تفكك قوى الثورة يربك المرحلة الانتقالية في السودان

متابعون يرون أن السودان أمام لحظة مصيرية لأن انفراط عقد تحالفات قوى الثورة قد يؤدي إلى إرباك المرحلة الانتقالية ويمكن أن يقع استغلاله من جانب جهات خارجية.
السبت 2020/02/01
العود محمي بحزمته ضعيف بمفرده

الخرطوم – استشعر رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك خطر الانقسام في جسم قوى الثورة على مسيرة المرحلة الانتقالية، بعد تباينات أحدثتها مظاهرات نظمها تجمع المهنيين الخميس للمطالبة باستكمال بناء هياكل السلطة الحالية.

ودعا حمدوك، في تدوينة على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إلى وحدة قوى الثورة بكافة مكوناتها، من أجل العبور بالبلاد إلى بر الأمان، مشددا على دعمه لمطالب المتظاهرين الذين خرجوا في مناطق متفرقة، ومشيدا بدور تجمع المهنيين في مسيرة الثورة السودانية.

وجاءت تدوينة حمدوك بشكل سريع عقب تكرار الدعوة لاندلاع المظاهرات وللتأكيد على ضرورة الوحدة ونبذ الفرقة وعدم الانجراف وراء حسابات سياسية غير دقيقة.

وتجد السلطة الانتقالية في السودان نفسها في مأزق حيال استكمال بناء مؤسسات الدولة، لأن هذا المطلب ترفضه الجبهة الثورية، الممثلة لغالبية الحركات المسلحة، وهددت بالانسحاب من مفاوضات جوبا حال الإقدام على تلك الخطوة.

وفي المقابل، هناك قوى عديدة داخل تحالف إعلان الحرية والتغيير تصر على هذا المطلب وتعتبره أمرا ملحا للإجهاز على العناصر التابعة لنظام الرئيس السابق عمر حسن البشير.

ويرى مراقبون أن عدم التجاوب الشعبي مع المظاهرات التي تمت الدعوة لها، والمواقف المختلفة للقوى المدنية المنضوية تحت لواء الحرية والتغيير، مؤشر خطير على تفكك جبهة قوى الحراك، وينذر باختراقها من قوى مناوئة تنتظر الفرصة للانقضاض على الثورة.

وتظاهر المئات من السودانيين الخميس في الخرطوم وعدد من المدن الأخرى، للمطالبة باستكمال هياكل السلطة الانتقالية في البلاد، وقدم تجمع المهنيين، أبرز مكونات قوى الحرية والتغيير، ثلاثة مطالب رئيسية للحكومة الانتقالية، هي: تعيين ولاة مدنيين بدلا عن العسكريين، وتشكيل المجلس التشريعي، وتشكيل المفوضيات الخاصة بالسلطة الانتقالية.

وأعلن حزب الأمة القومي، بزعامة الصادق المهدي، رفضه للخروج في المظاهرات، وناشد تجمع المهنيين بالعدول عن قرار المواكب المليونية للمطالبة باستكمال هياكل السلطة.

وانضمت لجان المقاومة، وهي تنظيم مدني ينضوي تحت لواء قوى الحرية والتغيير، لموقف حزب الأمة، وشككت في توقيت الخروج للشارع وأهدافه، وقاطعت المظاهرة.

وأكد القيادي بحزب الأمة القومي، حسن الإمام حسن، أن مظاهرات الخميس أظهرت الشرخ الموجود داخل قوى الحرية والتغيير إلى العلن، بعد أن رفض الشباب الاستجابة للمظاهرات، وأن الأمر كان بمثابة الصدمة على قيادات تجمع المهنيين الذين كانوا ينظرون إلى الشباب باعتبارهم وقود الثورة وحماتها ضد محاولات نظام البشير استعادة نفوذه مرة أخرى.

حامد التيجاني: الصراع الأيديولوجي قد يؤدي إلى انتكاسة المرحلة الانتقالية
حامد التيجاني: الصراع الأيديولوجي قد يؤدي إلى انتكاسة المرحلة الانتقالية

وأضاف في تصريح لـ“العرب” أن اختلاف مواقف الشباب وتجمع المهنيين ليس في صالح مكونات الثورة، وستكون له تأثيرات سلبية على المرحلة الانتقالية.

