تأهيل أسر مرضى الزهايمر يخفف عنها عبء المسؤولية

رعاية المريض تتطلب مهارات في إدارة الحياة اليومية وإيجاد حلول للمشكلات الجديدة التي تطرأ كل يوم وتزداد خطورة بتقدم المرض.
الثلاثاء 2019/11/26
وجود العائلة ودعم أفرادها يقللان من عدوانية مرضى الزهايمر

تنتاب عائلات مرضى الزهايمر مشاعر الخوف والإحباط والغضب نظرا إلى صعوبة التعامل مع المريض الفاقد للذاكرة. ويصبح العبء أثقل عندما تجد العائلة نفسها عاجزة لوحدها عن مجابهة التكاليف الاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية للمرض.

يعاني مريض الزهايمر، عادة، من اضطرابات تجعله أشبه بطفل في سنوات عمره الأولى، لذلك تتطلب متابعته مجهودات مضاعفة قد تقتضي في بعض الأحيان خضوع أفراد أسرته وأقاربه لتأهيل نفسي ومعرفي بأدق تفاصيل المرض وحتى قانوني كي تسهل مهمة رعايته.

سليمة ذات الأربعين عاما والقاطنة بمنطقة رواد من محافظة أريانة توفي والدها منذ حوالي ثلاثة أشهر وكان يعاني من مرض الزهايمر الذي تم اكتشافه في مرحلة متقدمة.

تقول سليمة لـ”العرب” انتقلت عائلتي من محافظة توزر بالجنوب التونسي إلى العاصمة منذ أن أعلمنا الطبيب بأن أبي مصاب بالزهايمر حتى يكون قريبا منا ومن مراكز العلاج، مشيرة إلى أنها اضطرت إلى الانقطاع عن العمل كي تساعد والدتها في الاعتناء بأبيها لأن حالته كانت تزداد سوءا يوما بعد يوم، مما كاد أن يتسبب لها في مشاكل مع زوجها الذي اضطرته ظروف العمل إلى مغادرة العاصمة.

وتضيف، لم يكن باستطاعة والدي أن يقضي حاجته البشرية بمفرده ولا حتى أن يأكل دون أن يلقي ببقايا الطعام على ملابسه، فهو قد نسي حتى كيف يمضغ الطعام. هذا إضافة إلى أنه كان كثير الصراخ ودائم النسيان. لقد كان والدي ينسى أنه تناول طعامه، وكان دائما يصر على أنه جائع وعلى أننا لم نحضر له غداءه، مما سبّب لنا إحراجا مع الجيران في الكثير من الأحيان.

مريض الزهايمر يعاني من اضطرابات تجعله أشبه بطفل في سنوات عمره الأولى، لذلك تتطلب متابعته مجهودات مضاعفة

وتذكر سليمة كيف أن والدها لم يعد يتذكرها ولا أفراد أسرتها، وكيف أن الدواء الذي كان يتناوله لم يكن ناجعا في القضاء على حالة النسيان التي تنتابه ولا على إعادته إلى سالف حيويته التي كانت تميزه.

ويؤكد رئيس قسم الأعصاب ومركز الزهايمر بمستشفى الرازي رياض قويدر، أن الدواء الذي يتناوله مرضى الزهايمر لا يقضي على المرض وإنما يحدّ من تطوره، مشيرا إلى وجود 60 ألف حالة إصابة بالزهايمر في تونس.

وقال قويدر في تصريح لإحدى القنوات الخاصة “إن تونس مهيأة لتسونامي من الزهايمر باعتبارها أقدم بلد في أفريقيا من حيث العمر”، مشيرا إلى أن حالة من 4 من المصابين بالزهايمر تبلغ من العمر 90 سنة. وأكد أن تونس متأخرة ثلاث سنوات على مستوى التشخيص المبكر للمرض.

ومن جهتها تؤكد ألفة أن جدها المتوفي منذ زمن كان مصابا بالزهايمر، ولكن الأطباء لم يستطيعوا في تلك الفترة أن يشخصوا المرض مما زاد في تعميق شعورهم بالمسؤولية.

تقول لـ”العرب”، “منذ طفولتي كنت أرى جدي إنسانا مختلفا، فهو يحدثنا عن أشخاص لا نعرفهم وينادينا بأسماء ليست أسماءنا”.

لقد كان جدي يتحدث في غرفته مع أشخاص غير موجودين سوى في ذاكرته التي فقدها تدريجيا ومنهم المقيم العام الفرنسي الذي كان موجودا في تونس زمن الاستعمار، هذا إضافة إلى استحضاره لنساء كان يعرفهن قديما، فكنا نضحك أحيانا ونبكي أحيانا أخرى لأننا نبقى عاجزين عن جعله شخصا مثلنا”.

