تحديات متزايدة تواجه العمالة الأجنبية في الخليج مع أزمة كورونا

الرياض - تواجه معظم دول الخليج تحدياً مع العمال الأجانب نتيجة تفشي فايروس كورونا، وفرض العديد منها العزل العام بسبب الانتشار السريع لكوفيد - 19.
ويعتمد الخليج الغني بالنفط على ملايين الأجانب ومعظمهم من الهند وباكستان ونيبال وسريلانكا، ويعيش الكثير منهم في مقرّات ومخيّمات بعيدة عن ناطحات السحاب والمراكز التجارية التي تشتهر بها المنطقة.
لكن الانتشار السريع لكوفيد - 19 إلى جانب تراجع الاقتصادات المتأثّرة بانهيار أسعار النفط ترك العديد من العمال وبينهم مرضى من دون عمل أو راتب ليرسلوه إلى عائلاتهم في وقت تؤكد دولهم أنها غير قادرة على استقبالهم لأسباب أمنية ولوجستية.
وعلى الرغم من حظر التجول الصارم المعمول به منذ أسابيع، فإن دول الخليج التي تضم أكبر عدد من العمال الأجانب وهي السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر، لا تزال تبلّغ عن أعداد متزايدة من حالات الإصابة بالفايروس.
وتقول الرياض إن الأجانب يمثّلون 70 إلى 80 بالمئة من الإصابات المسجّلة فيها وعددها 14 ألفا و390.
وفي محاولة للحد من معدّلات الإصابة، تم نقل العمال في مدن الخليج إلى مساكن مؤقتة، في حين أقامت السلطات مراكز فحص جماعية بينما تحلّق الطائرات دون طيار فوق المناطق التي تكتظ بالعمال لحثّهم وبعدة لغات على عدم التجمّع.
وسعت الإمارات الى بذل جهود كبيرة لمواجهة تفشي الوباء بين العمال والمقيمين والمواطنين على حد سواء وذلك بمضاعفة جهود التعقيم والتباعد الاجتماعي.
وكانت الإمارات هي أكثر من طالب علنا حكومات الدول التي يتحدّر منها العمّال بالمساعدة على إعادتهم إلى بلدانهم بعدما أصبح الكثير منهم من دون عمل وأجر وسط توقّف شبه تام في الحركة التجارية بسبب إجراءات الحد من انتشار الفايروس.
وقال مسؤولون إنه بحلول تاريخ 20 ابريل، أُعيد نحو 22900 مواطن أجنبي على متن 127 رحلة جوية من مطارات مغلقة.
لكن الهند التي يعيش نحو 3.2 ملايين من مواطنيها في الإمارات وحدها، اعتبرت أن إعادة ملايين المواطنين وحجرهم سيكون كابوسا أمنيا ولوجستيا.
وقال وزير الخارجية في بنغلادش أبو الكلام عبد المنعم إن بلاده وافقت وإن على مضض على استعادة آلاف من مواطنيها لتجنّب إجراءات عقابية قد تتّخذها دول الخليج بحقّها في المستقبل.
وأوضح وكالة فرانس برس “إذا لم نعدهم إلى منازلهم (…) فلن يقوموا (دول الخليج) بتوفير وظائف لمواطنينا بمجرد تحسن الوضع”.
وأضاف أن آلاف العمّال الذي لا يملكون أوراق عمل سارية ومئات السجناء سيعودون على مراحل على متن طائرات وبينها رحلة أقلعت من السعودية الأسبوع الماضي.
وسمحت باكستان بمواصلة عمليات الترحيل لكنّها حذّرت من صعوبات بسبب افتقار مطاراتها إلى مرافق الاختبار والحجر الصحي.
ودفع ذلك دبلوماسييها في دبي إلى مناشدة الباكستانيين عدم الذهاب إلى القنصلية، بعدما تجمّع عدد كبير من الراغبين بالعودة إلى وطننهم للمطالبة بمقاعد على متن الرحلات الجوية المحدودة العدد.
