حمد بن جاسم يواصل تطفّله على المشهد القطري من بوابة استعداء الخليج

التهوين من خطر العزلة والإيهام بنجاح الشيخ تميم في مواجهتها، وسياسة الهروب إلى الأمام تزيد من عزلة الدوحة.
السبت 2020/06/06
لا قطر من دوني

حالة الارتياح الشكلية التي تعمل قطر على إظهارها في تعاملها مع أزمتها الناتجة عن مقاطعة أربع دول عربية لها، تخفي تحتها حالة من القلق الشديد جرّاء العزلة وطول أمدها وانسداد آفاق الخروج منها، كما تغطّي على حالة من عدم الرضا الداخلي على نهج التأزيم وسياسة الهروب إلى الأمام التي يغذيها طاقم الحكم السابق ممثلا برئيس الوزراء الأسبق الشيخ حمد بن جاسم لحسابات ضيّقة ومآرب شخصية، في ظل حالة من العجز والاستسلام من قبل القيادة الحالية.

الدوحة - يجد رئيس وزراء قطر الأسبق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في موضوع مقاطعة أربع دول عربية لبلاده بسبب دعمها للإرهاب والتشدّد وتهديدها لأمن المنطقة، مدخلا مناسبا، يكاد يكون الوحيد، لتسجيل حضوره في المشهد القطري، في ظلّ حديث مصادر خليجية عن امتعاض دوائر مقّربة من القيادة القَطَرية الحالية من ذلك الحضور الذي يمثّل بالنسبة إليها مظهرا على تسلّط طاقم الحكم القديم الذي تنازل عن السلطة سنة 2013 وممارسته الوصاية على الطاقم الحالي.

وتقول ذات المصادر إنّ بعض الشخصيات القطرية من داخل الأسرة الحاكمة نفسها تنظر إلى تدخّلات الشيخ حمد بن جاسم باعتبارها التعبير المعلن عن إرادة “معسكر التأزيم” الذي يعمل في الخفاء على إدامة الأزمة مع دول الخليج ومصر، وقطع الطريق أمام أي محاولة لحلّها ما يكلّف البلد المزيد من الغرق في العزلة عن محيطه المباشر والارتهان لقوى خارجية طامعة في الثروة القطرية وتحديدا إيران وتركيا.

وتؤكّد المصادر التي تصف نفسها بالمطّلعة على الشأن الداخلي القطري أنّ بعض الدوائر القطرية المبعدة من عملية صنع القرار تعبّر في مجالسها الخاصّة عن حالة من عدم الرضا على ما تصفه بضعف طاقم الحكم الحالي بقيادة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وعدم قدرته على إنجاز أي تعديل في المسار السياسي الذي رسمه كل من الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة ورئيس وزرائه آنذاك الشيخ حمد بن جاسم والذي أدخل قطر في متاهة دعم التنظيمات الإرهابية المتشدّدة والانخراط في ضرب استقرار المنطقة وتهديد أمن دولها والتحالف مع دول معادية لبلدان الخليج وطامعة في الثروة القطرية.

وتساهم تدخّلات الشيخ حمد بن جاسم في ملف الأزمة القطرية في سدّ سبل الخروج منها عبر خطاب سطحي يقوم على توزيع الاتهامات جزافا ويتعمّد استعداء بلدان الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

الخطوط القطرية تسجل خسائر غير مسبوقة
الخطوط القطرية تسجل خسائر غير مسبوقة

وفي أحدث تغريدات له بشأن أزمة قطر وعزلتها التي دخلت عامها الرابع اتّهم رئيس الوزراء القطري الأسبق السعودية دون الإشارة إليها بالمسؤولية عن الأزمة وبعدم الرغبة في حلّها.

ولم تخل تغريدات الرجل الذي سبق له أيضا أن شغل منصب وزير للخارجية من تحريض لأمير البلاد على مواصلة نهج التأزيم والتمادي فيه محاولا أن يهوّن من تبعات العزلة القطرية وأن يصوّر سياسة الشيخ تميم إزاءها بالناجحة، قائلا “في ذكرى الحصار الذي فرض علينا، أريد أن أحيي أولا حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى على الحكمة والثبات في التعامل مع هذا الموقف الذي وللأسف دمر الحلم الخليجي وأصبح عبئا ليس علينا في قطر، بل على من فرضه”.