وتضيف، لا يمكننا ترك جدي بمفرده في غرفته أو في المنزل خشية أن يقوم بأعمال خطرة، فمريض الزهايمر يمكن أن يؤذي نفسه دون أن يشعر بذلك.

إحاطة نفسية منقوصة للمريض
الإحاطة النفسية بالمريض ضرورية

وتردف “ولأن جدي كان مقعدا أيضا ولا يقدر على  المشي، كان يمتلك كرسيا متحركا.. وذات ليلة وفي غفلة من كل أفراد العائلة تمكّن من الخروج وسار بمفرده في الطريق، ومن ألطاف الله أننا تفطنا إلى ذلك وقمنا بإرجاعه إلى المنزل وإلا لكان ضاع ولم نتمكن من العثور عليه”.

وتشير ألفة إلى أن جدها كان مدخنا لكن لم يكن بمقدوره إشعال سيجارة لأن يديه كانتا ترتعشان، وإذا سقطت السيجارة يمكن أن تلحق به الأذى ويمكن أن تتسبب في حريق بكامل الغرفة. فكانت أختها هي من تقوم بذلك في ظل غياب إخوتها الذكور عن المنزل، كما كانت أمها هي من تتولى العناية بجدها في كل ما يتعلق بالمأكل والملبس والتنظيف، وهو ما يتطلب منها جهدا مضاعفا.

وتؤكد أن كل جهود العائلة كانت مركزة على فرد واحد وهو جدها المتقدم في السن والذي كان دائم التشنج والغضب والصراخ، مما يجعل أفراد العائلة لا ينعمون بالنوم حتى في ساعات متأخرة من الليل.

أما جميلة ذات الـ45 سنة فهي لم تستطع العناية بمفردها بأمها المطلقة، مما اضطرها إلى إيداعها بمركز لرعاية مرضى الزهايمر مقابل معلوم شهري يساوي 600 دينار أي ما يعادل 211.08 دولار.

وتقول جميلة لـ”العرب”، وهي تجاهد دموعها، “لا أعلم الكثير عن هذا المرض وأبقى عاجزة وحدي عن فهم حالة أمي التي أقوم بإخراجها من المركز كل نهاية أسبوع حتى نقضي الإجازة معا، لذلك اضطر إلى الذهاب إلى إحدى الجمعيات كي أحصل على مساعدة وتأهيل وحتى أفهم حالة أمي جيدا فأساعدها في فهم بعض التفاصيل الدقيقة للمرض”.

وتضيف، لست مطمئنة على أمي في ذلك المركز وحالما أتمكن من العثور على من يساعدني في العناية بها سأعيدها إلى البيت، ففكرة الملحق التدريبي تبدو جيدة ويمكن أن تخفف العبء عن أهالي مريض الزهايمر.

رعاية تأهيلية يومية للمرضى
رعاية تأهيلية يومية للمرضى

وتؤكد جميلة أنها سمعت كثيرا عن الملحق التدريبي الخاص بمساعدي رعاية مرضى الزهايمر الذي يسمح لعائلات المريض بالاعتماد عليه والانتفاع بخدماته ويكون ملما بجميع جوانب العناية بهذا المرض، لكنها لم تتمكن من الوصول إليه.

ومن جهتها تؤكد ليلى علوان، مديرة جمعية الزهايمر بتونس (غير حكومية)، أنه تم إطلاق فكرة الملحق التدريبي الخاص الذي يساعد أسر المرضى على العناية بمرضاهم ببادرة من الجمعية.

و أشارت إلى أنه تم الاتفاق مع مركز مختص في التكوين المهني في المجال الصحي، من أجل إنجاز برنامج تدريس يعتمد على البرنامج الفرنسي لتكوين القائمين على رعاية مرضى الزهايمر مع الأخذ بالاعتبار الفوارق بين المجتمع التونسي والمجتمع الفرنسي، ومع التزام المركز باحترام القواعد الاجتماعية والثقافية والدينية للمجتمع التونسي.

ولفتت إلى أن رعاية مريض الزهايمر لا تقتصر على الجانب البدني فحسب بل تتطلب أيضا مهارات في إدارة الحياة اليومية وإيجاد حلول للمشكلات الجديدة التي تطرأ كل يوم وتزداد خطورة بتقدم المرض.

