سواتر الخداع

أينما تدق الأصوليات أوتاد خيامها، يحل الظلم وتهبّ الرياح المسمومة، ويجري الضحك على الذقون، باسم الفضيلة المزعومة والحكم الربّاني!
الأحد 2019/12/01
ثورة الفقراء

باتت محاولات تخليق انطباعات التقوى، كسواتر لممارسة الفجور، مكشوفة بافتضاح. الأمثلة كثيرة في حياة العرب والمسلمين في بعض بلدانهم. فحيثما تتلوّن الواجهات السياسية والاجتماعية، بمظاهر الاستقامة الدينية، وتطرح خطابا طهرانيا؛ ترصد المجتمعات المطلوب خداعها واعتصارها، خيوط الفسوق، وتتفتح العيون والأذهان على غرائب سلوك، يناقض تماما الخطاب اليومي المزعوم، ويتداول العامة حكايات صادمة تنفجر عن انحرافات فردية، وتكون لكل حكاية رموزها الضالة، التي طفت طويلا على السطح، في إهاب عناصر تأمر بالمعرف وتنهى عن المنكر. وهذا ما يحدث في مجتمعات وأوساط، غابت عنها الشفافية وتفشت التعمية على الحقائق، وغلب فيها الادّعاء بالنزاهة والخُلق القويم. فقد كان للجماعات التي تحكم باسم الدين، النصيب الأوفر من حكايات الافتضاح.

إن أخطر أشكال الانحراف وأفدحها، هي تلك الموصولة بمنظومات الحكم الديني وأصولياته التي تطرح نفسها حارسة للفضيلة، طلبا للمديح والتأييد، ودفعا للذم وتسويغا للهيمنة. لكن هذه حصرا، سرعان ما ينكشف زيفها، وأنها تعمدت الخلط في تفسير الحديث النبوي القائل “إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده”. فالمال الحلال نفسه، لا يحبّ الله أن يرى أثره على الإنسان استرسالا في التنعم الظاهر والباذخ، ويحب أن يرى الأثر في الصدقة وعمل الخير ونظافة اليد واللسان والثياب. والرسول الكريم نفسه، نهى عن إظهار البذخ وسمّاه التنعّم، ودعا إلى الزهد وقال “إياكم والتنعّم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعّمين”!

الأشخاص الذين يوصفون بكونهم مرجعيات دينية لسلطات حاكمة أو مؤثرة في الحكم والسياسات؛ لا يعرفون الزهد ونظافة اليد، ولا يكفّون عن الاغتراف من مقدّرات الفقراء ولا عن الفُحش في الإنفاق والتنعّم خصما من خبزهم. ويتطيّر هؤلاء من فكرة القانون والمساءلة ووضع النقاط على الحروف. وفي الوقت نفسه لا يكفّون عن تسفيه القانون بمفردات دينية، فيسمونه وضعيا، بالمعنى المرذول، كأنما هو ضد رب العالمين وضد العدالة، على افتراض أن العدالة لا تفارق قلوبهم وألسنتهم.

جشع نفوسهم أعمى بصائرهم، فلم تخطر على أذهانهم فكرة انفجار المجتمع أو ثورة الفقراء. وعندما تنفتح بطون الأوطان، وتستحيل إعصارا، ويخرج الحزانى عن أطوارهم، وقد أرهقتهم الفاقة وعذابات الحياة؛ سرعان ما يتهمونهم بالمروق والتواصل مع جهات أجنبية كافرة وخبيثة. ويظل هؤلاء عاجزون عن فهم الدروس وعن القراءة الصحيحة للنتائج التي آلت إليها تجارب الغلوّ وخلق النعرات ومحاولات فرض الوصاية على الدين والإيمان.

أينما تدق الأصوليات أوتاد خيامها، يحل الظلم وتهبّ الرياح المسمومة، ويجري الضحك على الذقون، باسم الفضيلة المزعومة والحكم الربّاني!

24