وتحوّلت وحدة دول الخليج وتماسك الإطار الذي يجمعها والمتمثّل في مجلس التعاون الخليجي بأعضائه الستّة من ثوابت الخطاب القطري المتعلّق بالأزمة، وهو خطاب يتراوح بين التحذير من تفجّره عبر التلميح بإمكانية انسحاب قطر منه ثم التراجع عن ذلك، وبين تحميل الدول الخليجية الثلاث المشاركة إلى جانب مصر في مقاطعة قطر وهي السعودية والإمارات والبحرين مسؤولية تفكيك الجبهة الخليجية وإضعاف موقفها.

غير أنّ عواصم القرار الخليجية تهوّن من أهمية الأزمة القطرية وتأثيرها في أوضاع الخليج، معتبرة أن مقاطعة قطر باعتبارها مهدّدا لأمن المنطقة كانت عاملا إيجابيا وتغييرا محمودا في اتّجاه الحفاظ على استقرارها.

وأكدت دولة الإمارات، الجمعة، أن الخليج العربي تغير ولا يمكن أن يعود إلى ما كان عليه قبل قطع العلاقات مع قطر منذ ثلاث سنوات.

وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في تغريدة على تويتر “لا أرى أن أزمة قطر في ذكراها الثالثة تستحق التعليق، افترقت المسارات وتغيّر الخليج ولا يمكن أن يعود إلى ما كان عليه”.

كما أكّد الوزير الإماراتي مسؤولية قطر المباشرة عن أزمتها، قائلا “أسباب الأزمة معروفة، والحلّ كذلك معروف وسيأتي في أوانه”.

وفشلت قطر طيلة السنوات الثلاث الماضية في التخلّص من أزمتها بالتعويل على الوساطات والتهرّب من الاستحقاقات المطلوبة من قبل الدول المقاطعة لها والتي تتلخّص إجمالا في تغيير سياساتها المتضاربة مع مصالح المنطقة وأمنها، وفك ارتباطاتها بالتنظيمات المتشدّدة والإرهابية وقطع الدعم الإعلامي والمالي عنها.

وخلاصة كلام قرقاش أن لا حلّ للأزمة القطرية وفق تصوّر الدوحة ودون الإيفاء بالالتزامات.

ولا يبدو لمراقبين أنّ قطر بصدد النجاح في وضع استراتيجية متماسكة للخروج من الأزمة وهو ما يتجلّى في التناقض الحادّ بين سعيها لاستدراج وساطة كويتية بينها وبين دول الخليج الثلاث، وانفلات الآلة الإعلامية القطرية الواقعة تحت سيطرة الإخوان المسلمين ومواصلة حملاتها الشرسة على بلدان الخليج وتعمّدها الإساءة لقادة ورموز تلك الدول.

ويعكس الخطاب الإعلامي القطري وجهة نظر معسكر التأزيم ومن رموزه رئيس الوزراء الأسبق الذي لم تخل تغريداته الأخيرة من الخطاب الحادّ الأقرب إلى الشتائم والهادف إلى تصعيد العداء بين الدوحة والرياض، حيث ورد فيها “أريد كذلك أن أخاطب من بدأوا بجهل وعنجهية هذا الحصار وأقول لهم: اتركوا قطر جانبا واسألوا أنفسكم ماذا جنيتم أنتم من سياساتكم الداخلية والخارجية على شعوبكم وعلى المنطقة”.

وهاجم الشيخ حمد بن جاسم السعودية تلميحا عبر القول “صحيح كما تقولون إن الحل في إحدى عواصمكم لأن الأزمة بدأت هناك، وليس في الدوحة. لكن من لا يزن الأمور بالعقل ولا يعرف العدالة مع شعبه لا يعرفهما في مواقفه مع الغير”.

3