والأسبوع الماضي قال وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي “نحن قلقون بشأن إخواننا في الخليج. منع التنقّل وتوقّف الأعمال في الخليج جعل الكثير من الباكستانيين في الخارج بلا مصدر رزق”.
ويؤكّد متحدث باسم الإمارات إن الدولة الثرية تدين للقوى العاملة المغتربة بالامتنان الكبير، مشدّدا على انها تقدّم الرعاية الطبية وتوفّر الطعام والسكن وتسهّل وضع من لديهم تأشيرات منتهية الصلاحية ، كما أنها ترعى عائلات المتوفين جراء الفايروس.
وعلى عكس الاجراءات التي اتخذتها الإمارات لتأمين عودة العمال الأجانب، كشفت منظمات حقوقية، أن قطر الدولة الخليجية التي تواجه انتقادات بسبب ظروف العمال الأجانب لديها، تُعرض ظروف أماكن تواجد العمال المهاجرين الذين لا يتمتعون بفرص الرعاية الصحية والغذاء للخطر أكثر من غيرهم.
ويعد سجل قطر في انتهاكات حقوق الإنسان حافلا حيث تدين العديد من التقارير الوضع الذي يوصف بـ”المزري” للعمال الوافدين.
وإلى جانب إدانة قطر بسبب عدم توفيرها لضمانات صحية لهؤلاء فإن الدوحة متهمة كذلك من قبل منظمات حقوقية بالإبقاء على مساكن مكتظة يعيش فيها المهاجرون وأماكن العمل التي يصعب فيها إتباع تدابير التباعد الاجتماعي.
ونشرت مجلة فورين بوليسي الأميركية مؤخرا تقريرا يرصد وضعية العمال الأجانب في قطر ويسلط الضوء على حالتهم مع انتشار كورونا.
ويشير التقرير إلى تواجد أكثر من مليوني عامل مهاجر في قطر، وهو رقم قياسي نظرا لأن إجمالي عدد سكان الدولة يبلغ 2.6 مليون نسمة. وفي السنوات الأخيرة، تضاعف عدد العمال الأجانب في الإمارة حيث شهدت البلاد طفرة بناء قبل كأس العالم 2022، الذي تقرر تنظيمه هناك.
ترى روثنا بيغوم الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش أنّ الوباء كشف بوضوح عن مشكلة تتعلّق بالعمال المهاجرين الذين يعيشون ويعملون في ظروف تجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.
وقالت لوكالة فرانس برس إنّ محاولات دول الخليج الحد من الفايروس تسبّبت في المزيد من المصاعب وسط حد من التحرّك في بعض هذه الدول ترك كثيرين من دون غذاء، ما دفع بالعديد من المنظمات الخيرية للتدخل لمساعدة الحكومات على الوصول إلى كافة المتأثّرين بهذا الوضع.
وأوضحت “علاوة على ذلك، يتم وضع العمال الذين لا يزالون مجبرين على العمل في حافلات يصعب التباعد الاجتماعي فيها، ويتم إرسالهم إلى مواقع (…) قد لا تتوفّر فيها معدات الحماية ووسائل الصرف الصحي بشكل كاف” في بعض الدول.
ويواجه ملايين العمّال مستقبلاً غامضا بينما تخوض الدول المستضيفة والحكومات نقاشا حول مسألة إعادتهم من عدمه.
وقال عامل مصري في مدينة الكويت احتُجز في معسكر خصّص لمخالفي قوانين الهجرة انه كان يريد العودة إلى بلده “قبل رمضان، ولا أملك أي مال ولا أريد قضاء المزيد من الوقت هنا”.
وبالنسبة إلى الباكستاني جاويد باريش، فإنّ كل ما يريده حاليا هو العودة أيضا.
وقال العامل الذي يؤكّد انّه لم يتلق راتبه منذ أشهر “أريد فقط أن أعود إلى المنزل لأرى أسرتي. ستموت عائلتي من الجوع لأنني غير قادر على إرسال أموال”.