الأراغوز مازال يرسم الابتسامة على وجوه المصريين

فن الأراغوز يصارع من أجل البقاء بعد أن كان يسلّي المصريين في شوارعهم وحاراتهم.
الجمعة 2020/01/03
من يكسب ينال تصفيق الجمهور

في ظل عصر الصورة التي دخلت البيوت المصرية عبر التلفزيون والإنترنت يصارع فن الأراغوز البقاء بعد أن كان يسلّي المصريين في شوارعهم وحاراتهم، وتسعى فرقة “ومضة” لتنظيم عروض أسبوعية للأراغوز الذي ينتقد السلطة والفاسدين والأقوياء من ذوي النفوذ ويرسم الابتسامة على وجوه المصريين.

القاهرة - تستمر دمية أراغوز المحركة بقفازات قماشية مع رأسها الخشبي وقبعتها المحنية وعينيها السوداوين الكبيرتين والشارب المرسوم بالألوان، في تجسيد روح السخرية من خلال تهكمها على الفاسدين ذوي النفوذ بعدما ابتدعها المصريون منذ القدم.

وفيما باتت الشاشات الرقمية تبث عروضا لا حصر لها على مدار الساعة، لا يزال عدد من فناني الدمى المصريين قادرين على انتزاع الضحكات من المشاهدين، والأطفال خصوصا، من خلال حكايات الأراغوز المتوارثة.

وخلف مسرح صغير مصنوع من القماش أقيم داخل بيت تاريخي في حي الجمالية في القاهرة، يطلّ الأراغوز على جمهوره بزيه الأحمر وبصوته الرفيع الحاد المتميز.

يسأل الأراغوز دمية تجسّد شخصية “الفتوّة” وهو رجل كان يفرض سطوته بالقوة على الأحياء القاهرية في النصف الأول من القرن العشرين، “ماذا تريد؟”.

ويرغب الفتوّة في خوض منازلة ليثبت أنه الأقوى ويصيح قائلا “من يكسب ينال تصفيق الجمهور”.

وينهال عليه الأراغوز ضربا قبل أن يزيحه عن المشهد ويقول منتصرا “انصرف” وسط عاصفة من الهتاف والتصفيق.

منذ عشر سنوات، تنظم فرقة “ومضة” كل أسبوع عروضا مجانية يحضرها قرابة 200 شخص في بيت السحيمي، وهو منزل قديم تم ترميمه وتحويله إلى مركز ثقافي.

وفي حين تستمر المهرجانات الريفية أو الأعياد الشعبية في تقديم عروض للأراغوز يقدمها هواة، فإن فرقة “ومضة” هي الوحيدة التي لا تزال تقدم الأراغوز بشكل احترافي.

يقول صبري متولي، أحد محركي الأراغوز القليلين الذين لا يزالون يحترفون هذا الفن ضمن هذه الفرقة، “وقعت في عشق الأراغوز وأنا صبي صغير”.

ويضيف أن فن الأراغوز الذي أدرجته اليونسكو في قائمة التراث العالمي غير المادي للبشرية العام 2018، “يلقى إعجاب الناس لأنه يمثّلهم” إذ أنهم يستطيعون من خلاله أن يتحدوا وأن ينتصروا على أعدائهم.

وفي أكتوبر الماضي، توفي أشهر محرك أراغوز في مصر وهو مصطفى عثمان الذي اشتهر باسم “عم صابر”، عن عمر يناهز 80 عاما.

وغالبا ما يقال إن شخصيات الأراغوز تجسد المجتمع المصري فهي ساخرة وعنيدة وسوقية أحيانا. ويواجه الأراغوز عادة الطغاة أو عناصر الشرطة أو الأعداء الأجانب ويدخل معهم في مبارزات كلامية مثيرة للضحك.

ويؤكد نبيل بهجت مؤسس فرقة ومضة أن “الأراغوز ينتقد بلهجة ساخرة أفعال الأقوياء ويقاوم الفاسدين ولكنه لا يتعرض لشخصيات أو قادة محددين في الحياة السياسية الراهنة”.

ومثل أبيه من قبله، يقدم متولى الذي يحرك دميتين (واحدة في كل يد)، مسرحياته الشعبية التي تنقل شفاهيا من جيل إلى جيل.

وهذه الطريقة في انتقال الفن تهدد بقاءه، بحسب متولي الذي يخشى أن يندثر الأراغوز مع انتشار العروض الحديثة والشاشات الرقمية.

ويشكل عدم وجود أيّ نص مكتوب السبب في أن أحدا لا يعرف أصل فن الأراغوز.

ويؤكد متولي أن “كل المسرحيات لا تحمل أسماء كتّاب”، موضحا أنه نجح في جمع 19 رواية شفوية لكي ينشرها في كتاب.

وكلمة الأراغوز نفسها باتت مثيرة للجدل فالبعض يؤكد أنها مستوحاة من مسرح الظل الذي كان موجودا في العصر العثماني ومعروفا باسم “كاراكوز” قي حين يقول آخرون إن الكلمة تعود إلى العصر الفرعوني.

ومع أن هذا الفن مهدد بالاندثار اليوم، استطاع الفنانون عبر العصور الحفاظ على الخصائص المميزة للأراغوز خصوصا صوته الرفيع الحاد الذي يتم الحصول عليه من خلال جهاز معدني صغير يوضع داخل الفم ويهتز تحت سقفه.

وخلال السنوات الأخيرة أصبحت كلمة أراغوز تستخدم كمسبّة عندما تُقال عن الشخص الذي يشبه المهرج في أدائه.

24