خطة أوروبية لمواجهة آثار التغيرات المناخية على الاقتصاد

أكدت منظمات دولية أن الحكومات الأوروبية تركز اهتمامها على التحديات المناخية عبر توفير التمويل لبرامج تقليل انبعاثات الكربون، خصوصا مع تزايد الخطر المناخي والرهان الدولي على الوسائل الحديثة لحماية البيئة والاقتصاد.
بروكسل – تكشف تحركات صناع القرار الأوروبيين عن خطة متكاملة لمواجهة آثار التغيرات المناخية على الاقتصاد، حيث تتجه الأهداف نحو الحد من انبعاثات الغازات والكربون مقابل الاستثمار في الزراعة والطاقة المتجددة في أفق 2050، الذي سيشكل مفهوما جديدا يوازن بين انبعاثات غازات الدفيئة وامتصاصها.
وسبق وواجهت القارة الأوروبية منذ عامين تحديا مناخيا تمثل في ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة ما نمّى المخاوف من اندلاع الحرائق، حيث تم اتخاذ تدابير وقائية. وشهدت عدة بلدان أوروبية حرائق كبيرة أدت في اليونان إلى مقتل ما لا يقل عن 80 شخصا عام 2018.
وعرضت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين الأربعاء خلال أول خطاب لها حول حال الاتحاد الأوروبي، خطة العمل المقبلة مشدّدة على ضرورة أن تكون أوروبا أكثر قدرة على مواجهة التهديدات الصحية والتغير المناخي والأزمة الاقتصادية.
وأعلنت فون دير لايين، وهي أول امرأة تتولى رئاسة المفوضية الأوروبية، أمام النواب أنها تنوي رفع هدف خفض انبعاثات الغازات الدفيئة الأوروبية بحلول العام 2030 إلى 55 في المئة فيما هي محددة الآن بنسبة 40 في المئة مقارنة بمستويات العام 1990.
وأكدت في خطابها أن زيادة هذا الهدف الذي ستكون له انعكاسات كبيرة على قطاعات الطاقة والنقل والزراعة “كبيرة جدا للبعض وغير كافية للبعض الآخر”.
ويندرج هذا الهدف في إطار مشروع أوسع للاتحاد الأوروبي سيجعل من أوروبا أول قارة في العالم تنجح في تحييد أثر الكربون في 2050 أي إقامة توازن بين انبعاثات الغازات الدفيئة وامتصاصها.
وفي هذا الإطار، ستُمول نسبة 30 في المئة من خطة الإنعاش الأوروبية البالغة قيمتها 750 مليار يورو، بسندات خضراء.
وأكدت المسؤولة الألمانية “نحن بمثابة رواد لأننا نحدد معيارا أوروبيا متينا على صعيد السندات الخضراء”. وكانت الدول الأعضاء قد أقرّت هذه الخطة في يوليو للخروج من الأزمة الناجمة عن جائحة كوفيد – 19.
وفي مواجهة هذا الوباء الذي أدى إلى استجابات وطنية متفرقة ووضع التضامن الأوروبي على المحك، دعت فون دير لايين إلى “اتحاد صحة أوروبي” وهو قطاع يدخل في إطار صلاحيات كل دولة.
وأكدت “إننا بصدد إقامة وكالة بحث وتطوير في المجال الطبي الحيوي المتطور على المستوى الأوروبي كما هو الحال في الولايات المتحدة”. وأمام المنافسة العالمية الشرسة للتوصل إلى لقاح لفايروس كورونا المستجد، حذرت من أي “موقف قومي يعرض الأرواح البشرية للخطر”.
وأضافت “التوصل إلى لقاح لا يكفي. علينا السهر على حصول المواطنين الأوروبيين وفي كل أرجاء العالم عليه ولا يمكن لأحد منا أن يكون بأمان إذا لم يكن الجميع بأمان”.
وعلى جبهة البريكست وفي حين تشهد العلاقات مع لندن توترا، شدّدت رئيسة المفوضية على استحالة تعديل اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المبرم في يناير الماضي، من جانب واحد.
وأضافت فون دير لايين “من المستحيل تعديله بشكل أحادي أو تجاهله أو التوقف عن تطبيق بنوده. إنها مسألة قانون وثقة وحسن نية، الثقة أساس كل شراكة متينة”.
وقد جاء كلامها بعد مشروع قانون بريطاني يعود عن جزء من اتفاق البريكست ولاسيما في ما يتعلق ببروتوكول يجنب عودة الحدود المادية بين أيرلندا وأيرلندا الشمالية.
وحذّرت المسؤولة الأوروبية التي وعدت بقيادة جيوسياسية للمفوضية، تركيا من أي محاولة لـ”ترهيب” جيرانها في إطار النزاع على موارد الغاز مع اليونان في شرق المتوسط.
