سلطنة عمان تروي عطش السكان بمياه غالية التكاليف

كالعديد من البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يواجه قطاع المياه في عُمان تحدّيات متعدّدة، ومن بعض أهمها، شُحّ المياه، وتحلية المياه كثيفة الاستخدام للطاقة، وارتفاع الاستهلاك المنزلي للمياه، واستهلاك المياه الجوفية غير المستدامة في القطاع الزراعي، لذلك تحرص الحكومة على دعم الأبحاث التي من شأنها أن تقدم حلولا لهذه التحديات، وبناء على ذلك، أنشأت السلطنة العديد من المنصّات لتحلية المياه لمواجهة الكثافة السكانية المتوقعة.
صور (سلطنة عمان) - “لدينا مياه، وهذا أهم شيء”، يقول عبدالله الحارثي في ميناء مدينة صور في سلطنة عمان، الدولة الخليجية التي تعتمد بشكل كبير على محطات تحلية المياه.
لكن بالنسبة لعُمان ودول الخليج الأخرى، التي تحتل الصحارى مساحات شاسعة من أراضيها، فإنّ الحصول على المياه العذبة من البحر يأتي بتكلفة مالية وبيئية عالية.
وفي إطار سعيها لتغطية احتياجات السلطنة من المياه تقوم الهيئة العامة للكهرباء والمياه بتطوير استراتيجياتها وخططها لتوفير مياه الشرب في كل أنحاء السلطنة وتغطية احتياجات 98 بالمئة من سكان السلطنة من المياه، حيث تعمل الهيئة على تحقيق هذه الخطط والاستراتيجيات عن طريق توسيع خدماتها لتشمل كافة المدن والقرى التي تضطلع بتقديم خدمات المياه لها.
وفي صور، جنوب العاصمة مسقط، تتدفق المياه للسكان والشركات من محطة تحلية مياه كبيرة تزوّد حوالي 600 ألف شخص.
مقابل كل لتر من المياه العذبة المستخرجة من البحر أو المياه المالحة يُرمى لتر ونصف لتر من الطين المالح
وقال الحارثي “في الماضي، كانت الحياة صعبة للغاية. كانت لدينا آبار وكان يتم توصيل المياه بالشاحنات”، لكن “منذ تسعينات القرن الماضي، أصبحت المياه تمر عبر الأنابيب ولم يحدث أي انقطاع”. إلاّ أنّ هذه الإيجابيات، التي تستخدم وسائل الطاقة بكثافة متسبّبة بانبعاثات الكربون، ليست من دون تكلفة، لاسيما مع ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن العام 2019 قد يكون واحدا من أكثر ثلاثة أعوام حرارة في التاريخ، في حين كان عام 2016 هو الأعلى حرارة في التاريخ المسجّل حتى الآن، بسبب ظاهرة النينيو في المحيط الهادئ، تليه سنوات 2015 و2017 و2018.
وهناك تأثير آخر، حيث تقوم محطات تحلية المياه بإنتاج مياه مالحة عالية التركيز، أو ماء مملح، غالبا ما تتم إعادته إلى المحيط.
يقول الباحثون إن أكثر من 16 ألف محطة لتحلية المياه حول العالم تنتج مواد سامة أكثر مما تنتج المياه العذبة، ويشير هؤلاء إلى أن 5 بالمئة من انبعاثات الكربون العالمية سوف تأتي من تحلية المياه بحلول عام 2040.
في 2019، جاء في دراسة نشرتها مجلة “ساينس” أنّه في مقابل كل لتر من المياه العذبة المستخرجة من البحر أو المياه المالحة، يُرمى لتر ونصف لتر من الطين المالح في البحر أو على اليابسة.
ويرفع كل هذا الملح الزائد درجة حرارة المياه الساحلية ويقلّل من مستوى الأوكسجين الذي يمكن أن يتسبّب في “مناطق ميتة” بيولوجيا.
