قضية باركليز تكشف المزيد من تفاصيل الاحتيال القطري

لندن - تسير تطورات قضية بنك باركليز المنظورة منذ سنوات أمام القضاء البريطاني باتجاه ترسيخ تورط قطر وتحديدا رئيس وزرائها الأسبق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في القضية المتعلّقة باحتيال مالي وتقديم رشوة مقابل تسهيل الحصول على تمويل قطري للبنك في إطار بحثه عن تمويلات خارجية لتجاوز أزمة مالية حادّة واجهته قبل نحو 12 سنة.
وقالت صحيفة فايننشال تايمز إنّ مذكّرة الادّعاء في الدعوى القضائية المرفوعة أمام محكمة بريطانية عليا ضد بنك باركليز تضمّنت اتهاما للبنك بتعمّد تضليل السوق بشأن شروط سرية تم الاتفاق عليها مع مسؤولين قطريين من أجل جذب استثماراتهم في ذروة الأزمة المالية لعام 2008، وإن باركليز تعمد إخفاء معلومات عن قرض من قطر بقيمة 3 مليارات دولار.
وتطال الاتهامات في القضية المذكورة رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الأسبق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، حيث سبق لذات الصحيفة أن كشفت ضمن مواكبتها لوقائع قضية باركليز أنّ الشيخ حمد طلب عمولة شخصية وحصل عليها. ونقلت عن مسؤول كبير سابق في البنك أدلى بشهادته في القضية أنّه جرى التفاوض فعلا على “رسوم إضافية” لقطر بقيمة 280 مليون جنيه إسترليني (365 مليون دولار).
وتنظر دوائر غربية لقضية بنك باركليز باعتبارها مظهرا لسلوك قطري دأبت الدوحة على ممارسته منذ نحو عقدين من الزمن ويقوم على محاولة تحصيل مكاسب ومزايا في عدّة مجالات باستخدام المال الذي أصبح وفيرا لديها بفعل القفزة الهائلة في عوائدها من بيع الغاز الطبيعي، الأمر الذي رفع من طموحاتها التي لم تسع دائما لتحقيقها بطرق مشروعة، بل عمدت إلى اختصار الطرق إليها بدفع الرشاوى وشراء الذمم، على غراء ما قامت به للحصول على امتياز تنظيم كأس العالم في كرة القدم 2022، وكذلك لاحتضان الدوحة لبطولة كأس العالم لألعاب القوى 2019، وأيضا لحصول شركة يديرها قطري مقرّب من الأسرة الحاكمة على حقوق البث التلفزيوني لمونديالي 2026 و2030.
ويمثّل اسم رئيس الوزراء الأسبق الشيخ حمد بن جاسم أحد الخيوط الناظمة للسياسة القطرية القائمة على دفع الرشاوى، في ما يمثّل ورود اسمه في قضية بنك باركليز خطرا عليه إذ ترى جهات مواكبة للقضية أنّ الأدلّة ضدّه قوية ما يجعل إدانته في حكم المؤكّد.
وأصبح ملحوظا لدى المتابعين للشأن القطري التلازم بين عودة الشيخ حمد للظهور على مواقع التواصل الاجتماعي والتعليق بشكل استعراضي على قضايا تهم قطر، وبين أي تطوّر يحدث في قضية باركليز.
حاجة الشيخ حمد بن جاسم مجدّدا للحماية في قضية بنك باركليز تفسّر تودّده لأمير قطر وثنائه عليه
وأطلّ رئيس الوزراء القطري الأسبق مؤخّرا عبر تويتر معلّقا على قضية مقاطعة أربع دول عربية لبلاده بسبب دعمها للإرهاب متعمّدا توزيع الاتهامات على تلك البلدان ومثنيا على طريقة أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في إدارة الأزمة على الرغم من عدم تحقيق أي تقدّم في اتجاه حلّها، الأمر الذي فهم باعتباره سعيا لإثارة الضجيج، وأيضا محاولة لاستمالة القيادة القطرية الحالية التي سيحتاج لدعمها في قضية البنك، خصوصا وقد سبق له أن استفاد من غطاء الدولة القطرية التي أسندت له سنة 2016 منصبا دبلوماسيا شكليا ومتدنيا (مستشار في السفارة القطرية بلندن) استحدث خصيصا لحمايته من الملاحقة في بريطانيا في دعوى رفعها ضدّه مواطن بريطاني قطري اتهمه فيها بمحاولة الاستيلاء على أرضه دون موجب قانوني وباختطافه وحبسه وتعذيبه في قطر.
وجاء في تقرير الفايننشال تايمز عن تطورات قضية باركليز أنّ شركة “بي.سي.بي كابيتال” المملوكة لسيدة الأعمال البريطانية أماندا ستافيلي تتهم ضمن القضية ذاتها البنك المذكور بتعمد الخداع بشأن اتفاقيات سرية ومشبوهة مع مسؤولين قطريين وتم بموجبها ضخ رؤوس أموال في البنك خلال عمليتي اكتتاب طارئتين في عام 2008 بقيمة 11.8 مليار جنيه إسترليني.
ولجأ مسؤولون تنفيذيون سابقون في البنك لهذه الحيلة بهدف تفادي تأميم البنك في إطار خطة الإنقاذ الحكومية البريطانية آنذاك. وهي واحدة من سلسلة تجاوزات جرَّت البنك البريطاني ومسؤوليه التنفيذيين إلى تحقيقات ودعاوى قضائية مستمرة منذ سنوات.
وذكر محامو الادعاء عن شركة “بي.سي.بي” في مذكرة الدعوى أن هذه المجموعة الاقتصادية التي قامت بتنفيذ عمليات جذب ناجحة لاستثمارات موازية في باركليز في أكتوبر 2008، لم تكن لتنفذ تلك الاستثمارات لو أنّها علمت أن البنك عقد صفقات ذات طبيعة خاصة تم بموجبها دفع مبالغ سرية للمسؤولين القطريين في صورة أتعاب على استشارات اقتصادية “ليس لها وجود أو أساس من الصحة”.
وكانت جلسات قضية “بي.سي.بي” في المحكمة العليا بإنجلترا وويلز قد بدأت مطلع الأسبوع الجاري وتم خلالها الاستماع لمرافعة أحد المحامين التي شدّد فيها على انتهازية قطر واستغلالها حاجة بنك باركليز الماسة للإنقاذ لفرض شروط مجحفة عليه وإثقال كاهله بمدفوعات إضافية غير قانونية.
وأوضح المحامي أن روجر جنكنز الرئيس السابق لقطاع المصارف الاستثمارية في بنك باركليز بالشرق الأوسط خدع ستافيلي عندما قال لها إن القطريين يحصلون على نفس الصفقة مثل عملاء مجموعة “بي.سي.بي” لكن تبين في ما بعد أن ما حصلت عليه المجموعة هو في الواقع أقل مما حصلت عليه شركة قطر القابضة التابعة لصندوق الثروة السيادي القطري والذي كان يرأسه في ذلك الحين الشيخ حمد بن جاسم الذي كان يشغل أيضا منصبي رئيس الوزراء ووزير الخارجية في قطر.