مهمة بوريل المستحيلة في طهران

محللون لا يتوقعون نجاح بوريل في مهمّته لإنقاذ الاتفاق النووي خاصة وأن الأوروبيين يفتقرون إلى الوسائل التي تستطيع تمكين إيران من دعم اقتصادي.
السبت 2020/02/08
مهمة محفوفة بالموانع

طهران – توجّه منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الاثنين الماضي إلى طهران لإنقاذ الاتفاق النووي الذي يحتضر، وهذه المهمة محفوفة بالموانع وفق تقرير نشرته مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأميركية.

 ولا يتوقع المحللون نجاح بوريل في مهمّته، إذ يفتقر الاتحاد الأوروبي إلى الوسائل التي تستطيع أن تمنحه قدرة على تمكين إيران من دعم اقتصادي من شأنه أن يساعد النظام الذي يعاني من نتائج حملة “أقصى قدر من الضغط” التي تشنها واشنطن عليه.

وقبل أسابيع من هذه الزيارة، قررت فرنسا وبريطانيا وألمانيا تفعيل آلية حل الخلافات المتعلقة بالاتفاق النووي مع إيران بعد أن قررت طهران ألا تحترم التزاماتها التي حددتها الاتفاقية المبرمة في سنة 2015، والمعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة. واتخذت الدول الأوروبية هذه الإجراءات استجابة لأنشطة طهران النووية المتزايدة، حيث أعلنت العاصمة الإيرانية أنها لن تلتزم بالقيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم ضمن قرارات اتخذتها خلال الشهر المنقضي.

ويمكن أن يؤدي اعتماد آلية حل النزاعات إلى إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة وقيودها في غضون شهر، ويمكن أن يمتد هذا التفعيل إلى أجل غير مسمى إذا قرر أطراف الاتفاقية الآخرون ذلك.

ودعت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هذه الدول إلى التحرك بسرعة. ولكن، يبدو بوريل مستعدا لاتباع نهج إيران التي تحاول المماطلة في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في شهر نوفمبر من السنة الحالية.

من جانبها، أشارات إيران إلى أنها تنوي الامتثال إلى الاتفاقية مرة أخرى إذا رُفعت جميع العقوبات الأميركية المسلطة على نظامها وإذا تمكنت من تعبئة عشرات المليارات من المساعدات الاقتصادية.

إذا تحقق ذلك، ستتحول طهران إلى نهج أكثر تريثا في ما يتعلق ببرنامج الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، حيث ستصبح مقيدة بشروط الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

قبل امتثالها المزعوم للاتفاقية التي وقعتها مع مجموعة من القوى العالمية قبل سنوات، أبقت إيران جزءا من برنامجها النووي مخفيا، وأُشارت بعض التقارير إلى عملها على إخفاء مواد وأنشطة نووية في موقع لم تعلن عنه على طاولة المفاوضات.

طهران لن تلتزم بالقيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم
طهران لن تلتزم بالقيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم

الآن، ومقابل موافقتها على التعهد بالامتثال إلى الاتفاق النووي مرة أخرى، تريد طهران أن يلتزم الاتحاد الأوروبي بشراء النفط منها أو منحها مليارات الدولارات في شكل قروض وخطوط ائتمان لتفادي تأثيرات حملة الضغط القصوى التي يتبعها ترامب.

وصل بوريل إلى طهران بجيوب فارغة ولا يستطيع تسليم ما يطلبه النظام الإيراني. من جهة أخرى، لا يبدو ترامب مستعدا للتراجع عبر تخفيف العقوبات قبل التوصل إلى اتفاق نهائي يلبي مطالب الإدارة الرئيسية الـ12. وتشمل هذه المطالب سماح إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى كافة المحطات النووية في البلاد، وأن توقف دعمها للمجموعات الإرهابية في الشرق الأوسط مثل حزب الله، وأن تنزع سلاح الميليشيات الشيعية.

كما لا ترغب البنوك الأوروبية وشركات الطاقة في مواجهة عواقب انتهاك العقوبات الأميركية، إذ يمكن أن يعطل ذلك وصولها إلى سوق الولايات المتحدة والنظام المالي العالمي.

ولهذا السبب، فشلت محاولات القادة الأوروبيين الذين سعوا إلى تشجيع شركاتهم على التعامل مع إيران. وخلال الأشهر الـ11 الأولى من سنة 2019، انخفضت واردات الاتحاد الأوروبي القادمة من طهران بنسبة 93 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من السنة التي سبقتها، حيث انخفضت من 9.3 مليار يورو إلى 648 مليونا.

وأبرزت البيانات نمطا مشابها في صادرات الاتحاد الأوروبي إلى إيران، حيث انخفضت بنسبة 52 في المئة من 8.5 مليار يورو في 2018 إلى 4.1 مليار في 2019. وتؤكّد هذه الأرقام فشل آلية المقايضة “إنستاكس” التي أنشأها الأوروبيون للتهرب من العقوبات الأميركية.

في شهر نوفمبر 2019، قالت إيران إنها دشنت مجموعة جديدة من أجهزة الطرد المركزي المتطورة لتسريع تخصيب اليورانيوم، وذلك في تقليص لالتزامها بالاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة منه. وتنتج أجهزة الطرد المركزي الإيرانية المزيد من اليورانيوم المخصب في وقت يقترب فيه حظر الأسلحة التقليدية الذي فرضته الأمم المتحدة عليها من انتهاء صلاحيته (في أكتوبر 2020). وتضعف هذه العوامل قدرة بوريل على إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة.

بالإضافة إلى ذلك، قد يحرر انتصار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الساحق وتحقيق خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي السياسة الخارجية البريطانية من مخاوف بروكسل التي تحاول تجنب الصدامات مع طهران. ومن دون دعم جونسون، لن يستطيع الفرنسيون والألمان التصرف في آلية حل النزاع.

 وبدلا من ذلك، ستطرح القضية على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث يمكن أن يقضي حق النقض (الفيتو) الأميركي أو البريطاني على الاتفاق النووي، ويمنع الأسلحة الروسية والصينية من التدفق إلى إيران مما يزيد من القيود المفروضة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية ويحظر تخصيب اليورانيوم على النظام.

تكمن أولوية واشنطن في وضع نهاية لخطة العمل المشتركة. وينبغي أن يواصل الرئيس ترامب استراتيجيته ويكثف الضغوط القصوى بالتعاون مع جونسون لتحقق آلية تسوية المنازعات أهدافها الأصلية التي صممت من أجلها.

6