كمال الجندوبي: الإسلاميون لا يؤمنون بالدولة وإنما بعقيدة الجماعة

انتقد رئيس فريق الخبراء الأممي الخاص باليمن، كمال الجندوبي، جماعات الإسلام السياسي معتبرا أنها أحد أهم أسباب الأزمة في اليمن، كما في بلدان أخرى بالمنطقة. ولا يوافق الوزير التونسي السابق شعار “الإسلام هو الحل”، الذي تتبناه تلك الجماعات، إذ أن ولاءها للجماعة، يتناقض بالضرورة مع مفهوم الدولة المدنية ويؤسس لـ”كيانات عقائدية”.
باريس – عزا مسؤول في الأمم المتحدة الفشل السياسي في تونس واليمن الى حركات الاسلام السياسي لافتا إلى أن التنظيمات الدينية توظف حقوق الإنسان فقط للوصول إلى السلطة، إذ أنها لا تؤمن بالإنسان إنما بعقيدة الجماعة، وبالتالي لا تؤمن بالدولة الوطنية لأنها تسعى إلى إقامة دولة إسلامية.
وقال كمال الجندوبي، رئيس فريق الخبراء الخاص باليمن، إنه في كل مرة يزداد إغراق اليمن في صراع تسبب في إحدى أكبر المآسي الإنسانية التي عرفتها البشرية، إلا ونجد الحوثيين المدعومين من إيران، وحزب الإصلاح الذراع اليمنية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين في قلب الصراع.
وأضاف الجندوبي في تصريحات لـ"العرب" على هامش مشاركته في ندوة دولية عن الأوضاع في اليمن، نظمتها في باريس الفيدرالية الدولية لمواطني الضفتين (FTCR) ومنظمة “ذي يزن” اليمنية الدولية، أنه اشار في تقارير أممية سابقة إلى مسألة التطهير العرقي الذي يمارسه الحوثيون مثلا أو حزب الإصلاح في أكثر من مكان وأكثر من مناسبة.
الملف اليمني
وتعكف اللجنة الأممية الخاصة بحقوق الإنسان في اليمن على مراجعة تقريرها الثالث، الذي يرصد تطور أداء السلطة الشرعية اليمنية في مجال مراقبة ورصد انتهاكات حقوق الإنسان. وتحدث كمال الجندوبي عن هذا التقرير لافتا إلى أنه تم تدارك نقائص التقرير الأول والتقرير الثاني. وترصد التقارير الثلاثة أوضاع حقوق الإنسان في اليمن استنادا إلى القانون الدولي في الفترة الممتدة من سنة 2014 إلى اليوم.
ووصف الجندوبي المهمة التي يقوم بها وفريقه بأنها صعبة ومتشعبة فهي تتطلب استراتيجية دقيقة ومنهجية واضحة. وأكد أنه في التقرير الثالث تم توسيع المدة الزمنية من 2014 إلى 2019 وأن فريق الخبراء استكمل ما لم يتم إنجازه في التقرير الأول وتم بذلك توسيع جوانب البحث، مفيدا بأنه في التقرير الأول لم تكن هناك دراسة جيدة لموضوع الألغام الأرضية والذي وقع تناوله بأكثر تفصيل ودقة في التقرير الثاني، كما أنه لم يتم إدراج تحالف الحوثيين مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح عام 2015 ووصولهم وسيطرتهم على مدينة عدن. علاوة على عدم دراسة الانتهاكات الكبيرة التي وقعت في مدينة مأرب. وكل هذا تم تداركه بأكثر استفاضة وتدقيق في التقرير الثاني عام 2019.
وبشأن إضافات التقرير الثالث، أوضح الجندوبي أنها “ستكون من خلال عملية تحيين دقيقة للانتهاكات السابقة، بالإضافة إلى التركيز على مسألة المجاعة كأداة للحرب، والحالة الكارثية التي يعاني منها اليمنيون اليوم”. لكن رغم الصورة السوداوية، أقر رئيس اللجنة الأممية ببعض التغيرات وقد لاحظ بعد نشر التقريرين الأولين مثلا “التراجع في عدد مراكز الاحتجاز العشوائية والخارجة عن السيطرة، خاصة سيطرة السلطة الشرعية المعترف بها دوليا”. ومراكز الاحتجاز هذه كانت تسجل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان مثل التعذيب والاغتصاب.
