العزلة حالة طوارئ اجتماعية فرضها فايروس كورونا

تخفيف تفشي الفايروس يتطلب مقدارا كبيرا من الكساد الاجتماعي.
السبت 2020/03/21
كلما طالت مدة العزلة، كان لها تأثير سلبي أكبر

استطاعت إجراءات العزل المنزلي الصارمة أن تحدث تراجعا ملموسا في عدد الوفيات والإصابات الجديدة، لكن يبدو أن الحجر المنزلي لا يخلو بدوره من الآثار الجانبية، حتى وإن كان ذلك على مستوى العلاقات الاجتماعية.

تونس - يسخر التونسيون من أن بعض تطبيق حظر التجول الذي أعلنه الرئيس التونسي قيس سعيد بداية من الأربعاء الماضي سيزيد عددهم مليونا على الأقل. وللتونسيين تجربة مع حظر التجول، فقبل عامين قال وزير التربية التونسي آنذاك حاتم بن سالم إن حظر التجول الذي رافق أحداث الثورة تسبب في زيادة المواليد والتلاميذ الجدد.

وتطلق وسائل الإعلام في تونس لقب “جيل الثورة” أو “جيل 14 يناير” على الوافدين الجدد بالمدارس الابتدائية بين عامي 2017 و2018، نسبة إلى تاريخ سقوط حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، غداة انتفاضة شعبية قبل تسع سنوات.

وقال الوزير “شهد عدد التلاميذ عام 2017 زيادة بـ25 ألف تلميذ، أما عام 2018 فتفاجأنا بزيادة 42 ألفا، وهي زيادة غير متوقعة ولم تدخل في مخططاتنا”. وتابع “فسر الخبراء هذه الزيادة بليالي حظر التجول التي أعقبت يوم 14 يناير 2011، لكن إذا استمرت هذه الزيادة بنفس النسق، فإن عدد التلاميذ سيبلغ ثلاثة ملايين بعد عشر سنوات، مقارنة بمليونين ومئة ألف عام 2018، وهذا يمثل خطرا على مستقبل النظام التربوي في تونس”.

ودعا بن سالم اليوم إلى ضرورة العودة إلى تطبيق سياسة تحديد النسل للحيلولة دون زيادات ديموغرافية مفاجئة في السنوات المقبلة.

القلق يسيطر على الناس نتيجة تسارع وتيرة انتشار الفايروس، حيث بات العزل المنزلي طريقة لا بد منها لتجنب الإصابة

وإعلان حظر التجول من الساعة السادسة مساء إلى السادسة صباحا هو تشديد للإجراءات التي تتخذها تونس على غرار بقية دول العالم لمواجهة انتشار فايروس كورونا.

وعلى غرار تونس، أدى تفشي وباء كورونا إلى اتخاذ إجراءات غير مسبوقة في جميع أنحاء العالم كمحاولة للحد من انتشار الفايروس، فبالإضافة إلى إيقاف السفر بين البلدان، تحاول بعض الحكومات تقييد حركة الناس داخل حدود بلدانها الخاصة أيضاً ومنع الاختلاط بين الناس في الأماكن العامة. وحوّل انتشار الوباء مدنا ارتبط اسمها بالجمال والتاريخ والمناظر الخلابة، إلى شوارع فارغة، حيث أغلقت المتاجر وخلت البلاد من السياح ومن سكان البلد أنفسهم.

وهددت بعض الدول بفرض عقوبات صارمة بحق من يخالف القواعد، بهدف الحد من انتشار المرض.

وأعلنت السلطات الإماراتية على غرار بلدان كثيرة  فرض الحجر المنزلي لمدة 14 يوما على كل شخص قادم إلى الإمارات. وقال النائب العام الإماراتي المستشار حمد سيف الشامسي “إن مخالفة التعليمات، والإجراءات الصادرة من الجهات المختصة في الدولة للحد من انتشار فايروس كورونا باعتباره أحد الامراض السارية، يعد جريمة معاقبا عليها طبقا لقوانين الدولة”، وفقا لوكالة الأنباء الإمارات.

وأعلنت السعودية فرض غرامات تصل إلى 133 ألف دولار على من يخفون تفاصيل سفرهم عند دخولهم البلاد أو إعطاء معلومات غير صحيحة فيما يتعلق بصحتهم.

التباعد الاجتماعي

الكساد الاجتماعي يزيد من المخاطر على الصحة النفسية للانسان
الكساد الاجتماعي خطر على الصحة النفسية للإنسان

يقول خبراء إن هناك أمرا واحدا بسيطا للغاية يمكننا القيام به والذي يعتبر مفيدا هو التباعد الاجتماعي.

