الذكاء الاصطناعي يوسع فهمنا لآلية الإبصار

سيدني – تميل أنظمة التعرف على الوجوه بتقنية الذكاء الاصطناعي إلى التحيّز نحو عرق معين، فتنجح بتمييز أبناء ذلك العرق أكثر من سواهم، ويُعزى ذلك إلى نقص البيانات والصور المستخدمة في تدريب تلك الأنظمة.
واتضح أيضا أن الدماغ البشري يعاني من المشكلة ذاتها، إلا أن سببها مازال مجهولا.
وتعرّف ظاهرة التحيز هذه بأنها الصعوبة التي يجدها أبناء عرق معين في تمييز ملامح أشخاص من عرق آخر، وعلى الرغم من كثرة الأبحاث التي تناولت هذه الظاهرة خلال العقود الماضية، مازال سببها الحقيقي مجهولا، وقد يرجع ذلك إلى عدم تمكن العلماء حتى الآن من فهم التفاصيل الدقيقة لكيفية عمل نظام الرؤية البشري.
وقال البروفيسور وينثروب ديفيد بادكوك، مدير مختبر الرؤية البشرية في جامعة غرب أستراليا “إن كان تركيزنا منصبا فقط على دراسة آلية الرؤية وتصحيح عيوب البصر فقد نبرع في هذا المجال. غير أن نواح كثيرة أخرى قد تكون أيضا عظيمة الأهمية، لكننا لم نتمكن بعد من فهمها”.
حين يدخل الضوء إلى العين، تتفاعل الملايين من الخلايا مع بعضها لمعالجة المعلومات وتحويلها إلى أفعال، في عملية معقدة تضم مراحل عدة، ولنفهم عملية الإبصار جيدا علينا أولا أن نفهم جميع مراحلها.
وأوضح ديفيد تلك الفكرة بقوله “تمر عملية معالجة البيانات الضوئية بمراحل عدة، تُبنى نتائج كل مرحلة على سابقتها بصورة تراكمية”.
ومعلوم لدى الباحثين أن نظام الرؤية في المراحل الأولى يعالج أجزاء صغيرة جدا من المعلومات تناسب القدرة المحدودة للخلية البصرية الواحدة، فكل خلية بصرية تلتقط جزءا صغيرا فحسب من الصورة الكاملة، ثم تجمع أدمغتنا تلك الأجزاء معا في مرحلة لاحقة وتبني صورا مكتملة.
التحيز إلى العرق، الذي يتشابه فيه نظام الرؤية البشري مع الذكاء الاصطناعي، نأمل أن تساعدنا نتائج الأبحاث في فهمه
شرح ديفيد ذلك بقوله “يجمع الدماغ البيانات البصرية الواردة في مراحلها الأولى ويوزعها على مجموعات، كل مجموعة تمثل صورة مكتملة لشيء معين ثم تعمل أدمغتنا لاحقا على التعرف على تلك المجموعات لتحدد ماهيتها، لكن الصعوبة تكمن في ربط المراحل ببعضها”.
ويسعى العلماء اليوم إلى معرفة الأسس التي يعتمدها الدماغ في معالجة البيانات المرئية بمختلف مراحلها، والتي قد يلعب الذكاء الاصطناعي دورا مهما في كشف أسرارها.
ولاكتشاف ذلك، اقترح الباحثون تصميم نظام محاكاة يتمتع بمراحل نظام الرؤية البشري ذاتها، ثم تدريبه، باستخدام عدد كبير من الصور، على تمييز الأشياء المختلفة الظاهرة في تلك الصور.
وتابع ديفيد قائلا “عند الانتهاء من ذلك، يمكننا تحليل منطق الذكاء الاصطناعي لذلك النظام، ومعرفة الأسس التي يستند إليها في معالجة كل مرحلة من مراحل الرؤية الاصطناعية. لو أمكننا جعل نظام المحاكاة قريبا بما يكفي من نظام الرؤية البشري، لحصلنا على معلومات أكثر عن كيفية عمل أدمغتنا”.
وختم ديفيد بالقول “إن أردنا تطوير تقنية التعرف على الوجوه، فعلينا ألّا نحاول تقليد نظام الرؤية البشري، إنما يكفينا أن نفهم آلية عمله ونتعلم منها، وهنا يبرز دور الذكاء الاصطناعي كأداة قد تمكننا من تحقيق ذلك”.
ونأمل أن تساعدنا نتائج الأبحاث الجديدة في فهم ظاهرة التحيز إلى العرق التي يتشابه فيها نظام الرؤية البشري مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، ولعل البشر مثل تلك الأنظمة بحاجة إلى مزيد من التدريب والتعلم من مصادر أكثر تنوعا.