الجدال يطيل الحياة الزوجية

يؤكد علماء النفس أن الخلافات بين الزوجين يمكن أن توطد العلاقة العاطفية بينهما خاصة إذا حظيا بفرصة للتصالح بشكل عاطفي ورومانسي، وهو أيضا ما تؤكده الدراسات الحديثة التي تشير إلى أن الأزواج الأكثر جدلا يحظون بعلاقات أفضل من الأزواج الأكثر تفاهما.
واشنطن - لا تعد المحاولات المتواصلة لتجنب الخلاف بين الزوجين طريقة جيدة لبناء علاقة مستمرة، ولا يعتبر هذا السلوك دليلا على النضج وفق ما يؤكده علماء النفس.
ويشير المختصون في علم النفس إلى أن بناء مزيد من الثقة بين الزوجين يستوجب عدم التزام الصمت، وينصحون بالحرص على فتح المجال للتواصل والجدال، شرط أن يكون الجدال إيجابيا يأخذ بعين الاعتبار جملة من المبادئ مثل الاحترام والاعتذار عند الضرورة.
ووفقا لاستطلاعات رأي أجريت في الولايات المتحدة، يعتقد 44 في المئة من المتزوجين أن الشجار أكثر من مرة خلال الأسبوع يساعدهم على ضمان علاقة صحية ومثمرة لفترة طويلة. ويقرون بأن فرص استمرار العلاقة بين الزوجين اللذين يتجادلان باستمرار ترتفع لكن شريطة أن يكون الجدال مبنيا على أسلوب سلمي.
وفي دراسة أميركية نشرت بالمجلة الطبية “ميدسين بسيكوزوماتيك أوف جورنال” تبين أن الأزواج الذين يتبادلون الجدال يعانون بصورة أقل من مخاطر الإصابة بالأمراض والموت المبكر، لكن شريطة أن يكون التعبير عن الغضب من الجانبين وليس من طرف واحد.
وفي تقرير نشره موقع برايت سايد الأميركي، أكدت الكاتبة إيكاترينا راغوزينا، أن الشجار بين الأزواج من حين إلى آخر مفيد.
وقالت راغوزينا إن التغاضي عن بعض عادات الشريك التي تؤرق الطرف الآخر من شأنه أن يسهل الأمر، مشيرة إلى أن الاستعداد لتحمل الألم والمشقة الناجمين عن خوض نقاش حاد مع الطرف الآخر بهدف الحفاظ على سلامة العلاقة وصحتها، دليل على صدق المشاعر.
وأضافت أن الشجار يعكس القدرة العالية للطرفين على الالتزام، وأن تجاوزهما للمشاكل التي تنجر عن ذلك الشجار دليل على أنهما يريدان استمرار العلاقة.
الخلافات لا تنتهي حتى بعد عدة سنوات، ولا يعد ذلك أمرا سلبيا، بل قد تقود الصراعات البناءة إلى الحفاظ على شرارة العاطفة بين الزوجين
ويعتبر علماء النفس والاجتماع أن الخلافات الزوجية أمر وارد في العام الأول من الزواج، حيث يبدأ كل من الزوجين في هذا العام في التعرف على شخصية الآخر تعرفا كاملا ومفتوحا بلا تغيير أو تظاهر.
وأكدت دراسة أجريت في سويسرا أهمية الخلافات الزوجية في استمرار العلاقة بين الزوجين، وأوضحت أن الخلافات الزوجية لها فوائد، لأنها فرصة حقيقية يتعرف من خلالها كل من الزوجين على ما يغضب الطرف الآخر ويزعجه، وهو ما أكدته أيضا الدكتورة سامية الجندي أستاذة علم النفس بالجامعة المصرية.
وتقول الجندي “بالفعل المشكلات لها بعض الفوائد، فمن خلالها يتعرف كل طرف على ما يغضب أو يفرح الطرف الآخر ويتلمس طباعه على أرض الواقع بل ويعرف أخطاء نفسه فيحاول إصلاحها وتعديل مسارها”.
وتضيف “يستطيع كلا الزوجين أن يتعرف على أفكار شريكه وطموحاته وتطلعاته فيتقاسم معه تلك التطلعات والآمال وبذلك تمتد جسور التواصل بين الطرفين”.
