هجوم جنبلاط على الحريري وجعجع مراجعة للذات أم انقلاب على حلفاء الأمس

لم تخل إطلالة الزعيم الدرزي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي من جدل لما تضمنته من تصريحات مثيرة كتصويبه على زعيم تيار المستقبل سعد الحريري واتهامه بالانقلاب على الطائف، وإيحائه بوجود رغبة لدى حزب القوات القيام بمغامرة عسكرية، في مقابل ذلك أشاد جنبلاط بـ”صديقه العروبي” نبيه بري معتبرا أن سلاح حزب الله آخر همه.
بيروت – أطل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بعد غياب إعلامي طويل ليطلق سلسة من التصريحات النارية أصابت طلقاتها الكثيرين، لعل في مقدمتهم زعيم تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وسط تساؤلات حول ما إذا كان حديث رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي نابع من مراجعات ذاتية أم أنه تكريس لانقلاب على حلفاء الأمس.
أحدثت مقابلة جنبلاط مع قناة “الجديد” التي سبق وخاض معها صراعات رجّة في الأوساط السياسية اللبنانية، وبدا أن توقيتها مقصود حيث تزامنت مع حراك لزعيم تيار المستقبل هدفها إعادة “تعويم المبادرة الفرنسية” بتشكيل حكومة اختصاصيين بعيدة عن الأحزاب لمدة ستة أشهر يتولى رئاستها.
وهاجم جنبلاط الحريري في حواره التلفزيوني مشددا على أنه لن يستقبل الوفد الذي يعتزم زعيم المستقبل إرساله “فليس هكذا يعامل وليد جنبلاط”.
وقال الزعيم الدرزي “أصبح اليوم هناك تكليف ذاتي لرئاسة الحكومة، وبدل أن تنزل الكتل النيابية إلى المجلس النيابي وتطلب البرنامج، أرسل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وفدا للكتل لعرض ما لديه، وهذا انقلاب بالأدوار وهو آخر ما تبقى من اتفاق الطائف”.
والتقى الحريري الاثنين كلاّ من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري لاستطلاع موقفيهما بشأن شروطه لتشكيل حكومة. وأعلن عقب اللقاءين اعتزامه إرسال وفد للقاء الكتل السياسية لاسيما تلك التي حضرت اجتماع قصر الصنوبر الذي عقده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشهر الماضي لجس نبضها بشأن مقترحاته، ومدى تمسكها بالمبادرة الفرنسية.
يأتي حراك الحريري قبيل بدء الاستشارات النيابية لتسمية رئيس حكومة جديد الخميس، وكان رئيس الوزراء السابق أعلن الأسبوع الماضي أنه مرشح حكما لهذا المنصب، في خطوة فاجأت الكثيرين، بعد أن أعلن في السابق عدم رغبته في ذلك.
وذكر جنبلاط في حديثه التلفزيوني، بأن “الحريري يريد حكومة تكنوقراط من غير سياسيين”، متسائلا “هل الحريري غير مسيس؟”، قائلا “في السابق سموا السفير مصطفى أديب وتصرف كـ’الروبوت’ ومن بعدها سحبوه”.
الزعيم الدرزي وليد جنبلاط يعيد خلط الأوراق بالتمسك بحقيبة الصحة كشرط لموافقته على الحكومة المقبلة
ولم يستبعد الزعيم الدرزي أن يكون موقف الحريري المستجد يعود إلى اتفاق جرى بينه والثنائي الشيعي المتمثل في حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر. وقال إن “الحريري سمى نفسه ولا حاجة للذهاب إلى بعبدا ويمكن أن يكون قد نظم الصفقة مع الثنائي الشيعي وجبران باسيل (رئيس التيار الحر)”.
وأوضح أنه إذا كان هناك حجز مسبق للوزارات هل يمكن للدروز أخذ وزارة وازنة؟ وأعلن أنه يسمي النائب بلال عبدالله والمدير العام السابق لوزارة الصحة وليد عمار للصحة، هل سيعطوننا هذه الوزارة؟ مستدركا “الموقف معروف حيث سيأتي صديق لجبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر) لاستكمال الإنجازات”.
وأضاف “أتكلم من منطلق وطني وأسأل لماذا المالية والداخلية وزارات مُحرّمة على الدروز.. فعندما استلمنا الصحة هل فشلنا فيها؟”. وأكد جنبلاط أن همه ألا يكون خارج الحكومة هو و”الوطنيون”، و”إذا تم الاتفاق على وزير نبحث بالمشروع الحكومي”، ولفت إلى أن الحريري سلم الدولة خلال رئاسته الحكومة ثلاث سنوات للثنائي الشيعي وجبران باسيل بالتعيينات وكل شيء.
