خفايا منشاة إيرانية سرية لتطوير الصواريخ الباليستية

طهران - كشف تقرير إعلامي أن إيران تنتج مسحوق الألومنيوم لاستخدامه في برنامجها لتطوير الصواريخ الباليستية في منشأة نووية سرية بشمال شرقي البلاد، في خرق جديد للمعاهدات والاتفاقات الدولية التي ابرمتها طهران مع المجتمع الدولي.
ويقع مجمع إنتاج الألومنيوم في إيران على أطراف الصحراء في إقليم خراسان الشمالي بالقرب من أكبر مكمن للبوكسايت تحت الأراضي الإيرانية، حيث يقوم بإنتاج مسحوق الألمونيوم الذي تستخدمه طهران في برنامجها الصاروخي النووي.
وقال مراقبون إن سياسة تشديد الضغوط التي تنتهجها الإدارة الأميركية الطريق الأنسب لكبح تجاوزات نظام ولاية الفقيه. وكانت الحكومة الإيرانية احتفت على الملأ بهذا المشروع باعتباره جزءا أساسيا في مساعيها لزيادة الإنتاج من هذا المعدن.
وبحسب وثائق سرية وحديث مسؤول سابق في الحكومة الإيرانية، فإن هذا الموقع الذي لا يبعد كثيرا عن مدينة جاجرم والذي يضم أيضا منشأة سرية أقامها الحرس الثوري الإيراني، ينتج مسحوق الألومنيوم لاستخدامه في البرنامج الصاروخي.
ويستخلص مسحوق الألومنيوم من البوكسايت ويعد مكونا رئيسيا في صناعة وسائل الدفع التي تعمل بالوقود الصلب لإطلاق الصواريخ. وقال المسؤول الإيراني إن بلاده بدأت إنتاج المسحوق للاستخدام العسكري قبل أكثر من خمس سنوات.
وعمل هذا المسؤول السابق، رئيسا للعلاقات العامة ومندوب الشؤون البرلمانية في مكتب نائب الرئيس للشؤون التنفيذية وهو المكتب الذي كان يشرف في ذلك الوقت على بعض السياسات الاقتصادية.
وقال المسؤول اسمه "أمير مقدم" إنه زار المنشأة غير المعروفة مرتين، وإن الإنتاج كان مستمرا عندما رحل عن إيران في العام 2018.
وقد بدأ إنتاج مسحوق الألومنيوم في إيران للاستخدام في الصواريخ، وهو الأمر الذي لم يسبق نشر شيء عنه من قبل، في ظل العقوبات الدولية التي تهدف لمنع المساعي الإيرانية للحصول على تكنولوجيا متطورة لصناعة الأسلحة.
وتعتبر الولايات المتحدة وحلفاؤها قدرات إيران الصاروخية تهديدا للمنطقة وللعالم.

واطلعت رويترز على أكثر من 10 وثائق تتعلق بمشروع مسحوق الألومنيوم والمعنيين به بتواريخ مختلفة من 2011 إلى 2018. وإحدى هذه الوثائق رسالة موجهة للمرشد الإيراني علي خامنئي، من أحد قادة الحرس الثوري، وصفت الدولة الإيرانية شقيقه بأنه "أبو برنامج الصواريخ الإيراني".
وفي الرسالة وصف محمد طهراني مقدم منشأة جاجرم بأنها "مشروع لإنتاج وقود الصواريخ من مسحوق معدني" وقال إنها تلعب دورا كبيرا في "تحسين قدرة البلاد على الاكتفاء الذاتي في إنتاج الوقود الصلب للصواريخ".
وردا على التقرير، زعم علي رضا مير يوسفي، المتحدث باسم البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة في نيويورك، أنه "ليست لدينا معلومات عن هذه الادعاءات ولا عن صحة الوثائق".
وتصر إيران أن برنامجها الصاروخي مخصص للأغراض الدفاعية فقط، وتشرف مليشيا الحرس الثوري على برنامج الصواريخ الإيراني.
ومن المحتمل أن يؤدي ما كشفه المسؤول الإيراني السابق أمير مقدم عن برنامج مسحوق الألومنيوم إلى زيادة التدقيق من جانب واشنطن في الجهود الإيرانية لإنتاج الصواريخ.
ويقول المسؤول الإيراني السابق، الذي يعيش الآن في فرنسا، إنه غادر إيران في 2018 بعد أن وجهت إليه اتهامات بإثارة القلاقل في أعقاب تصريحات علنية أدلى بها عما يقول إنه فساد بعض المسؤولين الحكوميين.
وقال إنه يريد فضح البرنامج لأنه يعتقد أن طموحات إيران الصاروخية ليست في مصلحة الشعب الإيراني.
