نساء يلبسن بدلة الفضاء للسفر خارج مدار الأرض

لم يعد هناك مجال حكرا على الرجال للتباهي بقوتهم من خلاله أمام النساء، فالدفعة الجديدة من رواد الفضاء التابعة للناسا تضم ست نساء مقابل سبعة رجال، اجتمعوا من أصول مختلفة ليتدربوا سوية على المشاق استعدادا لسفر خارج مدار الأرض.
هيوستن (الولايات المتحدة) - عرفت ياسمين مقبلي بصلابتها عندما كانت تقود مروحية قتالية في أفغانستان حيث قامت بأكثر من 150 مهمة وقد أصبحت الآن أول رائدة فضاء أميركية من أصل إيراني.
ومقبلي هي خريجة معهد ماساتشوستس العريق للتكنولوجيا (أم.آي.تي) وميجور في سلاح البحرية الأميركية ولاعبة كرة سلة جامعية.
قالت بعد تخرجها من وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) إنها تأمل في أن تكون قدوة لآخرين من خلفيات مماثلة.
وانضمّ 11 أميركيا وكنديان بينهم ست نساء إلى صفوف روّاد الفضاء المخولين لإجراء رحلات إلى محطّة الفضاء الدولية، وربّما يوما ما إلى القمر أو المريخ، وذلك بعد انتهائهم من دورة تدريبية في الناسا امتدّت لنحو سنتين ونصف السنة.
وتعبّر الدفعة الجديدة عن النهج الذي تعتمده الناسا لزيادة التمثيل النسائي والتنوّع داخلها.
وأوضحت مقبلي، “أتمنى فعلا أن يتمكن الجميع من التأثر ببعضهم البعض، لكن من الأسهل أن تتأثر بشخص يشبهك أو لديه عوامل مشتركة معك لذا آمل أن يتوافر هذا التأثير”.
وقد ولدت مقبلي وشقيقها في ألمانيا حيث درس والدهما الإيرانيان الهندسة المعمارية بعدما فرّا من بلدهما عام 1979 مع قيام الثورة الإيرانية.
دفعة "السلاحف" تضم ست نساء وسبعة رجال، روّاد الفضاء المخولين لرحلات إلى محطّة الفضاء وربّما إلى القمر أو المريخ
إلا أن مقبلي ترعرعت في بالدوين بنيويورك لتتحول حياتها بعد ذلك إلى حلم كل مهاجر، ففي سن الخامسة عشرة انضمت إلى مخيم تدريبي على الفضاء معززة بذلك طموحها بالوصول إلى النجوم يوما ما.
وقد تخرجت من معهد “أم.آي.تي” مع شهادة في هندسة الطيران، إلا أنها أثارت قلق والديها عندما قالت لهما إنها تنوي أن تصبح قائدة طائرة عسكرية وهو طريق يمهد لوصول الطامحين إلى ريادة الفضاء.
وقد انضمت مقبلي إلى القوات العسكرية في العام 2005 بعد أربع سنوات فقط على هجمات الحادي عشر من سبتمبر وقد ساور والداها القلق حول ما قد تتعرض له ابنتهما بسبب تحدرها من أصول شرق أوسطية.
وأوضحت، “لكن بعد انضمامي حصلت على دعمهما الكامل” مشددة على أن دعم عائلتها ومن ثم شريك حياتها سام الذي اقترنت به قبل ثلاثة أشهر، هو سر نجاحها. وإثر انفراج قصير الأمد في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران خلال ولاية باراك أوباما، عاد التوتر ليرتفع بين البلدين في ظل الإدارة الأميركية الحالية.
فقد انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاقية النووية التي توصل إليها سلفه وأدرج إيران على قائمة دول لا يسمح لمواطنيها بدخول الولايات المتحدة.
وقد زاد قتل القوات الأميركية لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني من التشنج والتوتر، إلا أن مقبلي أكدت أنها لم تواجه أي مشاكل منذ انضمامها إلى القوات المسلحة. وقالت، “لم أشعر بأي طريقة من الطرق أن ثمة فرقا بالطريقة التي أعامل بها”.
وتحدثت عن صداقات أقامتها خلال مهمتها العسكرية وتدريباتها كرائدة فضاء وهي مشاعر متبادلة مع زملاء لها.
