كوفيد – 19 أكثر الأمراض المسببة للجلطة التي شهدها العالم

المرضى الذين أصيبوا بفايروس كورونا يواجهون مخاطر جلطات متزايدة ويرجع ذلك جزئيا إلى قلّة نشاطهم وعادة ما يتلقون أدوية مسيلة للدم للوقاية من هذا التهديد.
الخميس 2020/05/28
اختبار الأدوية لمعالجة الجلطات أو منعها

يعثر الأطباء على جلطات الدم التي يمكن أن تسبب السكتات الدماغية والنوبات القلبية وانسدادات خطيرة في الساقين والرئتين لدى عدد متزايد من المصابين بفايروس كورونا المستجد، بما في ذلك بعض الأطفال. ووجدوا تخثّرات صغيرة يمكن أن تضر بالأنسجة في جميع أنحاء الجسم لدى المرضى في المستشفيات وخلال عمليات التشريح، ما أربك فهم الأطباء لمرض صنّفته الهياكل الصحية كعدوى في الجهاز التنفسي.

واشنطن- ظهرت على دارلين غيلدرسليف، وهي أم لثلاثة أطفال، تبلغ من العمر 43 عاما، أعراض حمى شديدة في البداية، ثم تعرق شديد وآلام في العضلات، وبعد شهر  شعرت بخدر غريب انتشر على الجانب الأيمن من جسدها، بعد أن اعتقدت أنها تعافت من كوفيد – 19، وقال الأطباء إنها لا تحتاج إلى ما أكثر من الراحة.

مضاعفات شديدة

لم يتوقع أحد رؤية أعراضها تزداد سوءا، ولعدة أيام، ثمّ أجرت مكالمة فيديو في 4 مايو جمعتها مع طبيبها الذي يتابع حالتها. ولاحظ أمرا غريبا في طريقة كلامها واستشار أخصائيا ليناقشا حالتها. وقال لها طبيب الأعصاب الذي عاين حالتها في مستشفى هوبكينتون بنيو هامبشاير “لقد أصبت بجلطتين”.

ويقول الخبراء إنّ الجلطات، المعروفة أيضا بالتخثرات، ساهمت في وفاة عدد من المرضى. ويرون أن سبب تشكّل الجلطات قد يعود إلى الالتهابات الحادة في الرئتين.

وقال مدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية أنتوني فاوتشي إنه لا يستطيع أن يقدّم تفسيرا قاطعا لما يحدث. وشدد على أهمية التدقيق أكثر في آلية العدوى خلال إجراء الدراسات حول فهم هذا الفايروس بهدف الحد من انتشاره. ويسعى الأطباء والخبراء في المستشفيات والجامعات حول العالم للحصول على إجابات أثناء محاولتهم قياس خطر الجلطات واختبار الأدوية لمعالجتها أو منعها.

وقالت غيلدرسليف إن السلطات الصحية أصبحت “بحاجة إلى وضع تحذير عاجل بشأن هذا التهديد”. وأشارت إلى أن جهلها بالرابط المحتمل بين كوفيد – 19 والجلطة جعلها تتغاضى عن الأعراض عندما ظهرت عليها.

40 في المئة من حالات الوفاة ناتجة عن جلطات دموية
40 في المئة من حالات الوفاة ناتجة عن جلطات دموية

ويمكن لبعض الحالات التي تجعل بعض مرضى  كوفيد – 19 عرضة لمضاعفات شديدة، بما في ذلك السمنة والسكري، أن تزيد من مخاطر الجلطة. لكن العديد من المختصين أكدوا أن كيفية الإصابة بالفايروس وطريقة استجابة الجسم تلعبان دورا في تباين حدّة الأعراض.

وقال الدكتور أليكس سبايروبولوس، خبير تجلط الدم في نورث ويل هيلث والأستاذ في معاهد فينشتاين للأبحاث الطبية في مانهاست في نيويورك، إنه مع ظهور فايروس كورونا يبدو أن المزيد من الجلطات الدموية تنشأ في الرئتين وأجزاء أخرى من الجسم، مضيفا أن الفايروس شكّل أكثر الأمراض التي تسبب الجلطة التي شهدها العالم. وأشار إلى أن الجلطة شوهدت في إصابات أخرى بالفايروس التاجي بما في ذلك السارس ولكن على نطاق أصغر بكثير.

ويقول الدكتور فالنتين فوستر، المحرر المسؤول بمجلة الكلية الأميركية لأمراض القلب، إن الإصابة قد تتسبب في استجابة مناعية شديدة حيث يحاول الجسم محاربة العدوى، مما يؤدي إلى التهاب قد يساهم في تلف الأوعية الدموية وتعزيز التخثر. ويترأس فوستر الأطباء في مستشفى ماونت سيناي أين أجريت دراسة حددت نتائجها أن الأدوية المانعة لتخثر الدم يمكن أن تساعد في إنقاذ حياة مرضى كوفيد – 19.

وقال رئيس جراحة الأوعية الدموية في كلية الطب بميشيغان توماس دبليو ويكفيلد إن بعض البيانات تشير إلى أن عقار الهيبارين الذي استخدم في الدراسة قد يقلل الآثار الالتهابية لعملية ضخ الجهاز المناعي لكميات مفرطة من مادة السيتوكين للتصدي للفايروس.

