سيناريو تركي بإخراج أوروبي.. نهاية مؤجلة لأزمة اللاجئين

تتواصل الاتهامات المتبادلة بشأن أزمة الفارّين من حرب إدلب شمال شرق سوريا، بين أنقرة والعواصم الأوروبية وخاصة مع اليونان المتمسّكة بأن تركيا تحايلت على أوروبا بدفعها لإغراقها بنازحين غير حقيقيين غالبيتهم ليسوا سوريين بل من جنسيات مختلفة. هذه المعركة المفتوحة يرى فيها الكثير من المحللين أنها لا تعدو أن تكون مسرحية تركية أوروبية.
واشنطن - لا تهدأ الأزمة المتصاعدة بشأن اللاجئين النازحين من شمال شرق سوريا نحو أوروبا بعدما فتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حدود بلاده مع اليونان للسماح للاجئين باجتياز حدود أوروبا.
وفيما تم الحديث عن بوادر انفراجة في هذه الأزمة الإنسانية عقب لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع قادة الاتحاد الأوروبي، تنذر كل المعطيات الجديدة أن القضية ستستفحل أكثر لتتكرر بالنهاية أزمة عام 2015.
وأجج أردوغان من جديد أزمة اللاجئين، بتصعيد خطابه الأربعاء وتوجيه انتقادات لاذعة إلى اليونان قال فيها “إن الاستجابة اليونانية تجاه المهاجرين الذين يحاولون عبور الحدود لا تختلف عما فعله النازيون”، متعهدا بـ”إبقاء البوابات الحدودية مفتوحة أمام اللاجئين المتجهين إلى أوروبا”.
وذكر الرئيس التركي في اجتماع لكتلة حزبه في البرلمان في أنقرة “لا يوجد فرق بين ما فعله النازيون وتلك المشاهد على الحدود اليونانية”، مع عرض صور تظهر الشرطة اليونانية وهي تطلق الغاز المسيل للدموع على المهاجرين أثناء محاولتهم عبور الحدود.
وتعليقا على صور أظهرت أيضا أن المهاجرين تعرضوا للضرب أو الجرح على أيدي الشرطة اليونانية وتجريدهم من متعلقاتهم وتركهم فقط بملابسهم الداخلية، قال الرئيسي التركي “تعذيب نازي”.
في المقابل، أبدت اليونان من جديد حرصها على رفض ورقة الضغط التي تلعبها أنقرة لإخضاع أوروبا بتسييج مداخلها البرية الحدودية مع تركيا بقوات عسكرية تمنع دخول كل من يطلب اللجوء إليها. ودعمت النمسا توجه اليونان بتأكيدها أنها ستقدم مساعدات عسكرية إلى اليونان لمنع دخول طالبي اللجوء.
أزمة مستفحلة
قال رئيس وزراء النمسا سيباستيان كورتز في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، بالعاصمة النمساوية فيينا، إن بلاده ستدعم اليونان من أجل حماية حدود الاتحاد الأوروبي، وإنه كلّف المسؤولين النمساويين داخل وكالة حماية الحدود الأوروبية (فرونتكس)، لدعم أثينا.
وأضاف كورتز “قررنا إرسال وحدة عسكرية خاصة ومدرعة وطائرة دون طيار ومعدات مختلفة، لدعم الشرطة اليونانية على أفضل وجه في حماية الحدود”.
وأوضح أن بلاده ستقدم مساعدات مالية بقيمة مليون يورو لرعاية اللاجئين في اليونان.
ولفت كورتز إلى أن اليونان تفعل كل ما بوسعها لحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، معربا عن ترحيبه بوقوف الاتحاد الأوروبي إلى جانب اليونان التي لا ترغب في استقبال طالبي اللجوء على أراضيها.
وعلى عكس ما يظهر علنا من حرب كلامية بين الجانبين التركي والأوروبي في هذه القضية، يذهب مراقبون إلى الاعتقاد بأن المسألة لا تعدو أن تكون مسرحية سيئة الإخراج.
وأكد محلل أميركي أن الخلاف الدائر حاليا بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ودول الاتحاد الأوروبي بشأن أزمة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين في تركيا ليست أكثر من مسرحية من نوع كابوكي الياباني، حيث يعرف كل أطرافها نهايتها لكنهم يؤخّرونها.
وفي التحليل الذي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء لبوبي جوش، المحلل الأميركي من أصل هندي، فإن الفصل الأول من هذه المسرحية شهد لقاء غير ناجح بين أردوغان والاتحاد الأوروبي بشأن مصير الملايين من اللاجئين في تركيا، حيث عرض كل جانب موقفه وأعرب عن استيائه من الجانب الآخر.
وتحدث أردوغان إلى شعبه، بعد عودته، عن الأوروبيين الذين يتهرّبون من القيام بمسؤولياتهم تجاه هذه المأساة الإنسانية للملايين من اللاجئين. في المقابل يتحدث القادة الأوروبيون عن أردوغان الذي يستخدم هذه الأزمة الإنسانية لكي يبتز القارة الأوروبية.
وعندما كان كلا الجانبين يعرف أن هذا الكلام الحماسي لن يؤدي إلى شيء، يرتفع الستار عن الفصل الثاني من المسرحية، حيث يتحرك الطرفان نحو الوصول إلى حل. وقد ألمحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لرغبتها في الوصول إلى حل، وسوف يحذو قادة أوروبا الآخرون حذوها.