والمادة فائقة الملوحة أكثر سما من المواد الكيميائية المستخدمة في عملية تحلية المياه.
وينتج جيران عمان الجزء الأكبر من الماء المالح، إذ يأتي أكثر من النصف من أربع دول فقط هي السعودية بنسبة 22 في المئة، والإمارات بنسبة 20 في المئة، وبنسب أقل من الكويت وقطر، وفقا لبيانات الأمم المتحدة.
وبحسب معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة، فإن “إنتاج محلول ملحي في السعودية والإمارات والكويت وقطر يمثل 55 بالمئة من إجمالي الإنتاج العالمي”.
وقال المعهد إنّ هناك حاجة إلى استراتيجيات جديدة “للحد من الآثار البيئية السلبية وتقليل التكلفة الاقتصادية”، ما من شأنه أن يساعد على “حماية إمدادات المياه للأجيال الحالية والمستقبلية”.
في محطة صور، “لا مواد كيميائية تقريبا” خلال مرحلة ما قبل المعالجة، إذ يجري تدفق المياه بشكل طبيعي من خلال شقوق الصخور، حسبما يقول ماهيندران سيناباثي، مدير العمليات في شركة فيوليا الفرنسية التي تدير المصنع إلى جانب شركة عمانية.
وهناك طرق أخرى لحماية إمدادات المياه العذبة، من تشجيع عملية التوفير، إلى إعادة تدوير مياه الصرف الصحي.
وقال أنطوان فرير، الرئيس التنفيذي لشركة فيوليا، إن إعادة تدوير مياه الصرف الصحي ستساعد في حل مشكلة ندرة المياه.
وأشار أيضا، إلى أنّ “المياه المعاد استخدامها أقل تكلفة”، أي أقل بمقدار الثلث تقريبا من المياه المحلاة.
وتواصل السلطات العمانية تنظيم حملات تحث الناس على استخدام المياه بطريقة منظمة، مع مراعاة أن المطالب الأخرى، وخاصة قطاع الطاقة، تضغط لاستخدام كميات كبيرة من المياه.
وفي جميع أنحاء الخليج، يتم استخدام كميات هائلة من المياه ليس فقط للمنازل والحدائق وملاعب الغولف، ولكن أيضا لقطاع الطاقة الذي يعد مصدر ثروة المنطقة في الكثير من الأحيان.
وأشار تقرير من البنك الدولي نُشر في عام 2018 إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتضن 1 بالمئة من موارد المياه العذبة في العالم، وذلك رغم احتوائها على 6 بالمئة من سكان العالم.
على حافة الربع الخالي في شبه الجزيرة العربية، أكبر مساحة رملية في العالم، يقع حقل خزان للغاز الذي تديره شركة “بريتيش بتروليوم” وشركة النفط العمانية.
وقال ستيوارت روبرتسون، مدير العمليات في الموقع، إن الطريقة المستخدمة لاستخراج الغاز في هذه المنطقة تتطلب كميات هائلة من الماء.
ويتم توفير 6 آلاف متر مكعب من المياه من موقع لمياه جوفية على بعد 50 كلم.
ووفقا لتشارلز آيسلند من معهد الموارد العالمية، فإنّه كلّما جرى استخراج نفط أو غاز “كلما كانت هناك حاجة إلى ماء أكثر”.
وذكر أنّه “من المتوقع أن يحتاج الشرق الأوسط إلى المزيد من الطاقة (…) لذا فإن الوضع سيزداد سوءا”، لكنه استدرك “من ناحية أخرى، إذا تمكنوا من إنتاج الطاقة باستخدام تقنيات الطاقة الشمسية (…) فسيحدّ ذلك من المشكلة”.
وقال آيسلند “تحتاج فقط إلى بعض المياه لتنظيف الألواح الشمسية”، فمن حسن الحظ أن الأماكن التي تعاني من شح المياه هي ذاتها الأماكن التي لديها وفرة في الطاقة الشمسية.