المعارضة التركية تدعو لدستور جديد يقطع مع السلطوية

تقود المعارضة التركية ضغوطا مكثفة لتعديل مسار الديمقراطية التي انحرف بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باتجاه السلطوية عقب استفتاء عام في 2017 تحولت بمقتضاه البلاد إلى النظام الرئاسي، ما منح أردوغان صلاحيات دستورية واسعة وظفت في قمع المعارضين السياسيين والتضييق عليهم. وتأتي الضغوط في وقت تراجعت فيه شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى مستويات غير مسبوقة منذ سنوات.
إسطنبول – دعا زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، كمال كليجدار أوغلو، الأحد، لاعتماد دستور جديد يقوم على مبادئ ديمقراطية برلمانية، في وقت همش فيه النظام الرئاسي دور البرلمان في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية وأضعف القضاء، ما أسس لدولة الرجل الواحد.
وقال كليجدار أوغلو في مقال له بصحيفة تركية “نحن بحاجة إلى دستور جديد يحدد الحرية والشفافية والمساءلة وسيادة القانون كمبادئ أساسية، ويركز على الديمقراطية البرلمانية التي تنظم النظام الانتخابي على أساس التمثيل الأكثر شمولية”.
واعتبر أنّ التغييرات الدستورية في أعقاب استفتاء عام 2017، التي أدت إلى نظام حكم رئاسي، ألغت الضوابط والتوازنات الديمقراطية، وأضعفت البرلمان والقضاء.
وتابع السياسي التركي “نحن بحاجة إلى فهم الدولة الذي لا يتحتم أن يكون قمعيًا، ولكن دولة تضم المجتمع في عمليات صنع القرار، وتبذل الجهود لضمان العدالة الاجتماعية، وتفخر بمراعاة اهتمامها ودعمها للمواطنين”.
واختتم بتحميله سياسات الحكومة المحسوبية والفساد نتيجة عدم الاستقرار في الاقتصاد، وهدر الموارد، والتوزيع غير العادل للدخل، وهو ما أضعف بالتالي الإنتاجية إلى أدنى حدودها.
وصوّت الأتراك في تعديل دستوري على التوجه للنظام الرئاسي في 2017 في ظل حالة الطوارئ المعلنة آنذاك بعد محاولة الانقلاب الفاشل في 2016 وتم تطبيق النظام الرئاسي التنفيذي والانتقال إليه في 2018، وقام بنقل سلطات واسعة من البرلمان إلى أردوغان وربط العديد من مؤسسات الدولة بالرئيس.
ومنح النظام الجديد صلاحيات كثيرة لأردوغان كإقرار وتمرير قوانين وتقييد المؤسسات المهمة في البلاد كما منحه تحكما أكبر في الأمور المالية.
وقال حزب العدالة والتنمية إن النظام الجديد يسمح للحكومة بالعمل بأفضلية، لكن انتقادات طالت النظام بأنه يقلص دور البرلمان ويكرس سلطة الرجل الأوحد.
وتم بموجبه إلغاء منصب رئيس الوزراء وأصبح بوسع أردوغان تشكيل وتنظيم الوزارات وإقالة الموظفين العموميين دون الحصول على موافقة البرلمان.
وتعهّد أردوغان حينها بتسريع وتيرة صياغة السياسات وتحسينها من خلال القضاء على المعوّقات البيروقراطية، قائلا آنذاك إن هذا سيساعد على معالجة المشاكل الأمنية والاقتصادية التي تواجهها البلاد، لكن الواقع أن مخاوف تركيا الأمنية تفاقمت ولم تنحسر.
ويرى محللون أتراك أن لاستحداث سياسات غير مجرَّبة، والتحوُّل عن السياسات الاقتصادية المُحافظة، نتيجة لتقويض عملية المشورة، الدور الأبرز في هذا التراجع.
وظل حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان يراهن منذ عقود على الانتعاش الاقتصادي الذي حققته البلاد كورقة انتخابية رابحة تضمن له البقاء في السلطة، إلا أن هذا الرهان بدأ بالتراجع مع دخول البلاد أزمة اقتصادية غير مسبوقة بلغت ذروتها خلال العام الجاري.
