"عصابات عربية" تسيطر على عالم الجريمة في برلين

عند الحديث عن الجاليات العربية في أوروبا، وفي مختلف أنحاء العالم، غالبا ما تتصدر المشهد صورة المغتربين غير القادرين على الاندماج أو أقلية نجحت في أن تقطع طريقها بشكل لافت، فيما ترتبط الصورة الأخرى بالإرهاب والإسلاموفويا، لكن نادرا ما يسلط الضوء على نوع آخر من المهاجرين، الذين “نجحوا” في أن يفرضوا أنفسهم في مجتمعات الهجرة، لكن بشكل سلبي، وهم من تطلق عليهم السلطات الألمانية اسم “العشائر الإجرامية” و“العصابات العربية”.
برلين – أثارت قضية إبراهيم ميري، أحد أباطرة الشبكات الإجرامية العربية الناشطة في ألمانيا، الكثير من الجدل، وسلطت الضوء على علاقات ما يسمى بـ”العشائر الإجرامية” بشبكات الهجرة غير الشرعية، وأثارت تساؤلات حول كيفية سماح شرطة برلين لهؤلاء بالاستخفاف بالقانون لفترة طويلة في دولة ذات معدل جريمة منخفض بشكل عام. جرى ترحيل إبراهيم ميري إلى لبنان، في يوليو الماضي، إلا أنه نجح في العودة إلى ألمانيا بشكل غير شرعي وتقدم بطلب للجوء مبررا عودته “بأنه لا يشعر بالأمان في لبنان” وأنه “مهدد بالقتل من قبل ميليشيات شيعية”.
رفضت السلطات الألمانية طلبه وأعادت ترحيله، يوم 23 نوفمبر 2019، إلى بيروت، إلا أن الكثير من الألمان يتوقعون أن يعيد الكرة ويدخل مرة أخرى إلى ألمانيا مستغلا علاقته بشبكات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين.
تشكل “العشائر الإجرامية” مجتمعات موازية وهي من أخطر جماعات الجريمة المنظمة في ألمانيا. وكثيرا ما تحفل الصفحات الأولى من الصحف المحلية بعملياتها التي تعتبر جريئة مثل السطو وتشغيل المومسات وتهريب المخدرات وتجارة السلاح والقتل بناء على الطلب واستعراض القوة. بالإضافة إلى الأنشطة غير المشروعة، تمتلك هذه العائلات بعض المشاريع المشروعة في برلين وفي مدن أوروبية أخرى.
المهاجرون الجدد أصبحوا ينافسون العشائر العربية-اللبنانية المقيمة في ألمانيا منذ فترة طويلة ويضعونها تحت ضغط
ذكر رئيس المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية، هولغر مونش، أن السلطات تراقب عن كثب التطورات الجديدة في نشاط العشائر الإجرامية.
وأشار مونش في وثائقي لشبكة “أي.آر.دي” الألمانية الإعلامية بعنوان “بلد الغنيمة – أعمال بالملايين لعشائر إجرامية” إلى أنه حتى إذا لم تكن هناك هياكل ثابتة لهذه العشائر، فإن التحقيقات التي تُجرى في جرائم منظمة لعشائر تُظهر عددا متزايدا “للمهاجرين المشتبه في تورطهم في جرائم ذات الصلة بهم”.
جاءت هذه العائلات القوية خلال الحرب الأهلية (1990-1975). في تلك الفترة لم تكن ألمانيا تعتمد أي سياسة لدمج المهاجرين.
وتتعرض شرطة برلين لانتقادات بسبب إهمالها لهذه المشكلة منذ وقت طويل، الأمر الذي يلقي الباحث رالف غضبان باللوم فيه جزئيا على “الخوف من الوصم والتمييز ضد بعض الأقليات”. وفي الأشهر الأخيرة، بدأت السلطات بالرد من خلال تكثيف الغارات خاصة في حي نيوكولن في برلين.
والخطر اليوم، وفق السلطات الألمانية يكمن في جانبين، الأول عمل هذه العشائر على تجنيد اللاجئين.
هؤلاء اللاجئون مفيدون بشكل خاص بالنسبة لهذه الأسر العربية بسبب وجوههم الجديدة غير المعروفة للشرطة الألمانية. إن هؤلاء الوافدين الجدد الذين تحولوا إلى مجرمين مستعدون للمخاطرة من أجل خدمة عائلات الجريمة حتى يتجنبوا ترحيلهم. وحتى بين أفراد هذه العائلات، يمكن أن تبدأ المعارك بسهولة.
وإلى جانب تجنيدهم، تتحول أزمة اللاجئين إلى مصدر ثروة ضخمة لهذه العائلات من خلال تأجير وبيع مراكز “اللاجئين”. وفي أواخر العام 2015، كشفت شرطة برلين أن عصابات الجريمة من العرب “تحقق ثروة كبيرة” من خلال تأجير مساكن للحكومة الألمانية لاستخدامها كمراكز لجوء بأسعار. ويشير تقرير نشره موقع فانينس تويتر، إلى أن مجال تأجير مراكز اللاجئين أصبح “أكثر ربحية من تجارة المخدرات”. حيث كانت هذه العائلات تشتري العقارات وتؤجّرها لطالبي اللجوء بأسعار مبالغ فيها وهي طريقة سهلة لغسل الأموال.
ويكمن الخطر الثاني، وفق رئيس شرطة مدينة إيسن، فرانك ريشتر، في أن المهاجرين أصبحوا ينافسون العشائر العربية-اللبنانية المقيمة في ألمانيا منذ فترة طويلة ويضعونها تحت ضغط. وذكر ريشتر أنه بينما كان مهاجرون من العراق ينشطون لفترة طويلة فقط كمروجين للمخدرات لصالح العصابات القديمة، نرصد الآن مجموعات جديدة تحاول تصدر هذا المجال.
ويخشى ريشتر من حدوث نزاعات بين العشائر القديمة والمجموعات الحديثة، موضحا أن بعض هذه المجموعات من المهاجرين الجدد لديهم “خبرات قتالية”. وقال ريشتر في وثائقي “أي.آر.دي”، “هذا سيكون بالطبع نوعية (نشاط إجرامي) مختلفة تماما عمّا لدينا حاليا”.