اللاجئون السوريون في لبنان يعيشون الوباء تحت مطرقة الغلاء

استقبل اللاجئون السوريون في لبنان شهر رمضان هذه السنة بالكثير من الخوف بسبب انتشار فايروس كورونا المستجد الذي فرض عليهم عدم مغادرة الخيام للعمل وتحصيل القوت وقلل من فرص حصولهم على المساعدات، وتركهم مذبذبين بين الخروج دون وقاية وبين البقاء فرائس للفقر والجوع.
بيروت - حلّ على اللاجئين السوريين في لبنان رمضان جديد، لكنّه الأصعب خلال سنوات الشتات واللجوء، خاصة مع انتشار جائحة كورونا.
ووصف الشيخ رشيد صطوف، من منطقة البويضة، الوضع بأنه أصعب سنة تمرّ على اللاجئين.
ولفت صطوف (60 عاما) إلى أنه “في الأعوام السابقة كان بإمكاننا الحصول على مساعدات غذائية للشهر الفضيل، لكنّ هذا العام لا نملك القدرة المادية.. وما زاد الطين بلّة جائحة كورونا التي فرضت علينا البقاء داخل الخيم”.
وأكد “فقدنا البهجة.. لا أتحدث عن بهجة هذا الشهر الفضيل، وإنّما الحياة بأكملها”.
وتنشغل دول العالم حاليا بمحاربة الفايروس، غير آبهة بالعائلات التي هربت من شظايا البراميل المتفجّرة، جراء الحرب السوريّة، ولجأت إلى الخيم، لتبقى على قيد الحياة، وهي الآن بأمسّ الحاجة للرعاية أكثر من أيّ وقت مضى.
وتتحضر مخيمات اللجوء للشهر المبارك في قلق من تطورات كورونا وتداعيات أسوأ أزمة اقتصاديّة وماليّة يعانيها لبنان.
ولا يملك غالبية اللاجئين رفاهية البقاء داخل الخيم من دون عمل يكسبون منه القوت اليومي لعائلاتهم، فضلا عن تأمين سبل الوقاية أو الرعاية الصحيّة في ظل الجائحة. واختلفت أجواء شهر رمضان بين اللاجئين السوريين، على مدى تسع سنوات، فشتان بين من يقيم تحت سقف بيته في وطنه ومن يعيش في خيمة ملفوفة بأكياس من النيلون، ثبتّت بدواليب (إطارات) السيارات، لتتحدى الفصول الأربعة.
وقالت حنان الزهوري، من منطقة القصير وتعيش بمخيم للاجئين في عكار (أقصى الشمال اللبناني)، “في أغلب الأيام لا نملك ثمن ربطة الخبز، والمساعدات شبه غائبة منذ 10 أيام تقريبا حصلنا على كرتونة إعاشة، لكنّها لا تكفي لإطعام أولادي العشرة”.
مخيمات اللجوء تتحضر للشهر المبارك في قلق من تطورات كورونا وتداعيات أسوأ أزمة اقتصاديّة وماليّة يعانيها لبنان
وأضافت الزهوري (34 عاما) متسائلة “كيف سنصوم هذا العام.. لا نعلم وفي الأساس نحن نشتهي الخبز، ناهيك عن غياب الوقاية من كورونا”.
زادت جائحة كورونا وتداعياتها العبء على عائلات اللاجئين في مخيمات عكّار، حتى أثقلت كاهلها؛ بسبب الفرقة والجوع والفقر، وبقي شهر رمضان وما فيه من طقوس أثير الذكريات وحنينا لا ينتهي.
وأكد فاضل شحادة (62 عاما) من منطقة القصير “هذا العام يمرّ علينا الشهر الفضيل من دون طعم ولذّة، لاسيّما وأن الأجواء الرمضانيّة غائبة عن المخيم، خصوصا مع إقفال المساجد بسبب كورونا”.
وتابع “الظروف المالية صعبة للغاية، وهذا الأمر ينعكس علينا بشكل سلبي، إذ لا نستطيع تأمين الخبز مع توقف الأعمال.. نحن نعاني الويلات مع غياب المساعدات.. كيف أعيل أولادي الـ13؟”.
