السعودية تعيد رسم خارطة مشاريع الغاز الصخري في العالم

أرامكو تبتكر تقنيات حذف جديدة في أكبر مشروع خارج الولايات المتحدة، ومشروع الغاز الصخري الجديد سيساعد الرياض على تقليل حرق النفط لاستخدامه في توليد الكهرباء.
الأربعاء 2020/02/26
نظرة أبعد لمستقبل الغاز

أكدت السعودية أنها ستقتحم بقوة قطاع الغاز الصخري بإطلاق أكبر مشروع للغاز الصخري خارج الولايات المتحدة، التي تتزايد فيها المؤشرات على انحسار فورة نمو ذلك القطاع. ويقول محللون إن حجم الاحتياطات السعودية وكثافة تركيز الغاز توفر قاعدة متينة لنجاح المشروع.

الدمام (السعودية) - كشفت شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو عزمها ضخ استثمارات كبيرة في أول مشاريعها للغاز غير التقليدي (الصخري) لتلبية الحاجة المحلية المتزايدة وإنهاء حرق النفط في محطات توليد الكهرباء.

ونسبت وكالة رويترز إلى الرئيس التنفيذي للشركة أمين الناصر قوله إن “أرامكو ابتكرت طريقة للتكسير باستخدام ماء البحر، مما سيذلل عقبة نقص المياه اللازمة للتكسير في الصحراء وهي مجدية تجاريا”.

وأضاف أن “ثورة صخرية جديدة تحدث في السعودية… كثيرون قالوا إن الفكرة لن تنجح خارج الولايات المتحدة… لأن التكسير يستهلك الكثير من المياه ونحن لا نملك المياه الوفيرة. لكننا نستخدم ماء البحر”.

ويأتي المشروع السعودي في وقت تتزايد فيه المؤشرات على تراجع زخم فورة النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة بسبب تراجع هامش الأرباح، في ظل مستويات الأسعار الحالية المتدنية وتخمة الأسواق.

وتوقّع الرئيس التنفيذي لشركة شلمبرغر العملاقة للخدمات النفطية أمس أن يتباطأ نمو الإنتاج الأميركي من النفط الصخري بنحو 700 ألف برميل يوميا هذا العام، ونحو 200 ألف برميل يوميا في 2021.

أمين الناصر: أرامكو ابتكرت طريقة لتكسير الصخور باستخدام ماء البحر
أمين الناصر: أرامكو ابتكرت طريقة لتكسير الصخور باستخدام ماء البحر

ويدافع أكبر بلد مصدّر للخام في العالم عن الحصة السوقية في مواجهة منتجي النفط الصخري الآخذين بالتوسع في الولايات المتحدة، التي امتلكت في غضون عشر سنوات القدرة على ضخ ملايين البراميل من النفط يوميا من تكوينات صخرية كان استغلالها باهظ التكلفة ذات يوم.

وخاضت السعودية حرب أسعار بهدف إخراج قطاع النفط الصخري الأميركي من السوق قبل ست سنوات فحسب، لكنها أخفقت في نهاية الأمر.

والآن، يتبنّى البلد التقنيات المطوّرة في الحقول الأميركية، والتي بدأت بالغاز في مشروع حقل الغاز العملاق الجافورة الذي تقدّر استثماراته بنحو 110 مليارات دولار. وقالت أرامكو إنها حصلت على ضوء أخضر للمشروع السبت الماضي.

وإذا حققت أرامكو أهداف تطوير الحقل، فإن السعودية ستصبح ثالث أكبر منتج للغاز في العالم بحلول 2030 بعد الولايات المتحدة وروسيا.

وأوضح الناصر أن أرامكو حفرت 150 بئرا منذ 2013 في حقل الجافورة للغاز الصخري لإعداد خطة التطوير.

وعملت أرامكو مع شركات خدمات نفطية عالمية مثل شلومبرجر وهاليبرتون وبيكر هيوز الأميركية بخصوص الحقل ولتطوير تكنولوجيا تفتيت الصخور واستخراج النفط والغاز الحبيس فيها، في ما يعرف بتكنولوجيا التكسير.

