عُمان تلجأ مجدّدا إلى الإغلاق التام لمحاصرة فايروس كورونا

الحدّ من آثار الجائحة والاستعداد لإطلاق مسار إصلاحي شامل.
الأربعاء 2020/07/22
الحذر واجب والفزع مرفوض

سلطنة عمان تكيّف إجراءاتها لمواجهة وباء كورونا وفقا لتطورات الجائحة، محاولة الحدّ من آثارها الصحية وتقليص فاتورتها الاقتصادية أملا في تجاوز المرحلة الصعبة بأخفّ الأضرار، والانطلاق بسرعة أكبر في عملية الإصلاح والتطوير استنادا إلى رؤية السلطان هيثم بن طارق وإرادته القوية في إحداث نقلة نوعية في السلطنة.

مسقط - اختارت السلطات العمانية اللّجوء مجدّدا إلى خيار الإغلاق التامّ المحدّد زمنيا، لوقف المنحى التصاعدي لانتشار فايروس كورونا في البلاد، مستبقة بذلك المضاعفات التي يمكن أن تطرأ مع عيد الأضحى نظرا لما تشهده المناسبة كل عام من ارتفاع ملحوظ في الحركة التجارية وزيادة كبيرة في وتيرة التواصل والتزاور بين السكان.

ولا تخلو إجراءات مواجهة كورونا في عُمان من  تبعات اقتصادية تحاول السلطات التقليل من حجمها والحدّ من تأثيراتها على الأوضاع الاجتماعية.

وصادف انتشار وباء كورونا وتحوّله إلى جائحة عالمية مرحلة استثنائية في عُمان كانت السلطنة تتّجه خلالها لدخول مرحلة جديدة من الإصلاح والتطوير وفق رؤية السلطان هيثم بن طارق الذي تولّى قيادة البلد في يناير الماضي خلفا للسلطان الراحل قابوس بن سعيد، وهي رؤية تتضمّن إضفاء المزيد من المرونة على عمل هياكل الدولة ومؤسساتها وتخليصها من البطء والتكلّس وإزالة العوائق التي أخّرت الإصلاح الاقتصادي الذي كان مطلوبا بشدّة منذ سنوات وجاءت الظروف الحالية لتثبت أنّه ضرورة ملحّة وليس مجرّد ترف.

وذكرت وكالة الأنباء العمانية، الثلاثاء، أن السلطنة ستمنع الحركة بين كافة محافظاتها خلال الفترة من 25 يوليو الجاري إلى 8 أغسطس القادم لمنع انتشار فايروس كورونا. ووصف البيان الصادر عن وزارة الصحة الخطوة بأنها “إغلاق تام” لجميع المحافظات.

وستفرض السلطنة أيضا حظر تجوّل من السابعة مساء حتى السادسة صباحا خلال نفس الفترة التي تشمل عيد الأضحى، وستغلق جميع الأماكن العامة والمحلات التجارية خلال ساعات الحظر.

وإلى حدود الثلاثاء ارتفع عدد الإصابات بكورونا في السلطنة التي يقطنها نحو 4.7 مليون نسمة إلى 69887 بعد تسجيل 1458 إصابة جديدة بالفايروس في ظرف أربع وعشرين ساعة، بينما ارتفع عدد الوفيات بالمرض إلى 337 بعد تسجيل 11 حالة وفاة جديدة.

وكانت السلطنة قد فرضت في مارس الماضي إغلاقا في مناطق معينة مثل مسقط وظفار والدقم وبعض البلدات السياحية، لكنها بدأت منذ شهر أبريل في تخفيف تدريجي للإجراءات فسمحت بإعادة فتح المراكز التجارية ورفعت إجراءات الإغلاق والعزل العام عن محافظة مسقط التي تضم العاصمة.

كما أغلقت السلطنة الحدود الجوية والبرية إلّا لإعادة العالقين. وقالت الحكومة الأسبوع الماضي إنها ستبدأ في السماح لمواطنيها بالسفر جوا بعد الحصول على تصريح.

وكان سلطان عمان الجديد قد وضع الاقتصاد ضمن أولويات برنامجه الإصلاحي، قائلا في خطاب له إثر توليه زمام الحكم ببلاده مطلع العام الجاري، إنّ عُمان على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخها، واعدا بإنجاز تغييرات تطال الإدارة والاقتصاد كما تمسّ قطاع التعليم كأحد أولويات الدولة في عهده.

وأصدر السلطان هيثم في وقت سابق مرسوما سلطانيا أنشأ بموجبه جهازا للاستثمار يتولى تملّك وإدارة معظم صناديق الثروة السيادية وأصول وزارة المالية، باستثناء شركة تنمية نفط عُمان وحصص الحكومة في مؤسسات دولية.

كورونا قد يعيد ترتيب الأولويات في عُمان ويبطئ وتيرة الإصلاح، لكنّه لن يلغيه بسبب قوة الإرادة السياسية في إتمامه

وبدأ الجهاز بممارسة أولى مهامه بالعمل على الرفع من كفاءة الشركات المملوكة للدولة وذلك بإعلانه، الأحد الماضي، عن إعادة تشكيل مجالس إدارة 15 شركة يشرف عليها الجهاز في خطوة اعتبرها مراقبون فرصة أخيرة أمام هذه الشركات لإثبات جدواها الاقتصادية.

وتعليقا على الخطوة قال مراقب عُماني إن السلطان هيثم “يواصل ثورته الإدارية للقضاء على الترهل في الجهاز الحكومي”، مضيفا أن الشركات الحكومية المعنية والتي أُحِيلَت مسؤوليتها بالكامل إلى جهاز الاستثمار الذي تم تشكيله مؤخرا  “كانت نقطة تسريب للميزانيات التشغيلية والتنموية على مدى عقود لأنها كانت إداريا تقع بين مواصفات القطاع الخاص والإدارات الحكومية التقليدية، مما جعل من الصعب فرض رقابة مباشرة على أدائها”.

واعتبر ذات المراقب أنّ “تغيير مجالس الإدارة هو الفرصة الأخيرة لهذا القطاع الاستثماري، وخصوصا أن جهاز الاستثمار أعلن عن استعداده للاستغناء عن بعض الشركات الحكومية، مما يدل على ضوء سلطاني أخضر يشير إلى أن الدولة ليست بصدد تحويل مواردها لخدمة مشاريع لم تثبت جدواها أو واقعة في دائرة الفساد”.

ومن جهتهم رأى متابعون للشأن العُماني في الدفع بهذا الإجراء الجديد المتعلّق بشركات الدولة في هذه الفترة بالذات، وعلى الرغم من ضغوط جائحة كورونا، انعكاسا لقوّة إرادة الإصلاح في عُمان، متوقّعين أن تُبطئ الجائحة من وتيرة الإصلاحات وتعيد ترتيب الأولويات فيها بأن تُرجئ بعضها إلى فترة ما بعد الأزمة تجنّبا للصدمات، لكنّها لن تلغي المسار الإصلاحي المدعوم بإرادة قوية من رأس هرم السلطة.

3