اللبنانيون يقاومون "من أجل الحياة" بعد شهر من الانفجار

الحياة تعود تدريجيا إلى مقاهي ومحلاّت بيروت رغم الأضرار الكبيرة التي خلفها الإنفجار.
الجمعة 2020/09/04
بداية جديدة

بيروت – ألحق انفجار مرفأ بيروت المروّع أضرارا مادية ومعنوية طالت حياة أغلب سكان الأحياء القريبة منه، لكنّهم لم يستسلموا لليأس، بل يتمسكون يوما تلو الآخر بأي أمل يشجعهم على مقاومة ضغوط الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد ويتشبثون بمواصلة تأمين حياة كريمة لعائلاتهم.

من داخل محلها الصغير الذي ألحق انفجار بيروت المروّع أضراراً به، تنكبّ كلوديت على خياطة تنورة على ماكينتها القديمة الطراز التي تمكنت من إنقاذها. رغم المأساة التي أصابت حيّها وحياتها، تعلم أن الاستسلام ليس خيارا إن أرادت مواصلة تأمين قوت عائلتها.

وتقول كلوديت (60 عاماً) من داخل محلها في شارع الجميزة المجاور لمار مخايل، لوكالة فرانس برس “تدمّر كل شيء هنا، لكنني قررت البدء من جديد، لأنه ليس لدي خيار آخر”.

وتضيف “زوجي لا يعمل.. وابني طُرد من عمله بسبب الأزمة الاقتصادية. لديه ولدان وإيجار منزل وأنا مضطرة لمساعدته” في خضم أسوأ انهيار اقتصادي تشهده البلاد منذ العام الماضي حرم عشرات الآلاف من وظائفهم أو جزءاً من مداخيلهم.

وقدّر البنك الدولي قيمة الأضرار والخسائر الاقتصادية الناتجة عن الانفجار بأنها تتراوح بين 6,7 و8,1 مليارات دولار، بينما يحتاج لبنان بشكل عاجل إلى ما بين 605 و760 مليون دولار للنهوض مجدداً.

وعاودت بعض المحال فتح أبوابها في الشارع الذي يعد بين الأكثر تضرراً جراء انفجار المرفأ المواجه. وتكفّلت منظمة غير حكومية باستبدال واجهة محل كلوديت المحطمة بأخرى جديدة، بينما تولّت هي كلفة إصلاح ماكينة الخياطة.

ومنذ الانفجار، يعمل أفراد منظمات ومتطوعون وعمال كخلية نحل في الأحياء التي لحقها الدمار. يحصون الأضرار ويوزعون المساعدات والمواد الغذائية التي تتدفق الى لبنان من دول عدة ويساعدون السكان على استبدال أبواب منازلهم ونوافذها.

أمل بالمستقبل

رضاء بالموجود
رضاء بالموجود

تخشى كلوديت أن تكون قد خسرت زبائنها. وتقول “غالبيتهم كانوا يعيشون هنا في الشارع، ومعظمهم غادروا. أخشى ألا يعودوا”.

وعلى بعد أمتار من محلها، تفوح رائحة شطائر الزعتر المخبوزة في فرن أعاد فتح أبوابه بعد تأهيله من الصفر جراء أضرار كبيرة لحقت به.

ويقول مالك الفرن حكمت قاعي “نحاول قدر المستطاع أن نستعيد الحياة لسبب واحد، وهو أنّه يبقى لدينا أمل بهذا البلد وبالمستقبل رغم كل شيء”، واصفا ما يقوم به بفعل “مقاومة”.

وقبل الانفجار، كان شارع الجميزة المعروف بأبنيته ذات الطابع التراثي وبمقاهيه وحاناته، ينبض بالحياة وبزحمة لا تتوقف ليلاً نهاراً.

واليوم، رغم رفع الركام من بعض نواحيه وإزالة أطنان الزجاج الذي تطاير في كل ناحية وصوب، لا يزال الشارع يفتقد حيويته المعهودة.

ولم تسلم “قهوة إيمان” التي تقع في زقاق متفرع عن الشارع الرئيسي، من الانفجار الذي ألحق أضراراً كبيرة بها طالت تجهيزات المطبخ الرئيسية.

ويوضح محسن الذي يتولى إدارة المقهى أن القيمين على المكان، وبعد اجراء أعمال تأهيل طفيفة، يكتفون حالياً بتقديم السندويشات، إذ هناك وجبات لا يقدرون على إعدادها بعد.

ويضيف “يسيّر أعمالنا اليوم المتطوعون والجمعيات”، موضّحا “هم من يأتون إلينا لتناول الطعام”.

معركة وجود

رسالة حياة
رسالة حياة

في شارع مار مخايل، يقول شاب جلس مع أصدقاء في إحدى الحانات القليلة التي فتحت أبوابها، “هذه طريقتنا في المقاومة، سنواصل.. الاحتفال بالحياة”.

وفي حانة أخرى عُلقت على واجهتها صورة روان، وهي نادلة قضت في الانفجار وتصدّرت قصتها وسائل الاعلام بعدما بكتها عائلتها وصديقاتها، يعاود بعض الزبائن التردّد إلى المكان بعد فتح أبوابه وإصلاح الأضرار.

ويوضح مالك الحانة إيلي خوري “لم نُعِد فتح أبوابنا من أجل جني المال، أعدنا فتحها لنظهر أن الحياة يجب أن تستمر، إنها رسالة حياة”.

ويضيف “تعرضنا في تاريخنا لحرب وقصف وانفجارات. وفي كل مرة كنا ننهض من جديد وسنواصل فعل ذلك. إنّها معركتنا، وهي معركة وجود”.

وكان انفجار مرفأ بيروت الذي وقع بتاريخ 04 أغسطس الماضي قد أسفر عن مقتل 190 شخصاً، بينهم أجانب منهم عدد كبير من السوريين الفارين من بلادهم بسبب النزاع، وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، بينهم ألف طفل، وفق الأمم المتحدة.

ولا يزال سبعة أشخاص في عداد المفقودين.

وبعد شهر من الحادثة، أحيا رصد فريق بحث تشيلي متخصّص “نبضات قلب” تحت ركام مبنى في شارع مار مخايل المنكوب، آمالا بالعثور على شخص حي. وتنكب فرق الإنقاذ من يوم أمس على البحث بين أنقاض المبنى عما يشبه “المعجزة”.

وشرّد الانفجار نحو 300 ألف من سكان بيروت بعد تضرر منازلهم أو دمارها وانقطاع الخدمات الأساسية عنها.

ومنذ الانفجار، انهالت على بيروت المساعدات الإنسانية. وزار البلاد العديد من المسؤولين الأجانب أبرزهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي زار بيروت مرتين.