آثار مدمرة تنتظر اقتصاد سوريا مع بدء تنفيذ قانون قيصر

تباينت تحليلات خبراء الاقتصاد حول تأثير قانون قيصر الأميركي الذي دخل حيز التنفيذ الأربعاء، على الاقتصاد السوري المشلول أصلا رغم إجماعهم على أنه سيفاقم معاناة المواطنين بشكل أكثر مما هو متوقع لاسيما في ظل تضاؤل هامش تحرك النظام السوري لانتشال البلاد من أزمتها المالية التي تتقاذفها أمواج الاضطرابات منذ 2011.
دمشق - يشكل دخول قانون العقوبات الأميركي الجديد المعروف باسم “قيصر” حيز التنفيذ الأربعاء آخر خطوات الولايات المتحدة في معركتها الاقتصادية على النظام السوري المتهم بارتكاب انتهاكات واسعة خلال تسع سنوات من الحرب. وفي أول تحرك من دمشق لتفادي الأسوأ، رفع مصرف سوريا المركزي سعر صرف الليرة الرسمي مقابل الدولار من 700 إلى 1250 ليرة.
ويقول محللون إنه إذا كانت العقوبات الجديدة، وهي الأكثر قساوة على سوريا ستفاقم سوء الاقتصاد المنهك أساسا، فإن المواطنين سيكونون أولى الضحايا.
وليست العقوبات جديدة على البلاد، فقد عرقلت الإجراءات الأميركية والأوروبية منذ سنوات قدراتها الاقتصادية، بعدما طالت شركات ورجال أعمال وقطاعات مختلفة.
لكن القانون الجديد يوسّع دائرة الاستهداف لتطال أذرعه أيضا، عدا عن مسؤولين سوريين، كل شخص أجنبي يتعامل مع الحكومة السورية وحتى الكيانات الروسية والإيرانية في سوريا. ويشمل مجالات عدة من البناء إلى النفط والغاز.
وينص القانون على اتخاذ إجراءات خاصة بحق المركزي إذا ثبت أنه “مؤسسة مالية أساسية في عمليات تبييض الأموال”.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية للمحلل إدوارد ديهنيرت من وحدة ذي إكونوميست للبحوث والمعلومات قوله “لا يزال على الولايات المتحدة أن توضح أين وإلى أي حدّ سيتم تطبيق العقوبات، لكن من الممكن القول إن قطاعات العقارات والإعمار والطاقة والبنى التحتية ستتأثر بشكل خاص”.
وتشترط إدارة الرئيس دونالد ترامب لرفع العقوبات، وفق القانون، إجراءات عدة بينها محاسبة مرتكبي “جرائم الحرب” ووقف قصف المدنيين والإفراج عن المعتقلين السياسيين وعودة اللاجئين.
530 مليار دولار خسائر الاقتصاد منذ بداية الأزمة، وفق المركز السوري للبحوث والدراسات
ويرى ديهنيرت أن القانون “عُدّ ظاهريا آخر محاولة في جهود الولايات المتحدة لفرض تسوية سياسية والإطاحة ببشار الأسد”. إلا أنه يشرح في الوقت ذاته أن ذلك “لن يحدث في أي وقت قريب، لكون موقع الأسد حاليا مضمونا”، فهو يحظى بدعم إيران وروسيا ويسيطر بفضلهما على أكثر من 70 في المئة من مساحة البلاد.
وبالنتيجة، سيكتفي القانون بـ”عرقلة قدرة النظام وأزلامه على الاستفادة من الفرص الاقتصادية التي ستوفرها عملية إعادة الإعمار” المكلفة.
ورجّح ديهينرت أن تنجح واشنطن إلى حد ما في مساعيها، فقد صُممت العقوبات لإبقاء نظام الأسد منبوذا، وسيكون تهديدها باتخاذ خطوات عقابية كافيا لإخافة غالبية تدفقات الاستثمارات الخارجية.
ومن دون استثمارات ودعم خارجي، ستعاني دمشق، التي نددت بالقانون وقالت إنه سيفاقم معاناة المدنيين في ظل اقتصاد مستنزف، لإطلاق إعادة الإعمار.
