداً لـ”المغامرات الخطيرة” في شرق المتوسط و”السلوك غير المسؤول” لأنقرة في ناغورني قره باغ، وقال “يجب إقرار إجراءات في نهاية هذا العام”.
وتظاهر نحو مئتي شخص مساء السبت أمام مقر إقامة سفير فرنسا في إسرائيل للتنديد بموقف الرئيس الفرنسي، الذي أحرقت صوره في غزة، فيما تزايدت الدعوات لمقاطعة البضائع الفرنسية في الشرق الأوسط، في إطار ردود فعل غاضبة على تصريحات ماكرون.