وبيّن الجندوبي أنه من نتائج التقريرين السابقين أن وقع إطلاق سراح الكثير من الموقوفين والمحتجزين بصورة اعتباطية وغير شرعية، وكذلك تم تسجيل تطور على مستوى اللجنة الوطنية للمراقبة التي وضعتها السلطة الشرعية وتعزز دورها واستقلاليتها، وقد تطورت إمكانياتها كثيرا مقارنة بالسابق. وأشار إلى أن اليمن اليوم يحتاج إلى آلية وطنية تأخذ على عاتقها عملية المسح والبحث وحفظ الذاكرة والشهادات والأدلة التي سيقع توظيفها من قبل العدالة.
وأضاف الجندوبي “في توصياتنا هناك دائما تأكيد على ضرورة الوقف الفوري للحرب. ونوصي بضرورة مساعدة المفوض الخاص للأمين العام للأمم المتحدة حتى ينجح في مقاربة أوسع لدفع الفرقاء إلى التفاوض والبحث عن حل سياسي وليس عن حل عسكري. لأن الحرب في اليمن هي الكارثة التي تزيد كل يوم في تعميق الجرح اليمني ولن تسمح بانتصار أي طرف من أطراف النزاع. كذلك نوصي دائما بأن لا تهمل عملية التسوية والمفاوضات الجانب الإنساني، وحتى لا تكون على حساب الضحايا والحال أنه لا يمكن بناء أي مصالحة إلا إذا توفرت العدالة الانتقالية الحامية لحقوق الإنسان اليمني”.
ويذهب المتابعون على أن المعضلة الحقيقية التي يعاني منها اليمن والتي تعتبر أحد أبرز عوامل تقويض استقراره هي نفوذ الجماعات الدينية واستمرارهم في انتهاك حقوق الإنسان تحت مرأى المجتمع الدولي. وإلى جانب الحوثيين الذين يستغلون الوازع الديني في الأزمة، هناك عدة أطراف دينية نافذة على غرار حزب الإصلاح، الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين، الذي ارتكب انتهاكات إنسانية خطيرة.
وعما إذا كان الفريق الأممي قد تنبه إلى خطر هذه الجماعات، أكد الجندوبي أنه لم يغب في كل تقارير اللجنة دور الجماعات المتطرفة وصراعاتها، كما لم يغب البعد الإقليمي باعتبار أن اليمن موجود في منطقة تؤثر فيها العديد من القوى الإقليمية مثل إيران والسعودية.
وأشار إلى أن الدارس للحالة اليمنية يلاحظ بسهولة كثرة وجود الجماعات الدينية التي تلعب دورا خطيرا في تأجيج الصراع وفي انتهاك حقوق الإنسان، بداية من الحوثيين طرف النزاع الرئيسي مرورا بحزب الإصلاح الإخواني ووصولا إلى السلفيين وكذلك تنظيم داعش، ونهاية بتنظيم القاعدة الذي له وجود قوي على الأرض.
وأكد الجندوبي “نحن واعون كثيرا بمسألة التطرف الديني، والجماعات الدينية وصراعاتها في ما بينها وتأجيجها للنزاع والحرب في المشهد اليمني. وقد أشرنا إلى مسألة التطهير العرقي الذي يمارسه الحوثيون مثلا أو حزب الإصلاح في أكثر من مكان وأكثر من مناسبة”.
تقييم المشهد التونسي
وشكل اللقاء مع الحقوقي التونسي كمال الجندوبي فرصة للتطرق إلى المشهد السياسي في بلده، فالجندوبي إضافة إلى ترؤسّه لجنة الخبراء الأممية الخاصة باليمن، سبق أن تولى محليا، حقيبة وزارية خاصة بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان في أعقاب ثورة يناير 2011. وفي تعليقه على فوز قيس سعيّد بالرئاسة قال الجندوبي إن ذلك مرده نفور الناس من التنظيمات الحزبية، وردة فعل تجاه النخب السياسية المتهمة بالفساد والتبعية.