ويرى محللون أن الخشية من القانون، حتى قبل أسبوعين من تنفيذه، ساهمت إلى حدّ كبير في الانهيار التاريخي لليرة، التي تخطى سعر صرفها خلال أيام قليلة عتبة الثلاثة آلاف مقابل الدولار في السوق الموازية. وستفاقم العقوبات، وفق ديهنيرت، “علل” الاقتصاد و”للأسف سيكون الشعب أكثر من سيعاني” وسيرتفع معدل السوريين تحت خط الفقر.
ويعيش أكثر من 80 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بمعدل 133 في المئة منذ مايو العام الماضي، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
ويتوقّع الباحث الاقتصادي أن تشهد البلاد “نقصا في المواد الضرورية، وبالتالي سترتفع الأسعار وسيعاني السوريون من تآكل أكبر في قدراتهم الشرائية مع تراجع في فرص العمل” خصوصا أن القدرة على استيراد السلع، وبينها المواد الغذائية والوقود، ستصبح أكثر تعقيدا. وتشهد مناطق سيطرة الحكومة أساسا منذ نحو عامين أزمة وقود حادة وساعات تقنين طويلة في التيار الكهربائي.
وتصف هبة شعبان (28 عاما)، طالبة الدراسات العليا في جامعة دمشق، قانون قيصر بأنه “وجه آخر للحرب”. وقالت “عانينا كثيرا من العقوبات المفروضة حاليا، والتي تجددت وتتجدد، وتتسبب بشكل أو بآخر في ارتفاع أسعار المواد التموينية”. وتساءلت “لكن هل سنشهد هذه المرة ليالي باردة شتاء وحارة صيفا جراء انقطاع الكهرباء؟”.
ولعل أكثر ما يثير خشية حسان توتنجي، مدير مستوصف في دمشق القديمة، هو أن تضع العقوبات “قيودا على استيراد المعدّات والآلات التي يحتاجها أي مركز طبي والمواد الأولية الضرورية لصناعة الأدوية”، في ظل شحّ عدد منها وارتفاع أسعارها مؤخرا.
وتستهدف العقوبات نفوذ إيران وروسيا في سوريا، في وقت تسعى الدولتان لتعزيز حضورهما في الاقتصاد وإعادة الإعمار، لكن النتائج قد لا تأتي على قدر آمال واشنطن نظرا لخبرة موسكو وطهران في الالتفاف على عقوبات قد اعتادتا عليها.
ولا يستبعد ديهينرت أن يكون “للإجراءات تأثير عكسي، إذ عبر إبعاد حركة الاستثمارات التقليدية، تُقلل الولايات المتحدة من التنافس على فرص الاستثمار في سباق تتفوق فيه روسيا وإيران أساسا”.
ومن المتوقع أن تحدّ أيضا من اندفاعة الإمارات المرتقبة للاستثمار في إعادة إعمار سوريا بعد انفتاح دبلوماسي مؤخرا. أمّا لبنان، البلد الذي لطالما شكّل رئة سوريا خلال الحرب وممرا للبضائع ومخزنا لرؤوس أموال رجال أعمالها، فقد يشهد تدهورا أكبر في اقتصاده المنهار أساسا إذا لم تستثنه
العقوبات.
ويُرجّح أن تنعكس العقوبات، وفق ديهينرت، على عمل شركات البناء اللبنانية في السوق السورية وشركات النقل، عدا عن أن قدرة لبنان على تصدير المنتجات الزراعية عبر سوريا إلى الدول العربية ستصبح محدودة.
ويستنتج الباحث في مجموعة الأزمات الدولية هيكو ويمان أنّ القيام بأعمال تجارية مع سوريا “سيصبح أكثر صعوبة وخطورة، وبالتالي فإن احتمال أن يُدخل أي شخص أموالا للاستثمار أو لأعمال تجارية سيتراجع وقد لا يكون ممكنا”.
وعلى مدى تسع سنوات من الأزمة، تعرض الاقتصاد السوري لتدمير واسع، وقبل تطبيق القانون، قدرت مؤسسات دولية ومحلية خسائره بنصف تريليون دولار.
ولكن المركز السوري لبحوث الدراسات نشرت أواخر مايو الماضي، قدر خسائر الاقتصاد منذ بدء الحرب عام 2011 وحتى مطلع هذا العام، 530 مليار دولار، ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي عام 2010.
كما ارتفع الدين العام للبلاد ليتجاوز 200 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يقترب معدل البطالة من 50 في المئة قياسا بنحو 15 في المئة في 2010.