انعدام أسباب الحياة الكريمة في إيران يدفع الأطفال إلى الانتحار

العنف والضغوط والزواج القسري عوامل تؤدي باليافعين إلى الموت
الخميس 2020/10/22
يأس الأطفال من تحقيق حياة متزنة يدفعهم إلى الموت

غذّت حالة الفقر والحرمان التي يعيشها الإيرانيون، والتي يرجعها باحثون ومحللون إلى نظام الحكم الفاسد لرجال الدين، الشعور باليأس لدى الأطفال والمراهقين، مما دفع بهم إلى الانتحار ووضع حدّ لحياتهم.

طهران – يكشف الارتفاع الصادم لحالات انتحار الأطفال في إيران بالمناطق المحرومة، وخصوصا الغربية منها مثل همدان وكرمانشاه وكردستان ولرستان ومحافظة كهكیلویه وبویر أحمد، عن أسباب عميقة تقف وراء الظاهرة المقلقة وتغذيها باستمرار بينها سوء المعيشة والفقر والحرمان، في صورة تعكس بشكل عام انعدام الحياة.

وفيما تتوفر جميع الأدوات والوسائل اللازمة لمدارس الملالي، يبقى جل الطلاب الإيرانيين محرومين من الاحتياجات الأساسية، حتى أن العديد منهم لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة.

وتنامت في الآونة الأخيرة ظاهرة الانتحار في إيران وتعود أسابها وفق المتابعين والمحللين إلى المشاكل الاقتصادية والنفسية والقضايا السياسية والضغوط الاجتماعية التي يعيشها الشعب الإيراني.

وفي 14 أكتوبر 2020، فاجأ انتحار مراهق يبلغ من العمر 16 سنة الجميع في بارس آباد في أردبيل (شمال غرب إيران). وأفادت الأنباء باستعماله بندقية لوضع حد لحياته.

وبالرغم من أنه لم يتم الإعلان عن هوية هذا الشاب والأسباب التي أدت إلى اتخاذه هذا القرار، إلا أنه تم ربط هذه الحادثة بحلقة الفقر والحرمان المفرغة التي أنهكت الشعب والشباب، والناجمة عن نظام الحكم الفاسد لرجال الدين.

وقبل ذلك بيومين، اجتاحت أخبار وفاة طفلين أصغر منه صفحات التواصل الاجتماعي وصدمت الكثيرين. ففي 12 أكتوبر، انتحر طفل يبلغ من العمر 10 سنوات يعيش في قرية في إيلام (غرب إيران) بسبب الفقر والمشاكل العائلية. وفي نفس اليوم، انتحرت فتاة اسمها موبينا وتبلغ من العمر10 سنوات، وكانت تعيش في أحد أحياء منطقة أمين آباد بطهران، وقررت وضع حد لحياتها شنقا.

وقبل ذلك بيوم واحد، أي يوم 11 أكتوبر، تصدّر خبر انتحار تلميذ يبلغ من العمر 11 سنة في دير عناوين الأخبار. وخنق محمد موسوي، الذي يسكن المدينة الواقعة جنوب محافظة بوشهر، نفسه بسبب فقر عائلته إذ لم يستطع والداه شراء هاتف ذكي يمكنه من متابعة دراسته عبر الإنترنت. ووفقا للإحصاءات فإنه ينتحر أكثر من 13 شخصا يوميا في إيران.

وتتراوح أعمار جل المنتحرين بين 15 و35 سنة. ووفقا لوزارة الصحة، فقد حاول 100 ألف شخص الانتحار في إيران في العام 1997. وفي المتوسط ​​حاول 125 من كل 100 ألف إيراني الانتحار، ونجح 6 منهم فقط. بينما توفي 16 من بين كل 100 ألف شخص حاولوا الانتحار في الولايات المتحدة في العام 2016 . كما أعلنت منظمة الطب الشرعي في إيران، أن 7 في المئة من حالات الانتحار في البلاد هي للأطفال والمراهقين.

تقليد مشاهد الإعدام العلنية والتوزيع غير العادل للثروات في المدن الحدودية يدفعان الأطفال واليافعين إلى الانتحار

وأكد كيانوش هادي شريعتي، الخبير الإيراني في مجال حقوق الأطفال، أن العنف والضغوط والإجبار في التعليم والزواج القسري وتقليد مشاهد الإعدام العلنية والتوزيع غير العادل للثروة، لاسيما بين المدن الحدودية، تعد من الأسباب الحقيقية لارتفاع حالات الانتحار بين الأطفال والناشئين في إيران.

وقال شريعتي في حديث صحافي مع وكالة “إيلنا” الإيرانية، إن الانتحار بين الأطفال في بلاده أصبح مثيرا للقلق ووصل إلى حد التحذير.

وأشار إلى أن العامل الأكثر تأثيرا في حالات الانتحار بين الأطفال في بلاده هو الإعدامات العلنية التي ينفذها النظام في الشوارع بحق المحكومين بالإعدام لأسباب مختلفة.