ويتساءل الجندوبي موجها خطابه لسعيّد “ما العمل، حين يضعك الحكم أمام إكراهات وتناقضات كنت تراها من قبل خارج الحكم بسطحية معينة وتعبر عن موقفك دونما أي حرج لأنك لا تمثل إلا نفسك؟ وحينما تكون في الحكم تلوح لك هذه القضايا والإشكاليات أكثر عمقا وتعقيدا.. لا بد من أخذ القرار بسرعة لصالح الدولة. من هنا يحصل التناقض والصراع بين الذاتي والموضوعي، ومن هنا نلاحظ بعض التخبط في الأداء وبعض التناقضات”.
وأشار الحقوقي التونسي إلى أنه “على الصعيد الخارجي لا يجب أن نكتفي بترديد الشعارات الكبيرة، لأن هناك سياسات خارجية وتراكمات وأعرافا ودبلوماسية دولية وقوى عظمى تتحكم في المشهد العالمي. وتونس باعتبارها عضوا في مجلس الأمن الدولي، فهي يوميا تواجه إشكاليات عميقة وتتعرض لضغوط كبيرة، لأن مجلس الأمن هو مقر لصراعات يومية بين القوى العالمية المؤثرة”.
وتابع “من هنا وجب على الدبلوماسية التونسية أن تعي دورها الخطير الراهن وتعرف كيف تتصرف وتتخذ القرارات والمواقف التي سيكون لها تأثير مباشر على علاقاتها ومصالحها الدولية خاصة وهي تمر بظرف اقتصادي صعب. المسألة في الحقيقة ليست هينة وبسيطة، فنحن أمام خمس دول عظمى تساعدنا كل يوم اقتصاديا واجتماعيا وعلى كثير من الجبهات لذلك يجب أن نعرف كيف نحرك دبلوماسيتنا. فالمسألة الدبلوماسية الدولية أكبر من مجرد شعارات كبيرة تردد على الملأ”.
وكان هذا الحديث مدخل السؤال حول قرار إعفاء مندوب تونس الدائم لدى الأمم المتحدة المنصف البعثي، وهو قرار قال الجندوبي إنه “خاطئ شكلا ومضمونا، ويضر بالدولة التونسية ومصداقيتها، وبدبلوماسيتها”. وشرح متسائلا “تونس اليوم لديها ولاية بسنتين في مجلس الأمن الدولي، فمن سيصدقنا؟ ومن هو الدبلوماسي الذي سيشتغل في ظروف مريحة؟ ومن هو الطرف الدولي الذي سيعمل معنا بجدية؟”.
ويذهب المتابعين إلى وجود ضغوط أميركية مورست على الرئيس التونسي قيس سعيد، وهي وراء إقالة المنصف البعثي، وهو أمر لم يستبعده الجندوبي الذي قال إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد فرض هذه الصفقة على كل الأطراف. وهو يهدد كل من لا يتفق معه، وليست تونس فقط وإنما الأردن مهدد أيضا للموقف الذي اتخذه، وكل الدول العربية تقريبا. والعديد من الرسائل الواضحة وصلت منه إلى كل الأطراف. فإما أن تكون معي أو أن تكون ضدي، هذه هي الرسالة الأميركية باختصار ووضوح. وبخصوص موقفه كخبير دولي من صفقة القرن، قال الجندوبي إن هذه الصفقة هي بمثابة تركيز نظام فصل عنصري (أبارتايد) لافتا إلى أن مصيرها سيكون الفشل.
الإسلام السياسي في تونس
ويشكك بعض المتابعين في تعامل تيار الإسلام السياسي في تونس، والذي تمثله حركة النهضة مع منظومة حقوق الإنسان أمام مساعيها توظيف المنظومة القيمية الإنسانية للوصول إلى السلطة. وحسب رأي الجندوبي، يوظف الإسلام السياسي العديد من المسائل ومنها مسألة حقوق الإنسان للوصول إلى غايته الأولى والأخيرة وهي السلطة والحكم. وأكد الجندوبي “بالإضافة إلى كون هذا الرأي هو قناعة شخصية مترسّخة لديّ، فهذا ما أثبته التاريخ فعليا”.
