الأناضول تخرج عن مواربتها السابقة: الكراغلة أتراك مصراتة وحماة طرابلس

تركيا تعترف على نفسها وتقر بالاتهامات الموجهة إليها بدعم الميليشيات وإدامة الحرب وتقسيم الليبيين.
الجمعة 2020/04/10
تركيا تنفخ في نيران الحرب الأهلية

تعمل أنقرة من خلال تركيزها على الجماعات التي تسميها بأتراك مصراتة إلى زرع الفتن والانقسامات بين أبناء المجتمع الليبي، ونزع الصفة الوطنية عنهم بإرجاعهم إلى الأصول التركية التي تقوم بتضخيمها كي تطغى على الانتماء الوطنيّ الليبيّ تمهيدا لإلغائه، بما يناسب مصالحها.

إسطنبول – خرجت وكالة أنباء الأناضول عن مواربتها السابقة بتقرير مباشر وصريح يقول: الكراغلة أتراك مصراتة وحماة طرابلس. على غير الهدف المراد منه، عكست لهجة التقرير ومفرداته حالة فزع تركية بعد أن تم تضييق الخناق على الألاعيب التركية في ليبيا، إثر تقدم الجيش الوطني الليبي وبعد التضييق الأوروبي على إمدادات الأسلحة لحكومة الوفاق.

ادعى التقرير أنّ “مقاومة” مَن تمت تسميتهم بأتراك مصراتة ساهمت بإيقاف الهجوم الذي شنه الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على طرابلس من أجل تحريرها من الميليشيات المتشددة التابعة لحكومة الوفاق الليبية.

وزعمت تركيا أنّه عندما بدأ الجيش الوطني الهجوم قبل عام للسيطرة على طرابلس، عملت الميليشيات المتطرفة التي تطلق عليها اسم كتائب مصراتة في جنوب طرابلس، على الاتحاد مع الميليشيات المتشددة الأخرى ضده تحت مظلة عملية “بركان الغضب”، وهي العملية التي أطلقتها حكومة الوفاق ردا على التقدم الذي حققته عملية طوفان الكرامة التي أطلقها الجيش قبل سنة لتحرير طرابلس من سيطرة الميليشيات واستعادتها عاصمة جامعة لكل الليبيين.

وقالت الأناضول إن “الميليشيات المنضوية تحت عملية بركان الغضب، عملت على تطوير إستراتيجية ضد الجيش الوطني، وإنّ أتراك ليبيا (الكراغلة)، الذين يتركزون في مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس)، قاموا بإظهار مقاومة فعالة والسيطرة على مدينة غريان (100 كلم جنوب طرابلس)، التي تعتبر منفذا باتجاه العاصمة، ومركز عمليات رئيس للسيطرة عليها”.

وهنا، يبدو وكأن تركيا تعترف على نفسها وتقر بالاتهامات الموجهة إليها بدعم الميليشيات والعمل على إدامة الحرب وتقسيم الليبيين عبر النبش في الماضي واستدعاء تاريخ غابر نسيه الليبيون ولا يعرف أغلبهم تفاصيله.

تنبش تركيا الجذور التاريخية للقبائل الليبية، وتقول إن مصراتة التي يسكنها ليبيون من أصل تركي هي سبب رئيسي في منع تقدم الجيش الوطني تجاه العاصمة طرابلس، وهي تعلم هنا أهمية الدور القبلي كما أهمية الانتماء للقبيلة وللوطن. ونزل مراقبون تقرير الأناضول ضمن خطاب التحريض الذي يمكن أن يتسبب في إثارة البلاد أكثر خاصة مع الأخذ بالاعتبار خصوصية المجتمع الليبي، كما أن هناك جانبا من عشائر الكراغلة من عبر عن دعمه للجيش الوطني الليبي. وأصدروا بيانا أدان ما قاله أردوغان بحقهم، وأعلنوا أنهم “موالون لليبيا، وليس تركيا”. وتحدثت مجموعة من قادة القبائل التي وصفت أردوغان بـِ”الطمّاع” قائلين “نحن نقف إلى جانب جيشنا ضد الإرهابيين”.

ويشير الكاتب المصري المتخصص في الشأن التركي محمد طعيمة إلى أن أنصار أنقرة عطّلوا استعادة مؤسسات الدولة الليبية، ممهّدين لغزو عسكري تركي، بذريعة قبرص ذاتها.. حماية الأقلية ذات الأصول التركية، وهو ما تعهد به أردوغان صراحة.

وليست المرة الأولى التي تأتي فيها تركيا على ذكر الكراغلة، فقد سبق أن خصّهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بخطاب في البرلمان التركي في شهر يناير الماضي، قال فيه “في ليبيا ثمة أخوة لنا من العرب ضد حفتر الذي يريد القضاء عليهم. ومن يستهدفهم حفتر في هذا البلد إخوتنا أحفاد بربروس (خيرالدين بربروس) وتورغوت رئيس (الأميرال العثماني فاتح طرابلس الغرب).

