كورونا تشل طرابلس رئة الحراك الاحتجاجي في لبنان

انتشار كورونا يعمق من الأزمة الاقتصادية في لبنان، خصوصاً مع انصراف الجهود الرسمية إلى مكافحة انتشار الوباء.
الثلاثاء 2020/03/17
ركود غير مسبوق

طرابلس (لبنان) – على مدى أسابيع، حاول أميم مهباني جذب الزبائن إلى متجره في مدينة طرابلس في شمال لبنان عبر التنزيلات، لكنّ أمله بتحسين نسبة المبيعات المتدنية أساساً ذهب سدى، مع إعلان السلطات إقفالاً عاماً بمواجهة فايروس كورونا المستجد.

وبعدما كانت طرابلس، التي لُقّبت بـ”عروس الثورة”، محركاً لتظاهرات واسعة اندلعت قبل خمسة أشهر ضد الطبقة السياسية وعمّت المناطق كافة، شهدت أسواقها في الأسابيع الأخيرة ركوداً

غير مسبوق. وتزامن ذلك مع إقفال لعشرات المحال وصرف موظفين، على غرار العديد من المناطق في خضم أسوأ أزمة اقتصادية يواجهها لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 – 1990).

ومع إعلان الحكومة ليل الأحد حالة الطوارئ الصحية لمواجهة فايروس “كوفيد – 19” ومطالبتها اللبنانيين بملازمة منازلهم لأسبوعين وبإقفال عام للمؤسسات، من المتوقع أن تتوقّف حركة الأسواق كلياً.

وقبل عشرين عاماً، افتتح أميم (52 عاماً) متجره المخصص لبيع الملابس والأقمشة والعباءات النسائية في شارع عزمي، أبرز شوارع طرابلس التجارية. وطيلة الأسابيع الماضية كان إقبال الزبائن خفيفاً، إلا أن الوضع بات أسوأ إثر تفشي فايروس كورونا المستجد.

وقال أميم الاثنين “أغلقنا حالياً أبواب محالنا التي لم يكن يدخلها أحد أساساً جراء الأزمة الاقتصادية الخانقة”. وأضاف “حالة الطوارئ الصحية التي أعلنتها الحكومة جاءت لتقضي علينا” بعدما “فقد التجار أساساً قدرتهم على تحمل الخسائر المالية”.

وقبل أسابيع، روى أميم، وهو أب لثلاثة أولاد، كيف اضطر إلى صرف ثماني موظفات وأبقى على واحدة فقط جراء تراجع حركة البيع.

ورغم عروض قدّمها، قال حينها “يمتنع الزبائن عن الشراء ولا يكترثون للتنزيلات”، موضحاً أنه “حدّد مهلة زمنية لنفسه حتى مطلع الصيف ليقرر ما إذا كان سيبقي متجره مفتوحاً، أو سيقفله لعجزه عن تأمين بدل إيجاره.”

إلا أنه لم يتوقع أنه سيجد نفسه سريعاً أمام أزمة جديدة سببها الفايروس الذي أصاب نحو مئة وتسبب بوفاة ثلاثة لبنانيين، وفق وزارة الصحة.

وضع اقتصادي على المحك
وضع اقتصادي على المحك

وقال أميم بأسف “حين ننتهي من وباء كورونا، لن نستطيع العودة إلى عملنا من جديد (..) حجم الخسائر الكارثية بلغ ذروته وفقدنا القدرة على تعويضها”.

جراء الأزمة الاقتصادية، فقد عشرات الآلاف من اللبنانيين على وقع حركة التظاهرات التي شهدتها البلاد منذ الـ17 من أكتوبر وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم. وأقفلت العديد من المؤسسات في القطاعات كافة على رأسها مجمع تجاري ضخم قرب بيروت.

وفي ظل الانهيار الاقتصادي وشحّ السيولة وخسارة العملة المحلية لأكثر من ثلث قيمتها مقابل الدولار في السوق الموازية، من المرجّح أن معاناة اللبنانيين ستتفاقم خصوصاً مع انصراف الجهود الرسمية إلى مكافحة انتشار الوباء.

وأمام متجر للملابس الداخلية حيث تعمل في شارع عزمي، بذلت شيرين (28 عاماً) جهدها طيلة الأسابيع الماضية لإقناع المارة بالدخول والتسوّق.

وقالت شيرين بينما وقفت أمام المحل “إن نجحنا في البيع نتقاضى أجورنا. وإن لم نبع، فلا نتقاضاها”.

وعلى بعد عشرات الأمتار في شارع عزمي، روى حسام زاهر (60 عاماً) أن أياماً مرت عليه مؤخراً من دون دخول أيّ زبون إلى متجره المخصص لبيع الملابس النسائية.

وقال الرجل الذي افتتح محله قبل 25 سنة، “أزمتي كتاجر هي بفقدان السيولة في الأسواق”، مضيفاً “لم يسبق أن مرّت علينا أيام قاسية كهذه”.

وعانت المدينة في العقدين الأخيرين من العديد من جولات العنف بين منطقتي باب التبانة ذات الغالبية السنيّة وجبل محسن ذات الغالبية العلويّة أدت إلى سقوط قتلى. كما تعرّضت المدينة للعديد من الاعتداءات، وضاعف النزاع في سوريا المجاورة من التوتّر فيها.

جراء الانهيار الاقتصادي، أقفل العشرات من المؤسسات التجارية أبوابه، بينها وفق ما قال رئيس جمعية تجّار شارع عزمي طلال بارودي “ستة محلات لعلامات تجارية في شارع عزمي وأكثر من 120 متجراً في الشوارع المتفرعة عنه.”

تداعيات كورونا تضع لينان في منعرج خطير
تداعيات كورونا تضع لينان في منعرج خطير

أما تلك التي “بقيت صامدة بوجه الأزمة الاقتصادية، تعدّ شبه مقفلة، مع توقّفها عن عملية الشراء والبيع”، وفق بارودي، بينما امتنع “غالبية التجار عن شراء البضائع (استعداداً) لمواسم الأعياد لعجزهم عن تسويقها”.

ورغم “ثورتها” على الفساد والمحسوبيات، يبدو أن طرابلس لن تتمكن من التخلّص من لقب لطالما حملته وهو “أمّ الفقير” على ما يردّد سكانها، الذين يعاني 26 في المئة منهم أساساً من فقر مدقع ويعيش 57 في المئة عند خط الفقر أو دونه.

وبعد تنقلّها من واجهة إلى أخرى، من دون الدخول إلى أيّ من المحال التي اعتادت التسوّق منها، قالت وفاء مرعبي (64 عاماً) “قدرتنا الشرائية معدومة، والمئة الدولار (أسبوعياً) التي تسمح لنا المصارف بسحبها، نريد صرفها على الطعام”.

ويتمكن صغار المودعين في غالبية المصارف من سحب مبلغ يتراوح بين 400 و600 دولار شهرياً فقط جراء القيود المصرفية. ويقدر مسؤولون في البنك الدولي أن نحو 40 في المئة من السكان باتوا يعيشون تحت خط الفقر.

وللحدّ من خسائره، صرف إسماعيل المقدم (70 عاماً)، صاحب محل لبيع الملابس الرجالية منذ 45 عاماً، ثمانية موظفين مؤخراً بعدما “انقلبت أحوالنا رأساً على عقب”. وأردف بينما جلس خلف مكتب وضع تحت زجاجه عملات قديمة “لم أشهد أياماً بهذه السوء حتى في خضمّ الحرب الأهلية”.

7