ولا تحدد البيانات المتوفرة اليوم عدد المرضى الذين يصابون بالجلطات، وتشير الدراسات من الصين وأوروبا والولايات المتحدة إلى معدلات تتراوح من 3 إلى 70 في المئة من المرضى في المستشفيات. لذلك، تشدد معاهد الصحة الوطنية على الحاجة إلى مزيد من البحث الدقيق لتحديد النسبة الحقيقية.

وتقول إنها لا تستطيع أن تعتمد أدلة غير دقيقة للتوصية بفحص روتيني بحثا عن الجلطات لجميع مرضى كورونا دون أعراض تخثر، والتي قد تشمل الألم والانتفاخ وازرقاق لون الجلد والشّعور بالدفء في المنطقة المصابة.

ووجدت مستشفيات أن 40 في المئة من حالات الوفاة ناتجة عن جلطات دموية. ودعم الدكتور أليكس سبايروبولوس، خبير تجلط الدم في نورث ويل هيلث في نيويورك، هذه النسبة.

ومرّ أكثر من 11 ألف مريض بالفايروس المستجد بنورث ويل هيلث، وقال سبايروبولوس إن “الحالات هناك انخفضت بمقدار النصف في الشهر الماضي، ما أتاح الوقت للبحوث قبل حدوث موجة ثانية محتملة وربما ثالثة”، مضيفا “نحن نتسابق مع الزمن للإجابة على الأسئلة السريرية الرئيسية”.

الأدوية المانعة للتخثر

يواجه المرضى الذين يعانون من أي مرض شديد مخاطر جلطات متزايدة، ويرجع ذلك جزئيا إلى قلّة نشاطهم. وعادة ما يتلقون أدوية مسيلة للدم للوقاية من هذا التهديد. ويحاول أطباء اليوم منح جرعات أعلى من المعتاد لحماية مرضى كورونا في المستشفيات. واستخدم بعض الأطباء الأدوية القوية التي تعتمد للعلاج للقضاء على الجلطات، وسجّلوا نتائج متباينة.

وكشفت نتائج دراسة أجراها أطباء مستشفى “ماونت سايناي” على 2733 مريضا أنه من بين المرضى الذين لم يتم إيصالهم بأجهزة التنفس الصناعي، توفي أولئك الذين عولجوا بالأدوية المانعة لتخثر الدم بمعدلات مماثلة لأولئك الذين لم يحصلوا عليها، لكنهم عاشوا لفترة أطول.

وقال فوستر “على الرغم من أن النتائج ليست قاطعة، إلا أن جميع المرضى يتلقون الأدوية المانعة لتخثر الدم للوقاية من الجلطات ما لم يكونوا معرضين لخطر النزيف، وهو أحد الآثار الجانبية المحتملة”.

وقال سبايروبولوس إن بعض المرضى، مثل غيلديرسليف، يصابون بجلطات خطيرة عندما يبدو أن إصابتهم قد خفت. ويتم إرسال المرضى الذين عولجوا في نورث ويل هيلث في نيويورك إلى منازلهم مع دواء يستعملونه مرة واحدة في اليوم.

ويشارك أطباء نورث ويل هيلث في دراسة متعددة المراكز حيث ستختبر استخدام هذه الأدوية للوقاية من الجلطات لدى المرضى الذين لا تتطلب حالتهم البقاء في المستشفى.

جميع المرضى يتلقون الأدوية المانعة لتخثر الدم للوقاية من الجلطات ما لم يكونوا معرضين لخطر النزيف، وهو أحد الآثار الجانبية المحتملة
جميع المرضى يتلقون الأدوية المانعة لتخثر الدم للوقاية من الجلطات ما لم يكونوا معرضين لخطر النزيف، وهو أحد الآثار الجانبية المحتملة

وأثارت المخاوف من خطر جلطة الدم لدى مرضى كوفيد – 19 تقريرا من 30 صفحة من مجموعة دولية من الأطباء والباحثين. وتقول إن الاختبارات للعثور على الجلطات التي تتطلب العلاج تشمل الأشعة السينية أو فحوصات الموجات فوق الصوتية، ولكنها تشكل خطرا على العاملين في مجال الرعاية الصحية لأن الفايروس معد للغاية.

وقال زميل أمراض القلب بجامعة كولومبيا في نيويورك، بهنود بكدلي، الذي شارك في تأليف التقرير إنه يخشى الفترة التي ستصبح فيها معدات الحماية أكثر ندرة، حيث ستبقى بعض الجلطات دون تشخيص أو علاج.

كما يقول التقرير إن إجراءات الإغلاق قد تجعل الجميع أكثر عرضة للجلطات، وخاصة كبار السن، لذلك يجب على الأطباء تشجيع النشاط أو التمارين التي يمكن القيام بها في المنزل كإجراء وقائي.

وتعلّم وارنيل فيغا هذا الدرس في 19 أبريل عندما أصيب بجلطة كبيرة سدت شريانا في الرئة. ويعتقد الأطباء في مستشفى ماونت سيناي أنها مرتبطة بفايروس كورونا. أمضى فيغا البالغ من العمر 33 عاما أسبوعا في العناية المركزة، وعليه أن يستمر في تناول أدويته لمدة ثلاثة أشهر.

كما عادت غيلدرسليف إلى منزلها مع وصفة دواء. وتواظب على العلاج الطبيعي لتحسين قوة جسمها، لكنها تعاني من الخدر ومشاكل في الرؤية ولا تستطيع قيادة السيارة. ولم يحدد الأطباء ما إذا كانت هذه المشاكل مؤقتة أم دائمة. وقالت إنها متفائلة وتعلم أن عليها التحلي بالصبر.

17