وأشار إلى أن علاقة الإسلام السياسي ومسألة حقوق الإنسان مجرد علاقة توظيفية لا غير وليست مبنية على قناعات حقوقية شخصية، لافتا إلى أن الإسلام السياسي لا يؤمن بالإنسان وإنما يؤمن بعقيدة الجماعة والإخوان. الإسلام السياسي لا يؤمن بالفرد، وحقوق الإنسان مبنية على الحقوق الفردية الخاصة والجمعية أيضا، لكن بخاصة الحقوق الفردية. كما لا تؤمن جماعات الإسلام السياسي بعالمية وكونية حقوق الإنسان وإنما تشخص الأمور وترتبها حسب ترتيب آخر، حيث يوجد المسلم أولا ثم الآخرون من بعده. والإسلام السياسي لا يؤمن بالدولة الوطنية والجمهورية، لأنه يسعى إلى إقامة الدولة الإسلامية. لذلك فعلاقة الإسلام السياسي بمنظومة وفلسفة حقوق الإنسان هي علاقة ملتبسة ونفعية بالأساس.
واعتبر كمال الجندوبي أن حديث أحزاب الإسلام السياسي، على غرار النهضة، عن التطور والتحديث ليس سوى مجرد تأقلم تكتيكي وظرفي، لافتا إلى أن قضية الجهاز السري لحركة النهضة كشف بوضوح مشروعها العميق وهو مشروع الإسلام السياسي، ليس فقط كما يقال تعاونا وسعيا للتوافق، وإنما هو محاولة واضحة لاختراق أجهزة الدولة والسيطرة عليها، ومن ثمة السيطرة على المجتمع.
وأضاف أن النهضة تبحث دائما على التوافق في الحكم لأنه ليس لديها مشروع سياسي واضح. وأفكارها لن تمر اليوم في تونس. واعتبر أن النهضة فشلت، في كل الجوانب. ووصولها كل مرة واحتلالها المراتب الأولى انتخابيا هو لكونها الحزب الوحيد المنظم مقارنة ببقية الأحزاب. ومع كل ذلك، يبيّن الجندوبي أنه ليس ضد وجود النهضة في المشهد السياسي وأنه يدافع على حقها في الحضور. لكن هذا الحضور إذا كان سيتمّ على حساب الجمهورية وعلى حساب الدولة أو على حساب تحويل وجهة المسار الديمقراطي التونسي إلى مسار أخر، لا يمكن القبول به.
نخبة جديدة
ويجمع المتابعون للأوضاع في تونس على أن النضج السياسي هو الرهان الحقيقي للثورة التونسية، وهو ما يؤكده أيضا الجندوبي لافتا إلى أن وجود مفارقة كبيرة بين نضج الشارع التونسي اليوم ودوغمائية نخبه. ففي مقابل النضج السياسي الذي أظهره الشارع تلوح النخبة السياسية التونسية متخلفة وغارقة في أفكارها القديمة البالية.
ويقول الجندوبي “النخبة السياسية التونسية هرمت ويجب الدفع بنخبة سياسية جديدة في تونس”، مؤكدا على ضرورة أن “تكون النخبة السياسية في تناسق وتفاعل مع هذا التطور والنضج الثوري”. ويدعم الجندوبي إعطاء الفرصة الكاملة للشباب في الحياة السياسية التونسية.
وفي ختام حواره تحدث كمال الجندوبي عن أزمة تشكيل الحكومة، وعما إذا كانت ستحظى حكومة رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ بثقة البرلمان، وهل ستنجح في إدارة شؤون البلاد الغارقة في أزمة اقتصادية، لافتا إلى أن “الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه تونس يحتم تكوين حكومة بسرعة، بعيدا عن المصالح الذاتية والحسابات الحزبية الضيقة”. لكن حتى وان مرت هذه الحكومة فإنها في اعتقاده لن تعمر طويلا وسط التجاذبات الحزبية والسياسية التي تشهدها البلاد اليوم.