وقالت علوان لـ”العرب” إنهم لاحظوا أن المحيطين بمرضى الزهايمر يجيدون العناية بهم من حيث المأكل والملبس والتنظيف لكن من الناحية النفسية تبدو الإحاطة بهم منقوصة، مشيرة إلى أن ذلك يمكن أن يولّد عنادا وحتى عنفا لدى المريض. وهو ما جعلهم ينظمون دورة تدريبية شارك فيها العديد من الملحقين التدريبيين الذين تم تكوينهم بصفة مجانية.

كما بادرت الجمعية باقتناء أساور (غير إلكترونية) تحمل الرقم الخاص للجمعية ورقم هاتف المريض المدون لديهم في سجلاتهم، وفي صورة ضياع أحد المرضى يكون السوار الذي يحمله بمثابة المنقذ له من الضياع.

العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي يساعدان في تهيئة وتعزيز البيئة المحيطة للمريض
العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي يساعدان في تهيئة وتعزيز البيئة المحيطة للمريض

وعن دورهم في توعية أهالي المرضى وتأطيرهم، تقول علوان إن الجمعية تتلقى يوميا اتصالات من أسر المرضى وتستقبلهم فرادى أو مع المريض إذا كان في مراحل مرضه الأولى.

وتشير إلى أن العائلة تستشيرهم في كيفية رعاية المريض، خاصة إذا كان أحد أفرادها غير موافق على الطريقة التي تتم بها معالجته.

وأكدت علوان أنها تستقبل العائلات مرفوقة بأعضاء الجمعية ومستشار في الشؤون القانونية ومحام يشرح لهم كيفية التصرف إذا كان المريض قد أصدر شيكات أو أمضى على وثائق دون علمهم. هذا إضافة إلى الإجابة عن الأسئلة الطبيعية المتعلقة بحالة مريض الزهايمر مثل الخروج وحيدا من المنزل وقلة النوم أثناء النهار والتبول اللاإرادي.

ومن جهته أكد الأخصائي في العلاج الطبيعي عثمان القصبي أهمية  خدمات العلاج الطبيعي والوظيفي وعلاج علل النطق والتخاطب للمصابين بالزهايمر والخرف ولأسرهم ومرافقيهم في مختلف مراحل المرض.

وبيّن الأخصائي أن العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي يساعدان في تهيئة وتعزيز البيئة المحيطة للمريض، بهدف تعزيز أدائه مع توفير الحماية والأمان.

وأشار إلى أن التعديلات في البيئة مثل وضع اللافتات على باب الحمام والملصقات التعريفية على الأدراج لتحديد أماكن الملابس، مثلا، تسمح للشخص الذي يعاني من الخرف بالقيام بوظائفه بأفضل مستوى ممكن.

فكرة الملحق التدريبي تخفف العبء عن أهالي مريض الزهايمر
فكرة الملحق التدريبي تخفف العبء عن أهالي مريض الزهايمر

وقال “إن التدريبات التأهيلية لهذه الفئة سهلة جدا ومن الممكن أن يفهمها طفل من المقربين للمريض ويقوم بتطبيق بعض من جوانبها شرط أن يتم تقديم رعاية تأهيلية يومية للمرضى وتدريب المقربين في الأسرة وتهيئة البيئة بشكل مناسب لهم.

 وأضاف أنه في المراحل المتوسطة من المرض تكثر التحديات السلوكية عند مساعدة المريض على الاستحمام وقضاء الحاجة واللبس وتناول الطعام، لذلك يقوم أخصائي العلاج الوظيفي بإعطاء تعليمات للمقربين من المريض بخصوص مساعدته على القيام بتلك المهام اليومية بطريقة آمنة وبأقل قدر ممكن من الضغط النفسي على المرافق.

ويظل علاج المصابين بالزهايمر ورعايتهم أمرا مكلفا في مختلف دول  العالم. وأكد تقرير لمنظمة الصحة العالمية، بعنوان “الخرف: إحدى الأولويات الصحية العمومية”، أن تكاليف الرعاية حاليا، تبلغ أكثر من 604 مليارات دولار أمريكي سنويا. ويشمل ذلك المبلغ التكاليف المرتبطة بتوفير خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية، وكذلك انخفاض أو ضياع دخل المصابين بهذا المرض والقائمين على رعايتهم.

وأشار التقرير إلى أن ثمانية بلدان في جميع أنحاء العالم فقط يمتلكون حاليا برامج وطنية تمكّن من التصدي للخرف. وأوصى بأن تركّز البرامج على تحسين التشخيص المبكّر وإذكاء الوعي العام بالمرض والحدّ من الوصم المرتبط به وتوفير رعاية أفضل والمزيد من الدعم  للقائمين على رعاية المرضى.

17