وخلال مراسم تخرج رواد الناسا، قال زميلها جوني كيك، إن مقبلي شخصية “صلبة يمكن الركون إليها” أي باختصار “الزميلة المثالية التي أختارها لأذهب معها إلى الفضاء”.
وجوني كيم هو عضو في وحدة النخبة ضمن مشاة البحرية الأميركية (سيل) حاصل على أوسمة وطبيب طوارئ.
وكان من بين خمسة أشخاص ملوّنين من بين 11 رائد فضاء تخرجوا من الناسا التي اختارتهم من ضمن 18 ألف مرشح وهو رقم قياسي.
وخلال حفل أقيم بمركز جونسون في هيوستن، أعلن مدير وكالة الفضاء الأميركية جيم برايدنستاين أن روّاد الفضاء المتخرّجين “قد يتمكنون يوما من المشي على سطح القمر كجزء من برنامج أرتميس، أو ربّما يكون أحد منهم من ضمن أوائل الذين سيطأون سطح المريخ”.
وتضمّ الدفعة الجديدة التي أطلق عليها اسم “السلاحف” ست نساء وسبعة رجال، لديهم سير ذاتية نموذجية، وهم ضباط عسكريون استثنائيون قاتل الكثير منهم في أفغانستان والعراق، بالإضافة إلى علماء ومهندسين وأطباء مؤهلين. في الواقع، تنطوي المجموعة على تنوّع غير مسبوق متألفة من أسماء هندية وإيرانية وآسيوية وإسبانية.
وفي مهامها كرائدة فضاء ستنهل مقبلي من خبرتها والتجارب القوية التي واجهتها كطيّارة تجارب وكقائدة طائرة قتالية، ولاسيما القدرة على التفكير السريع وتخفيض المخاطر الفريدة التي تشتمل عليها رحلات الفضاء.
لكن ما الذي يجعل الفضاء يستحق كل هذا العناء؟
قالت مقبلي، “من الأسباب التي جعلتني أعشق العمل في استكشاف الفضاء هو أنه مجال نتفق عليه جميعا ويوحدنا”، مشددة على التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة وروسيا في محطة الفضاء الدولية على مدى عقدين رغم العلاقات المشحونة بين البلدين أحيانا.
وأوضحت، “أظن أنه مجال تعمل فيه الدبلوماسية التي تكون غائبة في مجالات أخرى. وأظن أن لذلك تأثيرا”.
تضمّ الدفعة أيضا جيسيكا واتكينز الحاصلة على درجة دكتوراه في الجيولوجيا والتي عملت مع فريق “روفر مارس كوريوسيتي”.
لا تعدّ واتكينز رائدة الفضاء السوداء الأولى، إلّا أن قليلات سبقنها إلى ذلك، تقول واتكينز، “يتطلّب التغيير الثقافي والاجتماعي وقتا طويلا”،
مرحّبة بـ”الأولوية التي أعطتها الناسا للتنوّع”. ويروّج رئيس الناسا جيم برايدنستاين إلى “عودة” الوكالة بعد سنوات من الإحباط، بوجوه جديدة يطلق عليها اسم “جيل أرتميس”، ويعوّل عليها لتحقّق نجاحات مماثلة بـ”جيل أبولو”.
وأرتميس هو البرنامج الطموح للعودة إلى القمر بدءا من العام 2024، والذي يرجّح أن يكون البيت الأبيض قد فرضه. وفي الميتولوجيا الإغريقية أرتميس هي الشقيقة التوأم لأبولون (أبولو في الإنكليزية)، وآلهة الطبيعية البرّية والصيد، والقمر.
وتتضمّن أجندة العام 2020 عودة الرحلات المأهولة إلى محطّة الفضاء الدولية، بعد تسع سنوات من الهبوط الأخير للمكوك الفضائي الأميركي.
يشار إلى أن روّاد الفضاء الـ13 الجدد سيعيّنون للقيام بمهمّة أولى خلال بضع سنوات، ومن الأرجح أن تكون إلى محطّة الفضاء الدولية حيث يعيش ثلاثة روّاد فضاء أميركيين بشكل دائم. الرحلة الأولى إلى الفضاء لن تكون لهم، إذ ستخصّص هذه المهمّة باسم “أرتميس 3” إلى الجيل السابق.