ويرى متابعون للشأن الإيراني أن ارتفاع معدل انتحار الأطفال يحتاج إلى رؤية أكثر شمولا للظاهرة، مشيرين إلى أن أخبار انتحار الأطفال والمراهقين في إيران أصبحت شائعة مثل أنباء الوفيات الناجمة عن فايروس كورونا.

وقال متابعون إنه لا يمكن اعتماد أي من الإحصائيات التي تعلنها حكومة حسن روحاني، بما في ذلك الإحصائيات التي تعدّد حالات الانتحار، مؤكدين على عمليات التضليل التي تنتهجها لعدم لفت الرأي العام الإيراني والعالمي لها. وتنتهج حكومة روحاني سياسية تقوم على تزوير الإحصائيات الرسمية وتقديم إحصائيات غير واقعية على أنها حقائق بهدف نشر صورة إيجابية عن النظام الإيراني.

وترتبط  جل حالات الانتحار المسجلة في إيران بالمناطق المحرومة، وهو ما يفسر سبب هذه الانتحارات التي يرجعها البعض إلى الفقر والحرمان اللذين طالا المواطنين، وخاصة النساء. ومن بين هذه المناطق تلك الغربية مثل همدان وكرمانشاه وكردستان ولرستان ومحافظة كهكیلویه وبویر أحمد. ولم تكن مقاطعات غيلان ومازندران وأذربيجان الشرقية وخوزستان وأردبيل وقزوين وبوشهر هي الأخرى بمنأى، حيث ارتفع فيها معدل الانتحار.

ويرجع متابعون للشأن الإيراني تفاقم حالات الفقر التي تسبب انتحار الأطفال المحرومين إلى الفساد الذي تمارسه معظم النخب السياسية والدينية بما عطل شريان الحياة لدى أغلب الإيرانيين.

وانتقد ناشط في مجال حقوق الإنسان البرلمان الإيراني قائلا، إن مجلس الشورى يمانع الموافقة على مشروع حماية الأطفال والناشئين، كما تمانع وزارة التربية والتعليم هي الأخرى دخول الأخصائيين الاجتماعيين والمستشارين للمدارس.

وبدوره ذكر مدير قسم الرعاية الاجتماعية في وزارة التربية والتعليم الإيرانية، نادر منصور كياني، أن تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية والانتحار باتت من الظواهر المعروفة والرائجة بين الأطفال في إيران.

أوضاع مأساوية
أوضاع مأساوية

وبينما تلتزم الحكومة دستوريا بتوفير التعليم المجاني للجميع حتى نهاية المرحلة الثانوية، يخصص المسؤولون الحكوميون المدارس والجامعات لصالح أطفالهم. كما أن ميزانية طفل رجل دين تكاد تساوي الميزانية المخصصة لألفي طالب عادي. وبينما تتوفر جميع الأدوات والوسائل اللازمة لمدارس الملالي، يبقى جل الطلاب الإيرانيين محرومين من الاحتياجات الأساسية، ولا يستطيع العديد منهم الذهاب إلى المدرسة.

ويثير انتحار الأطفال والمراهقين تساؤلا حول الدوافع التي تدفع طفلا يافعا يبلغ من العمر 10 أو 11 سنة إلى التفكير في “ظاهرة” تسمى الانتحار ثم يُقدم عليها، حيث يفترض أن يكون الطفل أو المراهق في هذا العمر في المدرسة أو في مكان لممارسة أنشطته المحببة من ألعاب ورياضة وغيرهما. لكن محاولات الانتحار تبرز كدليل إضافي على الظروف المعيشية القاسية في إيران.

ويعرّف علماء النفس والاجتماع، الانتحار على أنه نوع من الانتقام وإلحاق الأذى بالذات الإنسانية، بمعنى أنه سلوك يتخذه الفرد من أجل إنهاء حياته. وتختلف طرق الانتحار من شخص إلى شخص، حيث يبقى الهدف والغاية من ذلك هو الموت.

وأكد أحمد الأبيض، المختص في علم النفس، أن ظاهرة الانتحار مرتبطة بالتخلف الاجتماعي والفقر والتهميش، مشيرا إلى أن الأصل في الإنسان هو غريزة حب البقاء وبالتالي التعلق بالحياة.

وقال الأبيض لـ”العرب” عندما يتعرض الطفل إلى عوامل إنكار الحياة مثل الضرب والتعذيب وإظهار مشاعر الكره والتذمر، فإنه يقدم على وضع حد لحياته. وأضاف أن تعنيف الأم أمام أطفالها وإهانتها وضربها باستمرار سبب من أسباب انتحار الأطفال.

ويرى علماء النفس وعلماء الاجتماع، أن السبب الرئيسي لفعل الانتحار يرجع أساسا إلى عنصر الكآبة، وهو شعور يكون مسيطرا على الذات الإنسانية سيطرة تامة بطريقة تعزز لديها القابلية لتنفيذ فعل الانتحار.

كما أن الشعور بالغبن واليأس لدى بعض الأطفال تجاه العالم الخارجي هو سبب رئيسي في الإقدام على الانتحار، نظرا لأنهم يعتقدون أن هذا العالم لا يفهمهم وليس هناك من يهتم أو يشعر بهم.

Thumbnail
21