القاهرة تفتح نافذة الاستثمار في إدارة المتاحف

الحكومة المصرية تتعاون مع القطاع الخاص لإنشاء متحف في مدينة الغردقة.
الخميس 2019/12/26
رهان على القطاع الخاص للنهوض بالسياحة

فتحت القاهرة أبواب الاستثمار في إدارة المتاحف أمام القطاع الخاص في خطوة كبيرة لزيادة الإيرادات وتحرير إدارة الثروات التاريخية من البيروقراطية الحكومية وتحسين خدماتها، التي تعاني من الإهمال بسبب الإدارة العشوائية.

القاهرة - كثفت الحكومة المصرية من جهودها لإنعاش المتاحف التاريخية وتعظيم مواردها، وطرحت إدارة الكنوز والمناطق الأثرية للشركات الخاصة لإنعاش قطاع السياحة، وزيادة جودة الخدمات التي تسبب غيابها في التأثير سلبا على السياحة الثقافية.

وأعلن خالد العناني وزير الآثار المصري عن إسناد إدارة منطقة الأهرامات وأبوالهول لشركة أوراسكوم القابضة للاستثمارات التي تمتلكها عائلة الملياردير المصري نجيب ساويرس، من خلال عقد مدته 15 عاما.

وأضاف في تصريح خاص لـ”العرب” أن الوازرة تتبنى استراتيجية تعتمد على مشاركة القطاع الخاص في إدارة المناطق الأثرية والمتاحف لرفع جودة الخدمات المقدمة للسائحين، وزيادة موارد البلاد.

وبموجب عقد إدارة منطقة الأهرامات تقوم “أوراسكوم” بتنظيم وتأهيل المنطقة، التي تعاني قدرا من العشوائية، كاد يعصف بالمقصد السياحي الفريد الشاهد على أحد عجائب الدنيا.

ومن أهم معالم المنطقة، الأهرامات الثلاثة، خوفو وخفرع ومنقرع، وتمثال أبوالهول، ومراكب الشمس الفرعونية، وهي من أهم واجهات البلاد السياحية إلا أن تردي الخدمات وممارسات الباعة الجائلين وأصحاب الخيول والجمال، كانا من أسباب عزوف السياح.

ريمون نجيب: القطاع الخاص لديه أدوات تسويق بعيدة عن البيروقراطية
ريمون نجيب: القطاع الخاص لديه أدوات تسويق بعيدة عن البيروقراطية

ووفق عمليات التطوير المسندة للقطاع الخاص بمنطقة الأهرامات، يتم تأسيس مطعم دائم داخل منطقة الأهرامات على شكل خيمة عملاقة تتناسب مع طبيعة المكان الأثرية.

ومن المقرر أن تدير الخيمة شركات عالمية في مجال الفنادق، بما يضمن تقديم خدمات ترضي السائحين وتعزز الاستثمار في هذا المجال.

ويصل عدد المناطق الأثرية في مصر إلى نحو 145 منطقة، تتوزع على مختلف محافظات البلاد، ويزورها نحو 8 ملايين زائر منهم 3.4 مليون أجنبي ونحو 4.6 مليون مصري.

وقال العناني إن الوزارة تلقت عروضا من شركات خاصة لإدارة وتقديم الخدمات في قلعة صلاح الدين الأيوبي التي تقع في مواجهة جبل المقطم بالقاهرة ومنطقة باب العزب الملاصقة للقلعة، إلى جانب عروض لإدارة وتقديم الخدمات في معابد الكرنك وفيلة ووادي الملوك وأبوسمبل بجنوب مصر.

وهناك مناطق أثرية إسلامية وقبطية يصل عددها إلى نحو 37 منطقة يزورها نحو 1.8 مليون زائر منهم 198 ألف أجنبي ونحو 1.6 مليون مصري.

وشهدت مدينة الغردقة السياحية التي تقع على البحر الأحمر، الشهر الحالي، افتتاح أول متحف بالتعاون بين وزارة الآثار والقطاع الخاص، بنظام اقتسام الأرباح بالتساوي بين الطرفين، وتعد تلك الخطوة نقطة انطلاق جديدة للاستثمار في مجال المتاحف.

ويصل عدد المتاحف في مصر إلى نحو 72 متحفا للفن والتاريخ يزورها حوالي 4 ملايين زائر سنويا ويستحوذون على نحو 12.7 بالمئة من العدد الإجمالي لرواد سياحة التنزه في متاحف الفن والتاريخ والعلوم الطبيعية وحدائق الحيوانات والأسماك والنباتات والبالغ عددهم نحو 32.3 مليون زائر سنويا.

