المعارضة السورية أمام مفترق طرق في ظل انتقادات لأدائها

تقول المعارضة السورية إن المجتمع الدولي خذلها، وأنّ النظام السوري رفقة حلفائه أفشلوا مؤتمر جنيف 2، فيما تمنع الدول الصديقة لسوريا الأسلحة النوعية عن الثّوار، فماذا تبقى للمعارضة لتفعله في المرحلة المقبلة؟
تزداد الأزمة السورية تعقيداً وانسداداً، وذهب التشاؤم بالعديد من السوريين حدّ القول بأنّ الحرب التي تعصف ببلدهم “لا نهائية”، وتبدو المعارضة السورية قليلة الحيلة لوضع حدّ لهذه الحرب، كما تقول إن المجتمع الدولي خذلها، ومعه بعض الدول العربية؛ فلا قدّم سلاحاً نوعياً، ولا ضغط بما يكفي على النظام السوري وحلفائه للقبول بتسوية سياسية كانت قد رسمتها الأمم المتحدة من خلال “إعلان جنيف 1″.
تخاذل دولي
لم ينتج التعقيد عن (الخذلان) الدولي فقط، بل دعّمه فشل مؤتمر جنيف 2، وتشرذم وتعدد القوى الثورية المقاتلة وعدم توحّد المعارضات السياسية، وكذلك دخول تنظيمات مرتبطة بتنظيم القاعدة إلى قلب الحدث السوري، فماذا بقي للمعارضة السورية كي تقوم به في المرحلة المقبلة؟ أم أنّ اليأس ومراوحة المكان هما صفة هذه المرحلة.
من هذا المنطلق رأى بدر جاموس، الأمين العام لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، في حديثه مع “العرب”، أنّ هناك الكثير ممّا يمكن للمعارضة السورية عمله على الرغم من كل التخاذل الدولي والإخفاقات التي شهدها الملف السوري، حيث قال “مازلنا مع الحل السياسي للأزمة السورية.
حكم الفيدراليات الذي يكرس التقسيم، هو ما يروج له النظام رفقة مؤيديه من الروس والإيرانيين
لكن أمام جملة الظروف الدولية وفشل مؤتمر جنيف 2 ووجود عجز دولي على إجبار النظام لكي يقبل بالتسوية السياسية وفق إعلان جنيف وتشكيل هيئة حكم انتقالي، بقي أمامنا مشروع عسكري، يقضي بتوحيد قوى الثورة على الأرض من خلال حكومة مؤقتة، وسنعمل ذاتياً مع أصدقاء الثورة على فرض حظر جوي على مناطق شمال سوريا حتى تستـــطيع الحكومة المؤقتـــة أداء مهامها وفتح المدارس ومنع تهجير السوريين الموجودين في الداخل، وإعادة ملايين اللاجـــئين الفارين إلى الأراضي اللبنانية والأردنية والتـركية”.
وعن حالة الكر والفر العسكرية التي تعيشها المعارضة السورية مع قوات النظام، وصعوبة انتصار المعارضة المسلحة كلياً، قال “صحيح، أننا نخسر عسكرياً في بعض المناطق، ولكننا نكسب الكثير في مناطق أخرى، وانتصارات الثوار على الأرض خلال الأسبوعين الماضيين كانت ممتازة في منطقة الساحل ومناطق حلب، وستستمر هذه الانتصارات بكل تأكيد”. تتالت الانتقادات الموجهة لأداء المعارضة السورية السياسية مؤخرا، بعد فشل أغلب المبادرات الدولية في إنهاء الأزمة السّورية الّتي تدخل عامها الرّابع، دون وُضوح حلّ في الأفق يُنهي مأساة الشعب السوري.
|
ويُؤخذ على المعارضة السورية عدم تبنيها لموقف سياسيّ موحّد في وجه النظام السوري المستفيد من الانقسامات الحاصلة في الرؤى حول الأزمة التي تعيشها سوريا. وقد أعرب عبدالرزاق عيد، رئيس المجلس الوطني لإعلان دمشق المعارض في المهجر، في هذا الصدد، عن تشاؤمه من أداء ائتلاف المعارضة السورية، قائلا “رغم أن معظم أعضاء الائتلاف عاشوا في الغرب، لكنهم ظلوا أسرى لثقافة الأنا العربي، فهم يُصرّون على أنّهم منتصرون ويحققون مكاسبا للثورة السورية، يتناسون أنّ العقل الغربي الحداثي تأسّس على مفهوم النقد والنقد الذاتي، واكتفوا بالحديث عن الإنجاز والمكاسب، لأنّ الحديث عن الفشل قد يعني خسارتهم لمناصبهم”.
