حلم العودة إلى الديار لا يفارق النازحين في دارفور

الخرطوم - رغم تمديد مفاوضات السلام في السودان إلى أجل غير مسمى بعد انتهاء المدة المحددة دون الإعلان أو التوقيع عن أي اتفاق، ما زال النازحون في إقليم دارفور يمنون النفس بالعودة إلى ديارهم بعدما شردوا قرابة عقدين من الزمن.
ومع عودة السلام تدريجيا إلى دارفور يكافح الملايين من النازحين داخل السودان للبقاء على قيد الحياة بعد عقود من الحروب. وتقدم منظمات دولية المساعدة للنازحين لكن أوضاعهم في غاية الصعوبة.
وتأزمت الأوضاع المعيشية للنازحين وباتوا يفقدون الأمل في حدوث السلام وإنهاء كابوس الحرب حين أعلنت وساطة دولة جنوب السودان السبت تمديد مفاوضات السلام في الجار الشمالي السودان لأجل غير مسمى.
وقال رئيس الوساطة مستشار رئيس حكومة جنوب السودان للشؤون الأمنية توت قلواك، إن التمديد جاء “بناء على رغبة الأطراف في إكمال المفاوضات وجديتها في الوصول إلى اتفاق سلام شامل”.
وأشار إلى أن جلسات التفاوض أظهرت “جدية الحكومة السودانية والجبهة الثورية (تتكون من عدة حركات مسلحة) في التوصل إلى اتفاق حقيقي والتزامهما في تمديد عملية التفاوض من وقت إلى آخر”.
وفي 9 أبريل الماضي اتفقت أطراف مفاوضات “سلام السودان”، على تمديد فترة التفاوض إلى 9 مايو الجاري. كما توقفت المفاوضات بعد اتخاذ السلطات السودانية إجراءات احترازية للحدّ من انتشار فايروس كورونا.
وتشمل مفاوضات السلام 5 مسارات، هي إقليم دارفور (غرب)، ولايتا جنوب كردفان والنيل الأزرق، وشرق السودان، وشمال السودان، ووسط السودان.
ويقيم أحمد إسحاق بابكير، النازح السوداني من دارفور في بلدة صغيرة مع أسرته وبالكاد يكسب ما يقيم أودهم. وكان قد فرّ من دارفور قبل نحو 20 عاما عندما هاجم مسلحون قريته. وقال إنه اختبأ في الجبال والوديان المجاورة خلال رحلة نزوحه الطويلة.
ومزقت سنوات النزاع الطويلة إقليم دارفور. ويواجه الكثير من النازحين مثل بابكير صعوبات كبيرة على مستوى العيش، فهو يجمع كل يوم الأخشاب لبيعها لكسب قوت عيشه.
ويقول “مرات بمشي في الخلا ليومين، أجيبلي حطب عشان أبيع وأوكل عيالي”. لكن تجربة الحرب والنزوح تركته في حالة صعبة من الشعور بعدم الأمان. فهو يشعر بخوف شديد من الخروج إذ يشعر أن أمرا سيئا قد يحدث لأسرته.
وهناك نحو 1.6 مليون نازح في دارفور. وأغلب المخيمات والمنشآت التي يقيم فيها النازحون تفتقر للخدمات والبنية الأساسية مع ندرة الموارد التي يقتسمونها مع المجتمعات المضيفة.
وتعمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة مع الحكومة السودانية ومنظمات إغاثة أخرى على تقديم المساعدة وتشجيع إقرار السلام في دارفور. لكن العاملين بالإغاثة يقولون إن المزيد من الدعم الدولي مطلوب بشدة.
والرئيس المخلوع عمر حسن البشير المسجون في الخرطوم منذ الإطاحة بحكمه الذي استمر 30 عاما وسط مظاهرات حاشدة، مطلوب للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب اتهامات بجرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
لكن رغم كل هذه الظروف الصعبة والمتراكمة منذ سنوات في إقليم دارفور هناك أمل لدى النازحين بأن يعود السلام تدريجيا إلى المنطقة. وأطفال بابكير الصغار يذهبون الآن للمدرسة.
وحلم بابكير هو العودة لقريته مع أسرته وإعادة بناء ما فقده هناك، حيث يقول “الحمد لله إذا جاء الأمن، كل الناس يمشوا لبلادهم ويرجعوا يعيشوا زي ما كان، ويعمروا بلدهم بالأمن والناس يقدروا يوفروا لهم المدارس والمستشفيات والحاجات”.
وتنتشر “يوناميد” الأممية في دارفور، منذ مطلع 2008، وهي ثاني أكبر بعثة حفظ سلام أممية، إذ تجاوز عدد أفرادها 20 ألفا من قوات الأمن والموظفين، قبل أن يتبنى مجلس الأمن في 30 يونيو 2017، خطة تدريجية لتقليص عددها.
وشهد الإقليم منذ 2003، نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة حوالي 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
وجنّدت حكومة الرئيس السابق ميليشيات تتّهمها منظمات حقوقية بارتكاب فظائع أثناء النزاع، ما أفضى إلى إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق البشير واثنين من معاونيه وزعيم قبلي بتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. ووفقا للأمم المتّحدة تسبّب هذا النزاع بمقتل 300 ألف شخص ونزوح 2.5 مليون آخرين.
ويأمل النازحون في أن تقترب الحكومة السودانية من التوصل إلى اتفاق سلام نهائي مع الحركات المسلحة في دارفور، عبر مفاوضات تتوسط فيها دولة جنوب السودان.
وتسعى الحكومة الانتقالية الحالية إلى طي صفحة عهد البشير الذي حكم البلاد طوال ثلاثة عقود بقبضة حديدية انتهت عندما أطاح به الجيش إثر احتجاجات شعبية غير مسبوقة في أبريل 2019.
وتكابد الحكومة أيضا لوضع حدّ للصراعات العرقية المتعدّدة التي عانى منها السودان بشكل متواصل تقريبا منذ استقلاله في 1956.
وفي فبراير وافقت السلطات الانتقالية السودانية على تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية ومقرّها لاهاي. وفي مارس حذّرت الأمم المتحدة من أنّه إذا كان نشاط المتمرّدين المسلّحين قد تراجع في دارفور إلا أنّ حلّ التوتّرات القبلية في الإقليم هو السبيل الوحيد لتجنّب المزيد من أعمال العنف.