وساهم نظام الحكم الرئاسي بعدم وجود رقيب وحسيب تجاه سياسات الرئيس الاقتصادية والاجتماعية في الداخل، فضلا عن مغامراته الخارجية في كل من سوريا وليبيا و البحر المتوسط، في انكماش الاقتصاد بشكل هائل ما أثر على المقدرة الشرائية للمواطنين والتوازنات المالية في البلاد.
وبعد عامين تقريبا من التحول إلى النظام الرئاسي في تركيا يجد أردوغان نفسه أمام تراجع كبير في شعبيته وشعبيته حزبه، في وقت تستعد فيه البلاد لانتخابات تشريعية قيل الكثير عن تقديم موعدها بسبب الأزمة الاقتصادية من سنة 2023 إلى 2021 .
وأظهر استطلاع جديد أجرته مؤسسة متروبول للأبحاث، ومقرّها أنقرة، أنّ حزب الشعب الجمهوري العلماني، تمكّن من تضييق الفجوة مع حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في أصوات الناخبين إلى ست نقاط مئوية، ما يضع المعارضة التركية أمام فرصة تاريخية لاستثمار تراجع شعبية الإسلاميين.
وشهد التحالف الحاكم في تركيا المكون من حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان وشريكه في الائتلاف حزب الحركة القومية، تراجعا ملحوظا في الدعم للانتخابات منذ أشهر.
ووفقا للاستطلاع، فقد حصل حزب العدالة والتنمية على نسبة 30 في المئة، بينما حصل حزب الشعب الجمهوري على 24 في المئة في مسح أجرته الشركة في يونيو، حول أصوات المُشاركين في أيّ انتخابات برلمانية قادمة.
وتواصل أصوات حزب العدالة بالتلاشي لصالح أحزاب المعارضة التقليدية والجديدة، حيث انخفض الدعم للحزب الحاكم من 33.9 في المئة في استطلاع “متروبول” مارس الماضي، في حين سجّل حزب الشعب الجمهوري المُعارض زيادة بـ20.7 في المئة.
وفي الوقت نفسه، شكّل الناخبون الذين لم يتخذوا قرارا بعد بالتصويت 9.2 في المئة، وهو أعلى من الدعم المقدم لجميع الأحزاب الأخرى باستثناء حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، حسبما وجد استطلاع يونيو.
ومن المقرر إجراء الانتخابات العامة القادمة في تركيا عام 2023، لكنّ العديد من المؤشرات برزت حول احتمال إجراء انتخابات مبكرة، منها الاقتصاد المُتعثر في البلاد، وتشكيل أحزاب منافسة جديدة من قبل الشخصيات البارزة السابقة في حزب العدالة والتنمية، فضلا عن دعوات التحالف الحاكم لإدخال تغييرات على قوانين الانتخابات تضع قيودا كبيرة على أحزاب المُعارضة وإمكانية تمثيلها في البرلمان القادم.
وبينما يرى مراقبون ومحللون أنّ إجراء الانتخابات هذا العام خلال ذروة تفشي فايروس كورونا غير وارد أبدا، فإن احتمال إجرائها في 2021 أو 2022 سيكون أعلى نوعا ما.
وكانت هناك تكهنات في الآونة الأخيرة في أروقة السياسيين وأوساط المعارضة وفي بعض وسائل الإعلام، بأن الرئيس التركي قد يدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة، كما فعل في الماضي عندما كانت تأتي لصالحه، وهذا ما هو غير مُتحقق في الوقت الحالي.
ويأتي تزايد التأييد لأكبر أحزاب المعارضة التركية، في الوقت الذي اضطرت فيه البلديات التي يسيطر عليها حزب الشعب الجمهوري، بما في ذلك أكبر ثلاث بلديات، إسطنبول وأنقرة وإزمير، إلى إيجاد طرق مبتكرة لدعم ناخبيها في مواجهة العداء الحكومي ضدّ الخدمات البلدية التي تمّ اتخاذها لمواجهة وباء كورونا، بينما بدأت الحكومة التركية بمحاصرتها بالاتهامات والدعاوى القضائية.