وسيكون من مصلحة الجميع بحسب المحلل الأميركي التحرك بسرعة نحو الفصل الثالث من المسرحية الذي يشهد النهاية السعيدة للأزمة، حيث يتعهد الأوروبيون بتوفير المزيد من الموارد لتركيا، وسيوافق أردوغان على مضض وبعد استخدام بعض الشعارات الانتخابية على بقاء اللاجئين في بلاده. وإذا كانت هذه هي النهاية الحتمية للمسرحية، فإنه كلما تم الوصول إليها أسرع، كان ذلك أفضل.
ويقول بوبي جوش إن منح أردوغان الثمن الذي يسعى إليه من وراء استخدامه لورقة اللاجئين بسرعة، يعني تخليص هؤلاء اللاجئين الذين يواجهون بالفعل صعوبات لا يمكن تخيلها، من الشعور بالإهانة لاستخدامهم كأدوات في هذه المهزلة القبيحة. فنقلهم إلى الحدود التركية الأوروبية على أمل دخولهم إلى قارة أوروبا، ثم إعادتهم من هناك بقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي هو بالتأكيد شكل من أشكال انتهاكات حقوق الإنسان.
وأضاف جوش “في الحقيقة لا توجد مكاسب يمكن أن تبرر السماح باستمرار أزمة إنسانية بهذا الحجم الكبير. فمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقدر عدد اللاجئين في تركيا بأكثر من 4.1 مليون لاجئ منهم 3.7 مليون لاجئ سوري. وأدى تجدد القتال بين قوات الرئيس السوري بشار الأسد وفصائل المعارضة المسلحة في محافظة إدلب إلى موجة نزوح جديدة للاجئين السوريين نحو تركيا. كما أنه من غير المحتمل أن يراهن مئات الآلاف من المشردين الذين يعيشون في مخيمات الإيواء على اتفاق وقف إطلاق النار بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وعندما يتجدد القتال في إدلب وهو أمر حتمي، سيزداد ضغط اللاجئين على حدود تركيا بشكل استثنائي.
شروط التفاوض

بحسب جوش يفرض المنطق السليم أنه على الاتحاد الأوروبي تحسين الشروط المالية لاتفاق اللاجئين لعام 2016 مع تركيا، والذي وافق من خلاله الأوروبيون على دفع 6 مليارات دولار لمساعدة اللاجئين في تركيا. ولما كانت هذه المسرحية ليست أخلاقية، فالاحتمال الأقوى هو استجابة أوروبا لابتزاز أردوغان الذي يقوم على أساس “ادفعوا لي ما أريد وإلا سأرسل اللاجئين إلى أراضيكم”.
ويرى مراقبون أنه بات حريّا بالذين نسوا موجة الخوف من الأجانب والعداء لهم التي اجتاحت القارة الأوروبية منذ خمس سنوات، وقبل أن توقف تركيا تدفق اللاجئين إلى أوروبا، أن يتذكروا المشهد الذي حدث الأسبوع الماضي عندما دفع أردوغان بعدة آلاف من اللاجئين إلى الحدود مع اليونان، على أمل عبورهم والوصول إلى أوروبا.
ولجأت اليونان إلى بنود حالة الطوارئ في الاتفاقيات الأوروبية، وأوقفت قبول طلبات اللجوء السياسي. كما ظهرت مخاطر حدوث أعمال عنف من جانب الحراس المحليين ضد اللاجئين، وتعالت أصوات السياسيين اليمينيين المتطرفين المحذرة من الأجانب.
والآن لا يمكن تخيل ما الذي يمكن أن يحدث إذا قرر مئات الآلاف من اللاجئين السوريين والأفغان والإيرانيين والقادمين من آسيا الوسطى عبور الحدود التركية نحو القارة الاوروبية. وفي هذه الحالة يمكن لقادة الاتحاد الأوروبي اتهام أردوغان بتحويل اللاجئين إلى سلاح سياسي، لكنهم سيتحملون نصيبهم من المسؤولية عن فشل إصلاح أنظمة الهجرة الأوروبية وترك بلادهم مكشوفة أمام التهديدات التركية.
في الوقت نفسه من الصعب موافقة الأوروبيين على منح أردوغان كل ما يطلبه مثل حرية حركة المواطنين الأتراك بين دول الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك فإن أردوغان سيوافق على تأجيل هذه المطالب لأن مساحة المناورة أمامه محدودة. فالرصيد السياسي للرئيس التركي يتراجع، وحزبه فشل في انتخابات المحليات التي أجريت في العام الماضي وبخاصة في المدن الكبرى، وقيادات مهمة من حزبه انشقت عنه وقررت تشكيل أحزاب جديدة لمنافسته. كما أن طموحات أردوغان على المسرح الدولي تتعثر في سوريا، حيث أدى اتفاق وقف إطلاق النار هناك إلى ترك الكثير من المواقع التركية محاصرة أو مكشوفة.
في المحصلة فإن أردوغان في حاجة ماسة إلى نصر سياسي، والأوروبيون في حاجة ملحة للإبقاء على اللاجئين بعيدا عن حدودهم. لذلك يمكن للأوروبيين أن يشحذوا أسنانهم كيفما شاؤوا، لكنهم في النهاية سيرسلون المساعدات التي يريدها أردوغان، وهذه هي النهاية شبه المؤكدة للمسرحية التركية الأوروبية، أما تصور نهاية مختلفة فإنه يحتاج إلى حبكة مغايرة لجوهر مسرح كابوكي وقدر كبير من الخيال لا يتوافر لدى المشاركين في هذه المسرحية.