وإضافة إلى أن علماء النفس يقرون بوجود سبعة عوامل أساسية وضرورية لتحقيق علاقة صحية وسعيدة، ويصنفون الجدال من أهمها، فإن بعض الأطباء يشيرون إلى أن الجدال المتكرر يرفع مستوى الهرمونات لدى الأزواج وهو ما يجعلهم متحمسين لخوض التجربة. كما يدركون جيدا أن الشجار مجرد علامة على العاطفة القوية بينهما، حيث من المحتمل مع نهاية الخلاف أن يحظيا بفرصة للتصالح بشكل عاطفي ورومانسي مما يوطد محبتهما.
ويرى المختصون في الشأن الأسري أن الجدال يساعد الزوجين على إعادة تقييم مشاعرهما وإعادة النظر في القيم المشتركة التي تجمع بينهما، وذلك عبر مناقشة الأمور المهمة بالنسبة لكليهما ومعالجتها، لافتين إلى أنه لا بد لهذه النقاشات من أن تكون سلمية.
كما يعتبرون أنه من غير المجدي التركيز على الطرف الرابح في الجدال، لأن الجدال ليس غاية في حد ذاته وإنما هو وسيلة لاكتشاف حقيقة الطرفين، مؤكدين أن النزاعات البسيطة تساهم في الكشف عن طبيعة شخصية كلا الطرفين، مما يجعل من السهل التعامل معها.
وينصحون بالإفصاح عن المشاعر السلبية التي تخالج كلا منهما، معتبرين أن الصمت خلال المواقف التي يتصرف فيها أحدهما بأنانية قد يؤدي إلى الشعور بالامتعاض وهو ما يولد المشاكل.
واستنادا إلى بعض الدراسات، يعد تجنب الطرف الآخر والنقاش معه من بين أكبر الأخطاء التي يرتكبها الأزواج، حيث يشعر غالبا أحد الطرفين بوجود مشكلة ما، لكنه يفضل التغاضي عن الأمر. وتؤكد نفس الدراسات أن ضعف التواصل يشكل السبب الأكثر شيوعا للانفصال.
وعلى الرغم من الاعتقاد بأن مناقشة المسائل الحساسة لن تجدي نفعا، إلا أن ذلك يتيح الفرصة لمعالجة المشاكل التي تواجه الطرفين قبل أن تتفاقم، وهو ما يؤكد حقيقة أن الأزواج الأكثر جدالا يحظون بفرصة أكبر لمواصلة حياتهم معا.
وغالبا لا تنتهي الخلافات حتى بعد تواصل العلاقة لعدة سنوات، ولا يعد ذلك أمرا سلبيا، بل قد تقود الصراعات البناءة إلى الحفاظ على شرارة العاطفة بين الطرفين وديمومة الحماس الذي يجمعهما. وهو ما أكدته مجموعة من علماء النفس في ألمانيا الذين اعتبروا أن الخلافات الجيدة بين الزوجين تساعد على استمرار الحب بينهما وأنه من المفيد للأزواج السعداء أن يتشاجروا ويختلفوا أكثر من الأزواج العاديين.
وقد أشار الباحث أرنست هاربيرج إلى أن مهمة الزوجين الرئيسية هي إعادة التواصل بعد الخلافات، وعادة لا يكون الأزواج أو الزوجات متمرسين بشكل كاف للقيام بحل المشكلات في علاقتهم الزوجية. وأوضح أن الكثير من الأزواج لا يعرفون ما هو المفتاح لحل الخلافات التي تنشأ بينهم.
وقال “كما لو أن أحدهما يكبت غضبه ويمضي فيه ويستاء من تصرف الشريك، ولا يعلم أيضا آنذاك كيف يحل الإشكال الزوجي، وهنا تنشأ المتاعب”.
وحتى تكون العلاقة العاطفية جيدة نصح هاربيرج الطرفين بأن يحصلا على فرص متكافئة، وألا يهيمن أحدهما على الآخر، وهو ما يجعل كلاهما يشعر بالطمأنينة والحب وأن لا شيء يمنعه من أن يعبر عن وجهة نظره.
وأكد أن العلاقات الجيدة تتطلب من كلا الشريكين أن يتحديا بعضهما من أجل حل خلافاتهما، وهو ما يجعل كلاهما قادرا على تقبل وجهة نظر الآخر وأن يعترف بالخطأ في أي وقت.