وتفرض الولايات المتحدة عقوبات واسعة على إيران منها عقوبات تستهدف قطاع المعادن في إيران وبرنامج الصواريخ الباليستية. ومن هذه العقوبات قيود على العمليات في قطاع الألومنيوم الإيراني والصفقات المرتبطة به.
كما تستهدف العقوبات مليشيا الحرس الثوري والأطراف الثالثة التي تقدم دعما ماديا أو تبرم صفقات معينة مع الحرس الثوري. ولوزارة الخزانة الأميركية دور أساسي في إدارة هذه العقوبات.
وسبق أن فرضت الأمم المتحدة قيودا على أنشطة إيران فيما يتعلق بالنشاط في مجال الصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية.
وقال مايكل إيلمان، مدير برنامج عدم الانتشار النووي والسياسة النووية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في واشنطن، إن إنتاج مسحوق الألومنيوم للاستخدام في الدفع الصاروخي سيتيح لإيران قدرة أكبر على التحكم في سلسلة الإمدادات وجودتها.
ووفقا للوثائق المتعلقة ببرنامج مسحوق الألومنيوم، تتولى شركة "إيران ألومينا" إدارة منشأة جاجرم.
وهذه الشركة تابعة لمؤسسة المناجم وتنمية وتحديث الصناعات المنجمية الإيرانية وهي الشركة القابضة المملوكة للدولة في قطاع المناجم والتعدين.
وبسبب خواصه التفجيرية يعد مسحوق الألومنيوم أيضا عنصرا رئيسيا في وسائل الدفع بالوقود الصلب المستخدمة في إطلاق الصواريخ. وعند مزج المسحوق بمادة تحتوي على الأكسجين تنطلق كمية هائلة من الطاقة.
من جانبها، قالت الحكومة البريطانية عن إنتاج إيران مسحوق الألومنيوم للاستخدامات العسكرية، في بيان لها، إنه "لدينا بواعث قلق كبيرة وقديمة عن برنامج الصواريخ الباليستية لدى إيران والذي يعمل على زعزعة استقرار المنطقة ويمثل تهديدا للأمن الإقليمي".
وأضاف البيان أن قيام إيران بتطوير صواريخ باليستية ذات قدرة نووية وما يتصل بها من تكنولوجيات "لا يتفق مع" قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 الساري منذ 2015 والذي يدعو إيران للإحجام عن الأنشطة المتعلقة بالصواريخ الباليستية المصممة للاستخدام في الأسلحة النووية.
ومنذ فترة طويلة تستهدف الأمم المتحدة الأنشطة الصاروخية الإيرانية في إطار المساعي الرامية للحد مما يشتبه أنه برنامج نووي لدى إيران.
وفي يونيو 2010 تبنى مجلس الأمن القرار رقم 1929 الذي قيد إنتاج إيران للصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية ومنع الدول الأخرى من تزويد إيران بالتكنولوجيا أو المساعدة التقنية المتعلقة بهذه الصواريخ.
واعترضت السلطات في سنغافورة في سيتمبر 2010 شحنة مكونة من 302 اسطوانة من مسحوق الألومنيوم في طريقها إلى إيران وكان منشأها الصين وفقا للجنة تابعة للأمم المتحدة تراقب الالتزام بقرار مجلس الأمن.
وقالت اللجنة في تقرير صدر في 2011 إن خبيرا في الصواريخ الباليستية أبلغها أن محتوى الشحنة من مسحوق الألومنيوم عالي الجودة "مؤشر على أن الاستخدام النهائي المرجح هو الدفع الصاروخي".
ووفقا لما يقوله أمير مقدم وتوضحه اثنتان من الوثائق التي أطلعت رويترز عليها فقد كان العمل يجري بحلول العام 2011 في تجهيز منشأة جاجرم.
وإحدى الوثائق رسالة بتاريخ أكتوبر 2011 موجهة إلى الجنرال حسن طهراني مقدم، الذي كان آنذاك رئيسا للبرنامج الصاروخي بالحرس الثوري من مجيد قاسمي فايز أبادي، العضو المنتدب لشركة إيران ألومينا في ذلك الوقت.
وكتب قاسمي يقول إنهم "توصلوا بناء على أوامر الميجر جنرال إلى موقع يصلح للمشروع بالقرب من مطار مهجور على مقربة من مدينة جاجرم". وطلب قاسمي أيضا تمويلا قدره 18 مليون دولار من صندوق الثروة السيادي الإيراني لبناء المصنع.
وتتعلق بعض الوثائق بتدخلات عناصر من مليشيا الحرس الثوري ومسؤولين إيرانيين لدى السلطات القضائية بالنيابة عن قاسمي، توضح المشروع السري ودوره فيه.
وكان قاسمي قد اعتقل في إيران في 2015 باتهامات بالفساد فيما يتصل بتعاملات مالية مرتبطة بشركة "إيران ألومينا" وفقا لما ورد في الوثائق.