الاحتباس الحراري يزيح الجليد عن البكتيريا القاتلة

موسكو - في الوقت الذي ترتفع فيه درجات الحرارة في منطقة سيبيريا الواقعة في الجزء الشرقي والشمالي الشرقي من روسيا، يعاني الناس من أمراض غير متوقعة جراء إطلاق التربة الصقيعية للميكروبات المتجمدة.
يقول الخبراء إن الاحتباس الحراري ربما يتسبب في إطلاق المزيد من الأخطار الكامنة في التربة.
ففي عام 2016 توفي صبي (12 عاما)، وتم نقل أكثر من 70 شخصا إلى المستشفيات في سيبيريا بعد تفشي بكتيريا اعتقد العلماء منذ أمد بعيد أنها في حالة سكون.
وقال العلماء، إن ذوبان التربة الصقيعية هو سبب تفشي بكتيريا الجمرة الخبيثة، وأوضحوا أن درجات الحرارة ارتفعت، وأصيبت الحيوانات بالمرض، ثم أكل البشر لحم رنة مريضة، فأصيبوا بالعدوى.
وبينما يتسبب الاحتباس الحراري في ذوبان التربة المتجمدة، مما يؤدي إلى إطلاق مسببات الأمراض، فإن حدوث مثل هذا التفشي يمكن أن يصبح أكثر شيوعا.
وقال عالِم الفايروسات جوناس شميدت تشاناسيت من معهد “برنهارد نوخت” للطب الاستوائي في مدينة هامبورغ الألمانية، “إن الخطر حقيقي”، مضيفا أن البكتيريا يمكن أن تكون قد ظلت حية لقرون على جثث مدفونة في التربة التي يطلقها الجليد الآن جراء درجات الحرارة المرتفعة.
ويحدث تغير المناخ تأثيرا غير متناسب على المناطق ذات التربة المتجمدة، بما في ذلك ألاسكا وكندا وسيبيريا.
وقال البرنامج الأوروبي لمراقبة الأرض (كوبرنيكوس)، إن شهر مايو عام 2019 كان الأكثر سخونة في المتوسط على مستوى العالم منذ أن بدأ تسجيل درجات الحرارة في عام 1979.
وتم تسجيل أن سيبيريا كانت أكثر سخونة 10 مرات من المتوسط المسجل بين عامي 1981 و2010، في حين كانت ألاسكا والقارة القطبية الجنوبية أكثر سخونة بشكل ملحوظ من المعدل المعروف.
ويتم دفن الموتى منذ قرون في التربة المتجمدة في القطب الشمالي، بما في ذلك أولئك الذين ماتوا بسبب الأمراض والأوبئة.
وقبل عشر سنوات، تمكن العلماء من الحصول على معلومات وراثية جديدة عن الأنفلونزا الإسبانية، وهو الوباء الذي قتل الملايين من الأشخاص، من خلال جزيئات في جثة امرأة تم دفنها في ألاسكا قبل 75 عاما.
ذوبان التربة الصقيعية وراء تفشي الجمرة الخبيثة فمع ارتفاع درجات الحرارة أصيبت الحيوانات بالمرض وانتقل إلى البشر
حفظت التربة المتجمدة ومخزون المواد الدهنية للمرأة الفايروس في رئتيها. وكان قد تم دفن المرأة في مقبرة جماعية، تحت مترين من الجليد والقاذورات، في قرية إنويت النائية بالقرب من بلدة بريفيج ميشن في ولاية ألاسكا الأميركية .
ويعكف العلماء الآن على تقييم مدى خطورة مثل هذه الأمراض. وأضاف شميدت تشاناسيت، “الفايروسات لا تشكل خطرا كبيرا”.
وعادة يصاب الأشخاص بالأمراض حال تعرضهم فقط لحمل فايروسي مرتفع نسبيا. ومع مرور الوقت، تصبح الأمراض أيضا أقل عدوى، وكلما ظل الجسم المصاب بالفايروس مدة طويلة تحت الجليد ، صار من المرجح أن تكون مسببات الأمراض أقل خطورة.
وذكر شميدت تشاناسيت، أنه كلما عثر الباحثون على فايروسات قابلة للحياة عند الحفر في الجليد أو التربة الصقيعية، فإنه “تتم إعادتها للحياة في ظروف المختبرات”.
ومع ذلك، فإن البكتيريا تكون أكثر قدرة على المقاومة، وهو ما يجعلها أكثر خطورة. وأضاف شميدت تشاناسيت، “جراثيم الجمرة الخبيثة مستقرة بيئيا”. وتستطيع البكتيريا أن تبقى حية لفترة طويلة في التربة المتجمدة وتصيب الحيوانات ثم البشر.
وأصابت البكتيريا التي تسبب الجمرة الخبيثة، المعروفة أيضا باسم حمى الطحال، قطعانا كاملة من الرنة في شبه جزيرة يامال التي تقع في غرب سيبيريا. وبعد تسجيل حالات وفيات على نحو متكرر في السنوات الأخيرة، تم الشروع في تلقيح الكثير من الحيوانات كإجراء احترازي.
ومع ذلك، فإن احتمال أن تتحور البكتيريا يسبب المزيد من القلق، فقبل عامين اكتشف علماء الأحياء الروس كائنات حية دقيقة في طبقات التربة الصقيعية في ياكوتيا، في شمال شرق سيبيريا ، وقدروا عمر هذه الكائنات بأكثر من 3 ملايين سنة.
وقال العلماء، إنه إذا تبادلت مسببات الأمراض المجمدة منذ فترة طويلة مادتها الجينية مع البكتيريا الحالية فإن الميكروبات التي لا تسبب أضرارا قد تصبح خطيرة، وفق تقرير لوكالة أنباء تاس الروسية الرسمية.
ولا تشكل إذابة التربة الصقيعية التهديد الوحيد لصحة البشر في ظل الاحتباس الحراري.
ويلعب القراد والبعوض أيضًا دورا متزايدا لأنهما ينقلان الأمراض المعدية التي كانت تقتصر على مناطق أكثر دفئا في السابق، لأن لديها القدرة على البقاء في فصول الشتاء المعتدلة بشكل متزايد.
وفي العام الماضي، أصيب أشخاص في جنوب فرنسا بفايروس زيكا الذي ينتقل عن طريق البعوض النمر، الذي اتخذ المنطقة موطنا له، في أول اكتشاف للفايروس في أوروبا.
كما يتسبب فايروس غرب النيل المستورد حديثًا والمميت أحيانا في تفشي المرض في أوروبا. وأعلنت ألمانيا عن أول حالة بها في سبتمبر 2019. والفايروس، الذي نشأ في أفريقيا وكان يُعرف في السابق بأنه مرض الوباء الحيواني، يصيب الطيور بشكل رئيسي.
والأمر الذي يثير القلق هو أن الفايروس يمكن أن ينتقل الآن عن طريق البعوض المحلي.
وتعليقا على ذلك، يقول الخبراء إن تغير المناخ يلعب دور مهما أيضا في ذلك. وكلما كانت درجة الحرارة أكثر دفئا تزايدت مسببات المرض في البعوض، مما يزيد من خطر انتقال العدوى.
ومن ثم إذا كان الإنسان يحتاج إلى سبب آخر لبدء مكافحة تغير المناخ، فعليه التفكير في كل الأمراض المميتة التي تكمن تحت سطح الأرض.