ولا يختلف حال عدنان الكنج (60 عاما) من منطقة القصير عن غيره، حيث قال “من هو مقتدر في المخيم يستطيع شراء بعض الخضار لعائلته”.
وأضاف “نُقبل على شهر الرحمة، ونسأل أهل الخير أن ينظروا إلينا بعين الرأفة”.
وأشارت صالحة الحسين (48 عاما)، من ريف القصير، إلى أنهم يتلقون مساعدات من المنظمات “كلّ 15 يوما نحصل على حصة غذائية تحتوي على برغل وأرز، لكن ذلك غير كاف لإشباع عائلتي”.
وتابعت “بسبب الغلاء المستشري هذه الأيّام لا أستطيع تأمين الموز أو التفاح لأولادي”.
ولا تنتهي حكايات اللاجئين، في ظلّ تجاهل مناشداتهم من جانب المنظمات والسلطات اللبنانية، لكنّ العتب وحده يطغى على ألمهم الظاهر على ملامحهم.
وصعّدت السلطات اللبنانية في 2017 مطالبتها بعودة اللاجئين إلى سوريا، وضغطت على المفوّضية الأممية لتنظيم عمليات العودة، رغم استمرار النزاع في سوريا والمخاوف المبررة من ملاحقة السلطات للعديد من اللاجئين العائدين.
ويزيد من صعوبة الأوضاع في لبنان أنه يشهد منذ 17 أكتوبر الماضي احتجاجات شعبية ترفع مطالب سياسية واقتصادية، ويغلق مشاركون فيها من آن إلى آخر طرقات رئيسية ومؤسسات حكومية.
وبحسب تامر الشويرتاني، ناشط متطوع في جمعية “سوا منوصل”، فإنه “بمناسبة حلول الشهر الفضيل هناك أفراد يقومون بمبادرات فردية للاجئين، ونحن نقوم بتوزيعها عليهم”.
وأضاف الشويرتاني أن “المساعدات تأتي على سبيل مواد غذائية أو مساعدات ماديّة، ونحن نقوم بشراء كلّ ما يستلزم اللاجئين من خبز ومواد أساسيّة.. نقوم بكلّ ما بوسعنا لإعالة المئات من العائلات في مخيمات اللجوء، صحيح أنّ هناك ظروفا مالية صعبة، لكنّ روح النخوة والشهامة موجودة، لاسيما في رمضان”.
وتابع “فريقنا مؤلف من 140 متطوعا من مختلف الجنسيات، وجميعهم يمتلكون خبرات بشتى المجالات، إذ نسخرها ليس فقط من خلال المساعدة العينية، وإنّما من خلال خدمة كلّ ما يستلزم اللاجئين”.
وقال “أطلقنا مبادرات عدّة لشهر رمضان غير توزيع الحصص الغذائية، وإنما أيضا تعليم اللغة الإنجليزية ضمن ساعات محدّدة والدراسة تكون عن بعد”.
وأشار إلى أنهم تعاونوا “مع الهيئة الطبية الدولية (منظمة الصحة العالمية) وقدموا جلسات توعية لما يقارب 60 مخيما”، حول الإجراءات الاحترازية في ظلّ الجائحة.
وأضاف “خلال عملنا في المخيمات لمسنا الخوف لدى اللاجئين من تداعيات الجائحة الاقتصادية
أكثر من تداعياتها على صحتهم، في ظلّ انعدام فرص العمل وغلاء الأسعار”.
ولفت إلى أن “مفوضية شؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي تساعد 30 في المئة إلى 35 في المئة من السوريين في لبنان.. بحسب إحصائية مفوضية شؤون اللاجئين هناك 910 آلاف لاجئ سوري مسجّل (لديها)، أي هناك ما يقارب 300 ألف لاجئ يحصل (كل منهم) على 27 دولارا من البرنامج”. وتقدّر الحكومة عدد السوريين الفعلي في لبنان بـ1.5 مليون.