وقال الناصر إن “أرامكو ستطرح جولات لترسية عقود أعمال الحقل، ومن المرجّح أن تشارك فيها الشركات نفسها”.

وخارج الولايات المتحدة، لم يحالف شركات النفط نجاح كبير في استغلال الاحتياطيات الصخرية لأسباب شتى، إما لنقص الخبرة أو ندرة المياه أو موارد أخرى أو عدم ملاءمة البنية التحتية أو القرب المكاني من تجمّعات سكانية كبيرة.

ويقع حقل الجافورة قرب ساحل الخليج، ومن ثم يمكن توصيل مياه البحر إليه بسهولة نسبية، لكن سيتعيّن معالجتها بعض الشيء قبل استخدامها في الحفر، حسبما ذكر الناصر.

كما أنّ الحقل قريب أيضا من الغوار، أكبر حقل نفط في العالم، وبالتالي يمكن ربطه بسهولة بالبنية التحتية القائمة. وعثرت أرامكو أيضا على نوع من الرمل المحلي يمكن استخدامه في التكسير.

وتتطلّب العملية ضخ المياه والرمال والكيماويات في الحقول عند ضغط مرتفع. وقال الناصر إنها “ذات جدوى تجارية عالية، واستطعنا بالفعل خفض التكلفة بدرجة كبيرة لجعلها مجدية تجاريا.. إنه مشروع التطوير غير التقليدي الأكبر خارج أميركا الشمالية”.

وأوضح أن مشروع الغاز الصخري الجديد سيساعد الرياض على تقليل حرق النفط لاستخدامه في توليد الكهرباء 800 ألف برميل يوميا في المتوسط.

وسيتيح هذا مزيدا من الخام للتصدير ويقلّل الانبعاثات، لكن الأولوية ستكون لتلبية الطلب المحلّي، وفق الناصر.

المشروع قد يحوّل السعودية إلى مصدر للغاز
المشروع قد يحوّل السعودية إلى مصدر للغاز

وأصدر وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمرا الجمعة الماضي باستخدام غاز الجافورة في المقام الأول لتزويد الصناعات المحلية مثل البتروكيماويات من أجل دعم خطة التطوير “رؤية 2030” التي يرعاها وتستهدف تنويع موارد البلاد.

وكان إدراج أرامكو العام الماضي أحد أعمدة الخطة. وطرح عملاق الطاقة السعودي حصة للاكتتاب العام في سوق الأسهم المحلية في ديسمبر.

وقال الناصر إن “المشروع قد يحوّل السعودية إلى مصدر للغاز أيضا.. من المحبّذ أن يكون التصدير عبر خطوط الأنابيب إلى دول مجاورة وليس بإقامة مرافئ الغاز الطبيعي المسال عالية التكلفة”. وتابع “فور تلبية الطلب المحلّي سنشرع في التصدير”.

وقد تساعد صادرات الغاز حلفاء السعودية بمنطقة الخليج في الاستغناء عن الغاز القطري. وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات السياسية وخطوط التجارة والنقل مع قطر المصدرة للغاز في 2017، متهمة إياها بدعم الإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة.

وتستورد الإمارات ملياري قدم مكعبة من الغاز الطبيعي يوميا من قطر باستخدام خط الأنابيب دولفين.

وتنوي أرامكو استثمار 110 مليارات دولار لتطوير الجافورة وتتوقع بدء الإنتاج أوائل 2024. وقال الناصر إن “الإنتاج سيصل إلى 2.2 مليار قدم مكعبة يوميا من الغاز بحلول 2036، مع 425 مليون قدم مكعبة يوميا من الإيثان المصاحب”.

ويتوقع أن ينتج الحقل نحو 550 ألف برميل يوميا من سوائل الغاز والمكثفات، بما يزيد نحو 50 في المئة مقارنة مع الإنتاج الحالي الذي يزيد قليلا فحسب على مليون برميل يوميا.

وتقدّر احتياطيات الغاز في الجافورة، أكبر حقل للغاز غير التقليدي، بواقع 200 تريليون قدم مكعبة من الغاز الخام.

11