وبرأي العديد من المتابعين، فإن تنظيم مظاهرات ضد الحكومة الانتقالية تنقصه الكثير من الحكمة والموضوعية، لأنها مازالت بحاجة إلى الدعم لتخطي عقبة تثبيت أركان الدولة، الذي يحتاج إلى المزيد من التوافق بين جميع شركاء الثورة.

ولم تتوقف أطراف عديدة داخل قوى الحرية والتغيير عن المطالبة المستمرة بالإسراع في تعيين حكام الولايات الجدد وأعضاء المجلس التشريعي، واقترح تجمع المهنيين تكليف ولاة من المدنيين بصورة مؤقتة إلى حين الوصول إلى اتفاق سلام، وبعدها يتم تعيين ولاة آخرين، غير أن هذا الطلب لم يلق قبولا من جانب الحركات المسلحة.

وكان من المقرر الإعلان عن تشكيلة المجلس التشريعي في 17 نوفمبر الماضي، وفقا للوثيقة الدستورية الخاصة بالمرحلة الانتقالية، لكن تفاهمات تم التوصل إليها بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في ديسمبر من العام ذاته، أدت إلى تأجيل الخطوة لحين التوصل إلى اتفاق سلام شامل، يضمن مشاركة حاملي السلاح في السلطة.

وأرجأ عبدالله حمدوك زيارته التي كانت مقررة منتصف يناير إلى جوبا، والتي كانت ستناقش خلالها مسألة تعيين الولاة مع الحركات المسلحة، غير أن السلطة الانتقالية قررت إفساح المجال أمام ملف السلام الذي حقق تقدما إيجابيا على بعض المسارات، سعيا للتوصل إلى اتفاق نهائي منتصف فبراير، وهو الموعد المحدد للوصول إلى السلام في السودان.

وأوضح القيادي بحزب الأمة أن الحكومة الانتقالية ماضية في طريق السلام، وليست لديها رفاهية الوقت من أجل تغيير موقفها، لأن هناك استحقاقات سياسية واقتصادية عدة تترتب على مسألة التوقيع على اتفاق نهائي، وهي مطالبة أيضا بتسريع قراراتها وإجراءاتها لتحصين المرحلة الانتقالية من تهديدات فلول النظام القديم.

ويتفق البعض من الخبراء على أن السودان أمام لحظة مصيرية أخرى في تلك المرحلة، لأن انفراط عقد تحالفات قوى الثورة قد يؤدي إلى إرباك المرحلة الانتقالية وسوف يجري استغلاله بشكل موسع من جانب جهات خارجية، مثل قطر وتركيا، تقدم دعما سخيا لبقايا نظام البشير والظهور وكأنها طرف يساعد في حل الأزمات الاقتصادية والسياسية بالبلاد.

وأكد أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة في الجامعة الأميركية، حامد التيجاني، أن مسيرة تجمع المدنيين لم تحقق أهدافها لضعف الإقبال عليها، ما يعني أنها فقدت جزءا كبيرا من رأس مالها السياسي نتيجة سلوك قوى الثورة في إدارة الدولة خلال المرحلة الانتقالية، وأن عدم الاتفاق على قضايا الوحدة الوطنية والسلام والأزمة الانتقالية أفرز الوضع القائم حاليا.

وأضاف لـ“العرب” أن التركيز على التوظيف في المناصب والصراعات الأيديولوجية قد يؤدي إلى انتكاسات عديدة بالمرحلة الانتقالية، بجانب أن أداء الحكومة الانتقالية يتسم بالضعف حتى الآن، في ظل عدم الارتكان على الكفاءات والانخراط في اختيار شخصيات وفقا للانتماءات السياسية.

وأشار إلى أن تركيز القوى المدنية على المناصب من دون النظر إلى مشكلات الهامش والأطراف يعد تكرارا لسياسات النظام القديم، ويعيق الوصول إلى سلام شامل في الوقت المحدد، والمطلوب هو إعادة هيكلة الدولة بكل مؤسساتها عقب تحقيق السلام، بما في ذلك الحكومة الانتقالية الحالية، لضمان إعادة ترتيب أولويات الثورة.

2