ويرى مراقبون أن حديث جنبلاط حمل أكثر من معنى فهو من جهة أبدى اعتراضه على طريقة تعاطي الحريري مع ملف التشكيل الحكومي، متهما إياه بالانقلاب على الطائف، إلا أنه لم يضع فيتو على مشاركة حزبه في الحكومة المقبلة بغض النظر عمن سيتولى دفتها، شريطة منحه وزارة الصحة فيما بدا أنه لم يرد فقط إحراج الحريري الذي يتمسك بحكومة اختصاصيين بل وأيضا الثنائي الشيعي ذلك أن حزب الله كان حريصا في السنوات الأخيرة على أن تظل هذه الوزارة من حصته.
ويقول المراقبون إن جنبلاط يدرك أن حقيبة المالية باتت خارج المداولات حيث أن هناك اتفاقا مسبقا على أن تظل بيد الثنائي الشيعي، ومن هنا يريد إعادة خلط الأوراق بالتمسك بحقيبة الصحة.
سهام جنبلاط في اللقاء التلفزيوني لم تعف أيضا حليفه السابق في “14 آذار” حزب القوات اللبنانية، وذهب الزعيم الدرزي حد الإيحاء بأن الأخير يريد إشعال حرب في لبنان، قائلا إن “رئيس حزب القوات سمير جعجع يعتبر نفسه قويا كحزب سياسي، وهذا كله لا ينفع لأن أي شخص من أي طائفة يفكر بمغامرة عسكرية هو مجنون”.
وقدم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اعترافا مثيرا حينما أقر بأنه من افتعل أحداث 7 أيار (مايو) في إشارة إلى المواجهات التي اندلعت في العاصمة بيروت وبعض مناطق جبل لبنان في العام 2008.
وقال جنبلاط “أنا افتعلت 7 أيار وأخطأت بالحسابات وهناك من حمسني على ذلك، وحينها حسن نصرالله توجه لي بكلام قاس وحزب الله لا يزال قويا، وأنا أرفض بالمطلق الفتنة، وتم إنقاذنا باتفاق الدوحة حينها”. وشدد “أنا أخطأت كثيرا و7 أيار أحد أخطائي، وقد أوضحت لجعجع أنني أخالف توجهاته ومراهناته”.
ويرى مراقبون أن تصويب جنبلاط على الحريري ومحاولة “شيطنة” حزب القوات اللبنانية كما وصفت دائرته الإعلامية تشي بأن زعيم المختارة قرر الاستدارة كليا وإدارة ظهره للحلفاء السابقين.

وليس مستغربا أن يغير جنبلاط ولاءاته لاسيما وأنه في مقابلته المثيرة للجدل أطنب في الإشادة برئيس حركة أمل نبيه بري الذي وصفه بالحليف، كما أنه حرص على تخفيف انتقاداته لحزب الله ودعا دروز سوريا للبقاء على الحياد وهو ما يتناقض ومواقفه السابقة التي كانت تدعو الطائفة إلى الاصطفاف خلف المعارضة السورية.
وقال جنبلاط “إن تركيا من خلقت داعش وهي جزء من حلف الناتو وقرار هذا الحلف كان عدم إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد”. وأوضح أن المعادلة انقلبت ضد الثورة السورية، واليوم أنصح أهل الجبل في سوريا ولبنان بالوقوف على الحياد بدل أن يذهبوا فرق عملة في لعبة الدول على سوريا”.
وأكد أن بري “صديقه العروبي” والمرحلة معه في الثمانينات وغيرها يحبها، وشدد “آخر همنا ما يقوم به حزب الله لناحية نقل الصواريخ ولكن ما يهمنا وقف التهريب، ونأمل من حزب الله مساعدة الجيش والقوى الأمنية بوقف التهريب فلا نستطيع دعم الاقتصاد السوري على حساب لبنان”.
وعن المفاوضات مع إسرائيل بشأن ترسيم الحدود قال الزعيم الدرزي “إن تركيبة لبنان أعقد من الذهاب إلى السلام مع إسرائيل”، ودعا إلى “تحرير المناطق المحتلة سلما أو حربا، ومثل ما نحن اليوم نرسم مع إسرائيل، واليوم وبحسب كلام السيد نصرالله نريد تحديد الحدود مع سوريا”. وقال إنه “لم يقاسِ أحد ما قاساه الشيعة في الجنوب، والسلاح بالنسبة إلى الشيعي هو حياته أو ضميره، وهو يريد الضمانة ونحن نريد الضمانة”.
وعن سعي حزب الله لضرب اتفاق الطائف عبر طرح صيغة المثالثة قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي “في المثالثة لا ينسونا بمجلس الشيوخ، ويحق للدروز منصب معنوي”. وأكد “بأن العلاقة مع حزب الله ليست مقطوعة، ولكن الظروف الأمنية لا تسمح بلقاء السيد نصرالله”.
ويرى متابعون أن تصريحات جنبلاط التي بدت صادمة للبعض ليست مستغربة لاسيما للعارفين بشخصية زعيم المختارة، الذي عادة ما يدلي بمواقف ليناقضها بعد فترة في اتساق مع التغيرات.