وأوضح جهاز الإحصاء المصري أن إيرادات متاحف الفن والتاريخ سجلت نحو 6 ملايين دولار، وهو رقم هزيل جدا لا يتناسب مع رصيد مصر من المتاحف والآثار عالميا.

وأشار الخبير السياحي ريمون نجيب، إلى أن إسناد إدارة المتاحف والمناطق الأثرية للقطاع الخاص في مصر، قرار صحيح، لأنه يعمل وفق خطط وقواعد منظمة بعيدا عن عشوائية وبيروقراطية الحكومة.

وأضاف لـ”العرب” أن القطاع الخاص يمتلك آليات الرقابة والمتابعة وقواعد التعامل مع رواد هذه الأماكن، فضلا عن القدرات التسويقية للمتاحف والمناطق الأثرية.

ويعد المتحف المصري الكبير الذي يقع جنوب غرب القاهرة على مساحة نصف مليون متر مربع ويفتتح في أكتوبر من العام المقبل، نموذجا للاستثمار الضخم بين الحكومة والقطاع الخاص.

ويقع المتحف في حضن أهرامات الجيزة، ويمكن زائريه من خلال حائطه الزجاجي العملاق الذي يبلغ ارتفاعه نحو 28 مترا من مشاهدة الأهرامات الثلاثة.

عائدات مالية كبيرة
عائدات مالية كبيرة

وتوقع وزير الآثار المصري أن يصل عدد رواد المتحف سنويا إلى نحو 8 ملايين زائر، ويضم فندقا مشيدا على الطراز الفرعوني، ونحو 8 مطاعم عالمية وقاعة للمؤتمرات الدولية تسع نحو ألف مشارك، لجذب سياحة المؤتمرات.

واحتفلت وزارة الآثار، الأسبوع الماضي، بنقل القطعة رقم 50 ألفا إلى المتحف الذي يعد أكبر متحف في العالم ويضم حوالي 100 ألف قطعة أثرية.

وأسست وزارة الآثار أول مصنع للمستنسخات الأصلية من الآثار المصرية، وسيقوم السياح بشراء مستنسخات من الآثار الفرعونية مكتوب عليها صنع في مصر، بدلا من استيراد المستنسخات من الصين.

وقال معتز رسلان، رئيس مجلس الأعمال المصري الكندي، إن مجال المتاحف يعد رافدا استثماريا جديدا على الساحة المصرية، من شأنه المساهمة في تدفق الاستثمار الأجنبي إلى البلاد.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن القاهرة تأخرت كثيرا في تلك الخطوة، فالمعارض الخارجية تلعب دورا مهما في تنشيط حركة السياحة الثقافية، وتتم بالتعاون مع القطاع الخاص الأجنبي.

وقامت وزارة الآثار بتنظيم معارض لكنوز الملك توت عنخ آمون، العام الحالي، في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وجذبت العديد من الزائرين.

وبلغ عدد الزائرين للمعرض في بريطانيا مثلا نحو 300 ألف زائر وفي فرنسا سجل حوالي 1.4 مليون زائر، وما يقرب من نصف مليون في الولايات المتحدة.

ورغم أنها تضم مجموعة صغيرة جدا من كنوز الملك الشاب الموجودة في مصر، إلا أن تلك الخطوة شجعت السياح من الدول الثلاث على زيارة القاهرة لرؤية باقي الكنوز.

ويصل عدد مقتنيات الملك توت عنخ آمون التي اكتشفت بمقبرته في البر الغربي بمدينة الأقصر في جنوب مصر نحو 5400 قطعة من الذهب.

ويعد التحدي الأكبر أمام الاستثمار في المتاحف، مدى إقبال الشعوب على زيارتها، وتتراجع تلك الثقافة في مصر بشكل ملحوظ، الأمر الذي يحتاج إلى رفع درجة الوعي بأهمية زيارة المتاحف لمعرفة التاريخ الصحيح للبلد.

يبدو النموذج الصيني من النماذج التي يشار إليها بالبنان، حيث يصل عدد زائري المتحف القومي الصيني المحليين نحو 3.8 مليون زائر جميعهم من المواطنين بسبب عشق ثقافة زيارة المتاحف.

10