تعديل القانون يغرق قطاع الإعلام التونسي بالأموال الأجنبية

فتح الباب على مصراعيه أمام إعلام حزبي وديني يهدد هوية البلاد.
الأربعاء 2020/10/21
مشروع قانون على مقاس الأحزاب

تونس – تجمع المئات من الصحافيين، الثلاثاء، أمام مقر البرلمان رافعين شعارات تطالب بوقف مناقشة مشروع تعديل القانون المنظم لقطاع الإعلام الذي يهدف إلى إغراقه بفضائيات وإذاعات جديدة من خلال سحب شرط الحصول على ترخيص من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا)، في مسار قال إعلاميون إن حركة النهضة هي المستفيد الأبرز منه بالرغم من أن المشروع قدمه ائتلاف الكرامة المقرب منها.

ونفذ صحافيون تونسيون الثلاثاء وقفة احتجاجية أمام مقر البرلمان تنديدا بمقترح لتعديل القانون المنظم للإعلام واعتبروه “تهديدا” للقطاع الإعلامي في البلاد. وردد المئات من المحتجين الذين تجمعوا أمام المبنى الفرعي لمجلس نواب الشعب بمنطقة باردو شعارات من قبيل “إعلام حر، صحافي مستقل” و”تنقيح 116 لن يمرّ” و”لا للتعديل” و”حرية الصحافة خط أحمر”.

هشام السنوسي: المشروع يفتح البلاد أمام قطر وتركيا للاستثمار في الإعلام
هشام السنوسي: المشروع يفتح البلاد أمام قطر وتركيا للاستثمار في الإعلام

ويرى إعلاميون تونسيون أن مشروع القانون جاء على مقاس حركة النهضة وحساباتها الداخلية والخارجية، كما أنه يفتح الباب أمام ظهور إعلام جديد بمواصفات حزبية وخاصة تسهيل امتلاك دول أجنبية أو رجال أعمال أجانب لوسائل إعلام تونسية.

وسبق أن أعلن محمد عبو، القيادي في التيار الديمقراطي ووزير الإصلاح الإداري السابق، عن إحالته شكوى إلى القضاء ضد حركة النهضة تتعلق بامتلاكها أربع قنوات تلفزيونية، بينها “حنبعل” و”الزيتونة” و”الإنسان” و”إم تونيزيا”، معتبرا أن تمويل النهضة لهذه الفضائيات يشير إلى شكوك في وجود عمليات تبييض أموال.

ويمكن أن يوفر مرور هذا المشروع الذي يلاقي معارضة واسعة لدى الهياكل المعنية بالإعلام -نقابة الصحافيين، مالكي المؤسسات الإعلامية، الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري- فرصة أمام تمويلات من تركيا وقطر لخلق رأي عام داعم لنفوذهما المتزايد في تونس، فضلا عن دعم وكلائهما المحليين من إسلاميين.

واتهم هشام السنوسي، عضو الهايكا، الترويكا الجديدة في البرلمان (ائتلاف الكرامة وقلب تونس وحركة النهضة) بأنها تريد اليوم فتح القطاع أمام الأجانب “الذين يأتون من منطقتين محددتين وهما تركيا وقطر للاستثمار في الإعلام، وهذا يعد تدخلا في الشأن التونسي وستكون له تأثيرات كبيرة في المستقبل”.

ولا تتحمل سوق الإعلان في تونس وجود أي قنوات أو إذاعات جديدة، وأن إغراقها بهذا التعديل سينتهي بالمؤسسات القائمة إلى أزمة خانقة، وبدل أن يوفر فرص عمل جديدة -كما يروج مقدمو المشروع- قد ينتهي إلى إغلاق الكثير من المؤسسات القائمة تحت تأثير تراجع العائدات المالية من الإعلانات.

وتعتبر الهيئة أن قناة “نسمة” لمؤسسها نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس وقناة “الزيتونة” المقربة من حزب النهضة، مؤسستان غير قانونيتين.

وتتخوف جهات حقوقية تونسية من أن يسمح القانون الجديد بإغراق البلاد بموجة جديدة من الفضائيات الدينية التي تتناقض مع هوية البلاد، وبروز شيوخ بخطاب دعوي إخواني وسلفي لضرب مكاسب التحديث التونسية، وخاصة مكاسب مدونة الأسرة وحرية الإعلام والرأي والتسامح في المسائل الدينية.

ويسمح التعديل بإلغاء جميع القيود، بما في ذلك التراخيص المسبقة لإطلاق قنوات وإذاعات، مقابل الاكتفاء بالتصريح. ويقول داعموه إنه سيعزز حرية الصحافة.

واعتبر نقيب الصحافيين محمد ياسين الجلاصي أن التعديل يهدد المشهد الإعلامي في تونس، لأنه يخدم فقط أصحاب المؤسسات التي تعمل خارج إطار القانون ويشرّع للفوضى.

Thumbnail

وعبرت نقابة الصحافيين في بيان الاثنين عن رفضها للتعديلات واعتبرت أنها “تفتح الباب أمام المال الفاسد والمشبوه لمزيد من التغلغل في المشهد السمعي البصري وإفساد الحياة العامة وضرب قواعد التنافس النزيه ومبادئ الشفافية والديمقراطية”.

وتريد النقابة، بدلا من تعديل المرسوم، المضي قدما في مناقشة مشروع قانون جديد طرحته الحكومة في وقت سابق على البرلمان بعد مناقشته مع المجتمع المدني، يمهد لوضع مؤسسة دستورية للاتصال السمعي البصري.

ولكن حكومة هشام المشيشي الحالية سحبت مشروع القانون الجديد من البرلمان قبل يوم، ما يعني فسح المجال لمناقشة التعديل الذي اقترحه ائتلاف الكرامة.

ويقول رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري النوري اللجمي إن مبادرة التعديل هي “خدمة لأجندات سياسية لأن هناك قنوات تبث بطريقة غير قانونية ولها سند سياسي من أحزاب مثل حزب قلب تونس والنهضة وستستفيد من التعديلات”.

وأضاف اللجمي “إذا تمت المصادقة على التعديلات فستكون كارثة على المسار الديمقراطي وعلى حرية التعبير في البلاد”. ويثير القانون مخاوف أيضا من تداعيات لوجستية ومهنية محتملة.

وكتب الخبير الجامعي في الإعلام، محمد شلبي، بشأن المخاطر المحتملة للتعديل، أن “المجال الكهرومغناطيسي ملك للعموم وتمكين البعض من استغلاله يعني أن يغتصب بعضٌ حقّ بعض باستغلال ملك الجميع، ما هو عمومي يبقى للعموم ولا يحق لأي كان أن ينفرد به”.

وحذر شلبي من أن حذف التراخيص يعني أن كل إذاعة ستقتني جهاز إرسال بالقوة التي تريد، ما يترتب عليه تنافس في اقتناء الأجهزة الأقوى، فضلا عن الزيادة في الإشعاعات التي ستلحق بصحة المواطنين ضررا كبيرا.

Thumbnail
1