متى يُسكت الاتحاد الأفريقي البنادق

أديس أبابا - بين قمة وأخرى للاتحاد الأفريقي لا تختلف الشعارات الداعية لوجوب فض الأزمات وإسكات البنادق في دول عدة بالقارة السمراء، تختلف فيها القضايا المحلية لكل بلد.
عرفت أفريقيا في العام الماضي تحولات كثيرة على الصعيد السياسي كان أبرزها في السودان الذي أطاح فيه المحتجون بنظام عمر البشير، أو في الجزائر أين أسقط الشارع المنتفض نظام عبدالعزيز بوتفليقة، لكن القارة لم تتخلص بعد من لغة السلاح في ليبيا أو في أفريقيا الوسطى وفي الصومال ومالي وتشاد ونيجيريا أين تمدّدت مؤخرا الجماعات الجهادية المسلحة.
قبل سبعة أعوام، تعهد قادة القارة في خمسينية الاتحاد الأفريقي، بـ”إنهاء جميع الحروب في أفريقيا بحلول عام 2020″، لكن هذا الهدف يبدو بعيد المنال.
مع ذلك، لا يزال هدفاً قائما، حيث ترفع القمة السنوية للمنظمة الأفريقية، المقررة يومي الأحد والاثنين في أديس أبابا وتجمع رؤساء دول وحكومات 55 دولة أعضاء فيها، شعار “إسكات البنادق: خلق الظروف المواتية لتنمية أفريقيا”.
ويرى الكثير من المراقبين أن طموح قادة أفريقيا لإنهاء الحروب والنزاعات التي يذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء في قضايا عدة يبقى رهين قوى أخرى لأن الاتحاد الأفريقي لا يملك الكلمة الفصل في حل بعض القضايا التي تتداخل فيها القوى الدولية ومنها الملف الليبي على وجه التحديد.
وفي الوقت الذي تتنافس فيه قوى كبرى كروسيا أو تركيا التي أغرقت ليبيا بالمرتزقة، يجمع المتابعون على أن المنتظم الأفريقي بمثابة الحاضر الغائب رغم أنه كان ممثلا في مؤتمر برلين.
تحققت بالتأكيد تطورات مؤخرا في أفريقيا الوسطى والسودان، لكن حصلت أزمات جديدة من الكاميرون إلى موزمبيق تنضاف إلى الأزمات التي تمزق دولا على غرار ليبيا أو جنوب السودان.
في خطابه الخميس، أمام وزراء الخارجية الأفارقة، رسم رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي صورة سلبية عن وضع القارة، من الساحل الصحراوي إلى الصومال. وأكد فكي أن الهدف غير المتحقق عام 2020 يعكس “تشعّب الإشكالية الأمنية في أفريقيا”.
أما رئيس اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب سليمان إيلي درسو فاعتبر في مقال نشر في جريدة “مايل أند غارديان” الجنوب أفريقية أن “الأسلحة تزداد صخبا”.
ويبدو رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا الذي خلف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على رأس الاتحاد الأفريقي، واعيا بصعوبة المهمة.
في خطاب نهاية يناير، ذكّر رامافوزا أن النزاعات “تستمر في الحد” من تنمية القارة، وقدر أن أهداف الاندماج الاقتصادي ومكافحة أشكال العنف المسلط على المرأة “تتم عبر تعزيز الأمن والسلام في أفريقيا”. ويصر آخرون على ضرورة معالجة الأسباب العميقة للنزاعات.
يقول السفير المصري في الاتحاد الأفريقي أسامة عبدالحق “إذا أردنا حل هذا الإشكال، يجب أن نتحدث عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية العميقة، وعن التحديات السياسية علاوة على التحديات الأمنية”.
تسعى المنظمة الأفريقية لفرض حضورها في عدة ملفات وتعزيز تأثيرها خاصة في حلّ النزاع في ليبيا الغارقة في الفوضى منذ عام 2011.
قبيل مؤتمر برلين في يناير، اشتكى متحدث باسم فكي من تعرض الاتحاد الأفريقي لـ”تجاهل منهجي” في الملف الليبي الذي تتولاه أساسا الأمم المتحدة.
لكن قُوضت جهود الاتحاد الأفريقي بفعل الانقسامات الداخلية التي تعود إلى عام 2011، حين أيدت دول أفريقية أعضاء في مجلس الأمن الدولي تدخلا عسكريا عارضه مجلس السلم والأمن التابع للمنظمة الأفريقية.

وقال مصدر نيجيري مؤخرا إن الاتحاد الأفريقي “منقسم”، وضرب مثال مصر التي تحظى بثقل في القارة وتدعم المشير خليفة حفتر و”لا تريد أن يتولى الاتحاد الأفريقي هذا الملف”.
لتفسير غياب ثقل الاتحاد الأفريقي في الملف الليبي، يرى الباحث في مؤسسة الدراسات الأمنية شويت وولدميتشيل أن “الأزمة الليبية تصور كأزمة تحدث على أبواب أوروبا وتحتاج تدخلا مباشرا من الدول الأوروبية”.
من جهة أخرى، يسعى الاتحاد الأفريقي عبر سيريل رامافوزا أيضا إلى معالجة النزاع الجاري في جنوب السودان.
وقّع اتفاق سلام عام 2018 برعاية الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد)، لكن تشكيل حكومة وحدة وطنية يؤجل باستمرار.
نهاية الأسبوع الماضي، التقى رئيس جنوب السودان سيلفا كير برامافوزا في جنوب أفريقيا، ويلعب نائب الرئيس الجنوب أفريقي دورا نشطا في مفاوضات تشكيل الحكومة.
يرى المستشار حول شؤون أفريقيا الجنوبية في منظمة الأزمات الدولية بيار بيجو أن ذلك يمثل “فرصة لرامافوزا لإظهار اهتمامه بحل هذه المسائل، بعيدا عن الخطب والتصريحات”.
وتتزامن رئاسة جنوب أفريقيا للاتحاد الأفريقي مع شغلها مقعدا مؤقتا في مجلس الأمن الدولي، ما يعطيها إمكانية إيصال صوت القارة إلى الساحة العالمية.
وقدرت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير نشرته الجمعة أنه سيكون على رامافوزا التعامل مع حساسيات الزعماء الأفارقة الذين “يبدون حتى الآن مترددين بخصوص وعود السلام الجماعي”.