وقالت فون دير لايين “تركيا جارة مهمة وستبقى كذلك. لكن رغم القرب الجغرافي يبدو أن المسافة الفاصلة بيننا تستمر بالتوسع”. وستكون الأزمة في شرق المتوسط مدرجة على جدول أعمال القمة الأوروبية في 24 و25 سبتمبر في بروكسل مع تهديد باحتمال فرض عقوبات على تركيا. وتناولت كذلك مسألة الهجرة وهي ملف يكتسي حساسية كبيرة في الاتحاد الأوروبي.
وقالت فون دير لايين، التي تعرض في 23 سبتمبر تعديلا مرتقبا جدا لسياسة الهجرة الأوروبية، إن حريق مخيم موريا للمهاجرين في اليونان وهو الأكبر في أوروبا “يذكرنا بالكثير من الألم بأن على أوروبا أن تتحرك بشكل موحد”.
وأضافت “في حال كثفنا جهودنا على المستوى الأوروبي نتوقع في المقابل أن تكثف كل الدول الأعضاء جهودها”.وأعلنت كذلك أنها ستعرض “خطة عمل” لمكافحة العنصرية و”خطاب الكراهية سواء على أساس العرق أو الدين أو الجندر أو الجنس”.
وقال تقرير آخر صدر عن لجنة تحولات الطاقة الأربعاء، إن التخلص من الانبعاثات نهائيا بحلول منتصف القرن الحالي سيتكلف استثمارات إضافية تُقدر بما بين تريليون وتريليوني دولار سنويا، أي ما يعادل 1 في المئة إلى 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وقال التقرير إنه بعد تحقيق ذلك، سيكون الانخفاض في مستويات المعيشة في 2050 بالدول المتقدمة والنامية عندما يصل إلى أقل من 0.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وقال التقرير إنه ستكون هناك حاجة لإدخال تحسينات كبيرة على صعيد كفاءة الطاقة، إذ سيتعين رفع الإمدادات العالمية السنوية من الكهرباء بأربعة أو خمسة أمثالها لتصل إلى ما بين 90 ألفا و115 ألف تيراوات ساعة، وسيحتاج المعدل السنوي لطاقة الرياح والطاقة الشمسية لأن يكون خمسة أو ستة أمثال الزيادة التي تحققت في 2019.
والصين لديها المصادر والتكنولوجيا التي تجعلها اقتصادا غنيا ومتطورا وخاليا من انبعاثات الكربون بحلول 2050. وقالت اللجنة إنه يتعيّن أن تكون جميع الدول النامية قادرة على الوصول إلى مستوى القضاء الكامل على الانبعاثات بحلول 2060 على أقصى تقدير، لكنها ستحتاج استثمار تنمية لجذب مستثمري الطاقة النظيفة بالقطاع الخاص.
وفي سياق متصل دفعت ضغوط الأوساط البيئية حول العالم، حكومات الدول للتفكير في كيفية اعتماد البصمة الكربونية للتقليل من آثار التلوث على الكرة الأرضية عبر اللجوء إلى الاستثمار في مخلفات أدخنة المصانع ووسائل النقل ومصافي النفط.
ورغم ما تحمله هذه التجارة من غموض باعتبارها قطاعا حديثا، إذ لم تتجاوز عقدين من الزمن، أو لاعتراض العديد من الدول على الخطوة، إلا أنها في المقابل تحمل معها الطموح والإرادة كوسيلة لخفض التلوّث وتمثل مصدرا لتحقيق عوائد مالية أكبر.
ووافق الموقعون على اتفاق باريس حول المناخ قبل عام على قواعد تطبيق هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 2015 باستثناء ملف واحد حساس هو “أسواق الكربون”.
وستكون عملية إنشاء هذه الآليات الدولية الجديدة في صلب مفاوضات معقدة خلال القمة حول المناخ، التي تعقد في العاصمة الإسبانية مدريد مطلع ديسمبر المقبل مع رهان أساسي يتمحور حول ما إذا كانت ستسمح بتشجيع خفض انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم أو على العكس ستساهم في تشجيعها.
ووفقا لخبراء المناخ في الأمم المتحدة، ومن أجل الحد من الاحتباس ليبقى فوق 1.5 درجة مئوية، يجب خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى النصف بحلول 2030، مقارنة مع ما تم تسجيله في العام 2010.
ويرى الخبراء أن من الأدوات التي قد تستخدم لتحقيق ذلك تحديد سعرٍ للانبعاثات. ووضع سعر لانبعاثات الكربون يتطور على المستوى العالمي مع تطبيق ضريبة الكربون وأنظمة مبادلة حصص الانبعاثات.