تستّر تونس عن حيثيات التنسيق الإقليمي مع تركيا يثير جدلا

يعمّق الغموض الذي يكتنف التنسيق التونسي التركي بشأن الملفات الإقليمية المخاوف بشأن الضغوط التي يمكن أن تمارسها أنقرة لاصطفاف تونس خلف أجندتها خاصة في ليبيا وانعكاسات ذلك على الأمن في المنطقة. ورغم نفي الرئيس التونسي قيس سعيد مرارا رضوخه للأجندات الخارجية، إلا أن التستّر عن حيثيات التنسيق يثير شكوكا.
تونس – أثار الاتصال الهاتفي بين وزير الدفاع التونسي عماد الحزقي، ونظيره التركي خلوصي أكار، تساؤلات حول توقيته وأبعاده على الصعيدين الداخلي التونسي والإقليمي، ارتباطا بتطورات الملف الليبي، لاسيما في هذه الفترة التي أصبح فيها الدور التركي لا يخلو من التحدي والاستفزاز بحسابات لا تأخذ بعين الاعتبار تداعيات ذلك على أمن واستقرار المنطقة.
وألقى توقيت هذا الاتصال الهاتفي والغموض الذي أحاط به، بثقلهما على القلق المشروع الذي رافق تلك التساؤلات، ومنحاه عناوين بأبعاد سياسية وأخرى أمنية، خاصة وأنه جاء على وقع المشهد المُتفجر في غرب ليبيا، واستمرار تركيا في تجميع الأوراق التي تظنها فاعلة للضغط على تونس للانخراط في مشاريع أجنداتها المشبوهة.
وذكرت وكالة الأنباء التركية الأناضول في برقية لها أن وزير الدفاع التركي أجرى اتصالا هاتفيا مع نظيره التونسي “بشأن التعاون بين البلدين في مكافحة فايروس كورونا”.
ونقلت عن بيان لوزارة الدفاع التركية نشرته الثلاثاء أن وزيري الدفاع التركي والتونسي “أكدا خلال اتصال هاتفي على أهمية التعاون بين البلدين في مواجهة جائحة كورونا”، لافتة في نفس الوقت إلى أن الوزيرين “تناولا أيضا العلاقات الثنائية بين البلدين، والتطورات الأخيرة إزاء عدد من القضايا الإقليمية”.
ولم تُقدم وكالة الأنباء التركية المزيد من التفاصيل حول هذا الاتصال الهاتفي، فيما لم يصدر أي بيان بشأنه من الجانب التونسي، الأمر الذي عمق الشكوك حول الدوافع الحقيقية وراء هذا الاتصال الذي بدت أهدافه مبهمة وغامضة، خاصة وأن مهمة التنسيق بين البلدين لمجابهة جائحة كورونا ليست من صلاحيات وزيري الدفاع وإنما تعود بالأساس إلى وزيري الصحة.
ويرى مراقبون أن تلك الشكوك تُحيل إلى مخاطر مُتعددة يمكن لمس مؤشراتها من خلال الوضع المُضطرب أمنيا في ليبيا الذي بدأ ينتقل بسرعة نحو الغرب غير بعيد عن الحدود التونسية على وقع تجاذبات حادة عكستها عملية الاقتحام الاستعراضية التي استهدفت المعبر الحدودي التونسي رأس جدير، على مرأى ومسمع الميليشيات الليبية المدعومة من تركيا.
واعتبر القيادي في حزب التيار الشعبي التونسي محسن النابتي أن “كل ما له علاقة بتركيا بات يُثير الشكوك والريبة نظرا للتعاطي الغامض والمُرتبك للمسؤولين التونسيين، وتضارب المعطيات بين ما يُنشر عن هذه الاتصالات في تركيا وتونس”.
وقال النابتي لـ”العرب” إن هذه الاتصالات لا تخرج عن دائرة التدخل التركي في المنطقة، ومحاولة فرض الأجندة التركية على تونس في ظل ارتباك السياسة الخارجية التونسية في علاقة بالملفات المشتركة مع أنقرة وخاصة منها الملف الليبي والسوري، حيث يفرض حلفاء تركيا منهم حركة النهضة الإخوانية”.
وتساءل القيادي في التيار الشعبي “كيف يجري اتصال هاتفي بين وزيري الدفاع التونسي والتركي يتم كشفه عبر الإعلام التركي، ولا يتم إخطار الإعلام التونسي به؟”، مشددا على أن تونس “مُطالبة اليوم بتوضيح حدود تعاونها مع تركيا في الملفات الإقليمية لأن استمرار هذا الوضع المُريب يشكل خطرا على مصالح تونس الإقليمية وعلاقاتها خاصة في الوطن العربي”.
وربط متابعون للشأن التونسي الاتصال الهاتفي الغامض بين وزيري دفاع تونس وتركيا، بالتطورات الجارية في ليبيا، لاسيما وأنه ترافق مع اتصال هاتفي بين وزير الخارجية التونسي نورالدين الري، ووزير خارجية حكومة الوفاق الليبية محمد الطاهر سيالة، تم الإعلان عنه في طرابلس، بينما تكتمت عنه الخارجية التونسية.
ووصف النابتي الموقف التونسي تُجاه الملف الليبي بـ”المُريب”، وذلك منذ الإعلان عن الاتفاقية العسكرية والأمنية بين تركيا وحكومة السراج، بالإضافة إلى زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس وما رافقها من جدل، دون أن يستبعد أن يكون الاتصال الهاتفي له علاقة “بتفجر الأوضاع في غرب ليبيا جراء الدعم التركي للميليشيات، وأزمة التونسيين العالقين في ليبيا، والتخوفات التونسية من تسرب الإرهابيين إليها”.
وتبدو هذه العناوين بصياغاتها الناتجة عن المُتغيرات في المنطقة، مُرتبطة بقراءة لحقيقة استهدافات تركيا التي تسعى جاهدة، عبر مسارات مُختلفة، للاستفادة من أجواء التوتر في المنطقة لفرض أجندتها، حيث تجاوز سلوكها الأزمة في ليبيا إلى محاولة توظيفها للضغط على دول الجوار، وخاصة منها تونس التي تبدو خاصرتها هشة، الأمر الذي أربك كافة الأطراف المعنية بهذا الملف الشائك والمُعقد.
وتصر تركيا على ألا تترك مناسبة أو فرصة تمر دون استغلالها ميدانيا لجهة تعزيز نفوذها في المنطقة، بما يدعم مرتزقتها من الإرهابيين في ليبيا، خاصة في هذه الفترة التي تسارعت فيها التطورات العسكرية في المنطقة الغربية بعد فشل الهجمات المُتكررة لميليشيات حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج على قاعدة الوطية العسكرية.