وفي الوقت الراهن، لا يتمحور السؤال الذي يطرحه السياسيون على أنفسهم حول ما إذا كان يتعيّن عليهم اتخاذ إجراءات أم لا، بل حول الإجراء المناسب الذي يجب اتخاذه. توجد العديد من المراحل للسيطرة على هذا الوباء، تبدأ بالترقب وتنتهي باجتثاث الوباء. ولكن فات الأوان بالنسبة لأغلب الخيارات اليوم. وبهذا المستوى من الحالات، لم يبق أمام السياسيين سوى خيارين، وهما احتواء الوباء والتخفيف من انتشاره.

يتمثل الاحتواء في تحديد جميع الحالات والتحكم فيها وعزلها.

ويتطلب التخفيف من تفشي الفايروس قدرا كبيرا من التباعد الاجتماعي. ينبغي على الأشخاص التوقف عن الخروج من المنزل لخفض معدل انتقال هذا الفايروس.

تتطلب هذه الإجراءات إغلاق الشركات والمحلات التجارية والنقل الجماعي والمدارس وفرض الحجر الصحي… وكلما كان وضعك سيئا، كان التباعد الاجتماعي أسوأ. وكلما فرضت إجراءات صارمة في وقت مبكر، قلّ الوقت الذي تحتاجه للعمل بها، وكان من الأسهل تحديد الحالات المصابة، وقلّ عدد الأشخاص المصابين.

ويشير الإجماع العلمي في الوقت الراهن إلى أن هذا الفايروس يمكن أن ينتشر في حدود مترين (6 أقدام).

ويعدّ التباعد الاجتماعي حقا الطريقة المثلى لتقليل انتشار العدوى، وذلك بإبقاء الناس في المنزل لأطول فترة ممكنة حتى تتم السيطرة على الوضع. وقد ثبتت فعالية ذلك بالفعل في الماضي، خلال جائحة الإنفلونزا الإسبانية لسنة 1918.

في ظل انتشار الفايروس، يعتبر فرض حجر منزلي على جميع المناطق المتضررة هو الإجراء الوحيد للحد من انتشار الوباء في الحال. وإجراءات العزل المنزلي سوف تبطئ انتشار الفايروس، وستخفض معدل انتقال العدوى من 2.5 إلى 2.2 وربما إلى 2. ولكنها غير كافية لتحقيق معدل أقل من واحد لفترة زمنية طويلة كافية لإيقاف الوباء.

ويسيطر القلق على الكثير من الناس نتيجة تسارع وتيرة انتشار فايروس كورونا المستجد حول العالم، حيث بات العزل المنزلي طريقة لا بد منها لتجنب الإصابة به.

ودعت السلطات الأفراد إلى تجنب التجمعات إلا في الحالات الضرورية والتزام المنازل والحرص على النظافة، وفرضت البلدان التي تبدو عاجزة أمام المرض مثل إيطاليا التي تسجل العشرات وأحيانا المئات من الوفيات يوميا منذ مطلع الشهر الجاري، إجراءات صارمة تحظر على المواطنين مغادرة منازلهم في إطار استراتيجية “تسطيح المنحنى” أي إبطاء العدوى دون السعي إلى وقفها وبالتالي توزيع الموارد الصحية بدل إنهاكها.

ولا يمنع الحجر المنزلي انتشار الفايروس، لكنه يساعد في توزيع عدد الحالات على فترة زمنية أطول، ما يجعله مهما بالنسبة لتوزيع الموارد الصحية وتقديم الرعاية الطبية لمن يحتاجون إليها.

ويحد الحجر المنزلي من التحديات التي قد تواجهها المستشفيات والسلطات الصحية وسيحول دون تردي الأوضاع كي لا يصل الأطباء إلى موقف يضطرون فيه إلى الاختيار بين من يموت ومن يعيش بناء على احتمالات نجاتهم، وهو ما يحدث الآن في إيطاليا.

تغيير أنماط الحياة

تغيير في العادات
تغيير في العادات

يعني العزل المنزلي تغيير أنماط الحياة الاجتماعية وله تبعات سلبية بحسب البعض، إذ قد يؤدي إلى انهيار التواصل الاجتماعي، خصوصا بالنسبة للأفراد الأكثر تهديدا بالعزلة والوحدة، بينهم المسنون وذوو الاحتياجات الخاصة أو من يعانون من أمراض.

وتعد العزلة والوحدة من المشاكل الصحية أيضا. وقالت الأخصائية في أمراض الشيخوخة بجامعة جونز هوبكنز، سينثيا بويد، لموقع “فوكس” الأميركي “أمي وأبي يعيشان في منطقة قريبة مني الآن. لكنني لن أقوم بزيارتهما كما هي العادة مع أحفادهما”، منعا لنقل أي فايروسات.