تدخلات أردوغان السافرة أحدثت المزيد من الاضطرابات
أردوغان يزرع الفتن والانقسامات بين الليبيين

وبخطابه الموغل في القدم والذي يعكس مساعيه لاستغلال الليبيين من أصول تركية، كما حدث في العراق وسوريا مع التركمان، وفي مناطق أخرى، قال أردوغان “إن ليبيا كانت لعصور طويلة جزءا هاما من الدولة العثمانية.. ثمة روابط تاريخية وإنسانية واجتماعية تربطنا مع ليبيا والليبيين. لأجل هذا لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي حيال ما يجري هناك”.

وكررت الأناضول ذات الخطاب نازعة الهوية الليبية عن المقاتلين الذين اصطفوا مع حكومة الوفاق وحليفتها تركيا ضد الجيش الوطني. وبحسب الأناضول، فإن الأتراك الذين جاءت بهم الدولة العثمانية، حين احتلت تركيا في السنوات التي تلت 1551، من الأناضول، استقروا في ليبيا على طول ساحل البحر المتوسط يشار إليهم في المصادر العربية باسم “تركمان ليبيا” و”قول أوغلو” (ومنها اشتقت كلمة كورغولي وجمعها كراغلة).

وذهب في ذات السياق المحلل السياسي التركي محمد عبيدالله، لافتا إلى أن تركيا تستغل امتداداتها التركمانية في دول المنطقة، وعلى رأسها العراق وسوريا وليبيا، لصناعة قوة ونفوذ لها. وأكد عبيدالله المقيم في القاهرة، أن نظام أردوغان اقتدى في ذلك بشقيقه النظام الإيراني الذي يسعى إلى التوغل في دول المنطقة عبر الطائفة الشيعية أو جماعات الإسلام السياسي، وكما أن التدخلات الإيرانية أحدثت المزيد من الاضطرابات في المنطقة وزادت مشاكل دولها بسبب تلك الأذرع الشيعية، كذلك فإن تدخلات أردوغان السافرة وبشكل مخالف للقانونين المحلي والدولي والتي تبدو مماثلة لطهران تؤدي إلى النتائج ذاتها.

وتعمل أنقرة على تعزيز نفوذ أتباعها والموالين لها في ليبيا، وتسند إليهم مهام في حكومة الوفاق التابعة لها، ويعتبر وزير الداخلية فتحي باشاغا، أحد أهم ممثلي أتراك مصراتة في الحكومة. كما تعمل على تهيئة باشاغا ليكون بديلا عن فايز السراج في المرحلة المقبلة.

وتشير الكاتبة في موقع أحوال تركية دجلة إشوك إلى أن الكراغلة، وهي كلمة يتلفظ أردوغان اسمها خطأ على نحو “أتراك كور أوغلو” أصبحوا حديث الساعة عقب قرار تركيا إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا؛ فيما تؤكد المحللة السياسية سارة رشاد أن تركيا سعت لاستقطاب عشائر “كول أوغلو” منذ بداية ما يُسمّى “الربيع العربي”.

وقالت رشاد إن السياسيين الليبيين يرون أن دور الكراغلة في أحداث 2011 لم يكن من قبيل الصدفة، وتقول “إن تركيا حشدت هذه المجموعات من أجل الإطاحة بالقذافي وتنفيذ مشروعها للسيطرة على ليبيا”. ووصفت أسلوب أنقرة باللعب بورقة ليبيا التركية الأصل لتبرير تدخلها في ليبيا بأنه “خدعة قديمة”.

وتلفت رشاد إلى تأسيس جمعية “كول أوغلو” الليبية والتي تأسست عام 2015 وهدفها هو إحياء التراث العثماني في شمال أفريقيا، وتقول إن “هذه الجمعية قوضت استقرار المجتمع الليبي، حتى أنها أرادت منح الجنسية التركية لأفراد كول أوغلو المقيمين في ليبيا”.

وتوزع الجمعية منشورات تتغنى “بعظمة الحكم العثماني في ليبيا”، مدعية أن “ليبيا تحت الحكم العثماني كانت لديها جيوش برية وبحرية قوية”، ومع أن الليبيين لم يهتموا كثيرا من قبل بالتلميحات وحديث أردوغان أن تركيا تحمي الكراغلة إلا أن تقرير الأناضول وفق المراقبين يعد تحريضيا وقد يفتح جراحا أخرى في ليبيا.

أنقرة تعمل على تعزيز نفوذ أتباعها والموالين لها في ليبيا
أنقرة تعمل على تعزيز نفوذ أتباعها والموالين لها في ليبيا

 

6