بويد شاركت في إعداد تقرير كبير للأكاديميات الوطنية للعلوم حول عواقب العزلة الاجتماعية والوحدة على كبار السن، توصل فيه الباحثون إلى أنه حتى قبل فايروس كورونا، كانت عبارة العزلة الاجتماعية تنطبق على حوالي ربع كبار السن، وقال 41 في المئة منهم إنهم يشعرون بالوحدة.

ويمكن للفرد أن يكون منعزلا اجتماعيا من دون أن يكشف عن شعوره بالوحدة، كما يمكن أن يكون وحيدا دون أن يكون منعزلا اجتماعيا. إلا أن الحالتين من شأنهما التأثير سلبا على الصحة العقلية والجسدية.

وتوصل التقرير إلى أن “العزلة الاجتماعية مرتبطة بزيادة كبيرة في خطر الوفاة المبكرة بمختلف الأسباب” بما في ذلك “خطر الإصابة بالخرف بنسبة 50 في المئة”.

وتزيد العزلة الاجتماعية من خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة 29 في المئة، وخطر الموت بالسرطان بنسبة 25 في المئة، واحتمال التراجع الوظيفي بنسبة 59 في المئة، وخطر الإصابة بسكتة دماغية بنسبة 32 في المئة.

واطلع الباحثون على العشرات من الدراسات وتوصلوا إلى علاقة ثابتة بين العزل الاجتماعي والاكتئاب والقلق والتفكير في الانتحار.

وتقول كارلا بريسينوتو، الرئيسة المساعدة لبرامج طب الشيخوخة في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، والتي ساهمت في التقرير المذكور، إن “الآثار الصحية للوحدة مذهلة”. وأوضحت “في أي مرحلة من مراحل العمر، فإن أكثر ما يقلقنا هو فقدان استقلاليتنا، وفقدان عقولنا، والتعرض لأزمات قلبية، وكلها تتأثر بالوحدة بشكل مستقل عن عوامل الخطر الأخرى”.

وبما أن البشر يشعرون بأمان أكبر داخل مجموعات، فإن العزلة ينظر إليها كحالة طوارئ جسدية، وفق تصريحات للجراح العام الأميركي السابق، فيفيك مورثي، لشبكة فوكس نيوز الأميركية.

محاولة لاجتناب العدوى
محاولة لاجتناب العدوى

وقال مورثي “على مدى الآلاف من السنين، أصبحت قيمة التواصل الاجتماعي مخبوزة في نظامنا العصبي بحيث أن غياب مثل هذه القوة الواقية يخلق حالة إجهاد (stress) في الجسم”.

وأضاف أن الوحدة تسبب الإجهاد، والوحدة على المدى الطويل أو الوحدة الحادة تؤدي إلى ارتفاع متكرر في هرمون كورتيزول (cortisol) وهو هرمون رئيسي مسؤول عن الإجهاد. لكن لا أحد يعلم حتى الآن ما إن كان العزل المنزلي المرتبط بالوباء العالمي، سيؤثر على الأشخاص الأكثر عرضة للخطر. ومن سيفلتون من أسوأ العواقب، ستتراجع نوعية حياتهم بشكل أو بآخر في ظل إغلاق النوادي والأنشطة الدينية والترفيهية وغيرها.

وفيما سيجلب قضاء المزيد من الوقت مع الأسرة داخل المنزل السعادة إلى كثيرين، إلا أن آخرين لن يتمتعوا بذلك، إما لأنهم لا يعملون أو لا يستطيعون مغادرة بيوتهم لوحدهم بسبب المرض أو التقدم في السن.

وتقول بريسينوتو إن ارتباط العزلة بسبب كورونا بالوحدة غير واضح الآن، “لكن كلما طالت المدة، كان لها تأثير أكبر، وسيكون من الصعب إعادة الروابط“.

ربما لا مفر من “الكساد الاجتماعي”، لأنه من التبعات التي لا يمكن تجنبها في ظل التوصيات الصحية الراهنة. لكن يمكن القيام ببعض النشاطات للتخفيف من الملل، مثل المشي في الحدائق والغابات المفتوحة، ومواصلة التواصل مع الأصدقاء والأهل باستخدام الفضاء الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي.

ومع الأسف، تعد الفئة الأضعف في الوقت الراهن، وهي فئة المسنين، أقل استخداما للتكنولوجيا والأجهزة الذكية. لكن أكثر المتضررين هم الأشخاص الذين ليست لديهم شبكات قوية من الأصدقاء والأقارب.

20