وعن إمكانية التشاركية في الحكم مع البعض من شخصيات النظام وضرورة المصالحة الوطنية، قال عيد “لم يُبق نظام القتلة الأسدي حيزاً للمشاركة إلاّ وقوّضه وأغرقه بالدّم. وحتّى هذه الصيغة الّتي تبناها المجتمع الدولي لم يوافق عليها الأسد الّذي أَلِفَ القتل”.
انتقادات للمعارضة السورية
من جهته، انتقد وائل ميرزا، القيادي في ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، أداء الائتلاف، وأقرّ بوجود حالة إحباط تسبّبت فيها المعارضة السورية بشكل عام، واستبعد تجاوزها على المدى المنظور، حيث قال في تصريح لـ “العرب”، “بصراحة وشفافية، لا يوجد في الأفق القريب ما يوحي بأن المعارضة ستقوم بنقلة نوعية، فهناك حاجة لمراجعة كبرى للهياكل والأشخاص والأفكار بعد ثلاث سنوات من الثورة. فلقد آن الأوان لوجود جسم يليق بهذه التجربة الطويلة وبتضحيات السّوريّين، ولكنّ هذا يجب أن تحدث هذه الخطوة بشكل مدروس وهادئ، وفق مشاورات شاملة، وبعيداً عن أيّة مُهاترات أو استعجال”.
وحول ما يمكن للمعارضة السورية أن تقدّمه لإعادة معايير الدولة الحديثة إلى سوريا بعد كلّ الدمار الذي خلفته الحرب، قال أسامة قاضي، مساعد رئيس الحكومة المؤقتة والرئيس التنفيذي لوحدة تنسيق الدعم التابعة للائتلاف لـ “العرب”، “إنّ وزن سوريا السياسي والاقتصادي المستقبلي رهنٌ بوحدة أراضيها وبسط الأمن وسيادة القانون والفصل الفعلي بين السلطات ووجود إدارة مهنية احترافية للبلاد، ذات رؤية استراتيجية تؤمن بالشراكات مع العالم ولا تفتعل الأزمــات.
إنّ هذه العوامل ستقصّر زمن إعادة إعمار سوريا بعد انتهاء الأزمة”، أمّا بالنسبة إلى الحاضر، وخاصّة في ظل ازدياد حدّة الخلافات الطائفية والإثنية، قال قاضي، “الاحتقان الطائفي والإثني سيُصيب الثورة، ومن بعدها عملية التنمية وإعادة الإعمار في المقتل، وينذر بكارثة تؤثر على حاضر ومستقبل سوريا”.
وتابع “سنعمل في المعارضة على تفعيل برامج السلم الأهلي وتعميم ثقافة العدالة الانتقالية وتطبيقها ونشر الأمن وإيجاد مشاريع اقتصادية في أماكن التوتر، لتخفيف الاحتقان المجتمعي بين مكونات النسيج الاجتماعي السوري”.
|
لكن لموضوع المصالحة الوطنية شأنا آخر في سياق الحرب السورية، فالنظام السوري مارس أسلوباً حربياً غير مسبوق طال كل ما تحتويه البلاد من بشر وبنية تحتية واقتصاد، ما أسفر عن تدمير مدن وبلدات بكاملها، وقتل ما لا يقل عن 150 ألفاً من السوريين، وتشريد أكثر من 8 ملايين في الخارج والداخل.
كما مارست ميليشيات غير نظامية من جنسيات سورية ولبنانية وعراقية، اعتمد عليها النظام، أعلى درجات العنف. وبات السوريون يرفضون الآن أيّ حل سياسي أو عسكري لا يضمن محاكمة كلّ من تلوّثت يداه بالدّم ومُعاقبته.
ولا يزال السوريون في الداخل و الخارج يدفعون فاتورة الصراع الدائر في بلدهم، في ظل تصاعد عدد اللاّجئين الفارين من البلاد، وقد تخطى عدد اللاجئين السوريين النازحين إلى لبنان المليون نسمة، حسب ما أعلنته مؤخرا، وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيما تتوزّع أعداد أخرى على دول الجوار مثل تركيا والعراق والأردن ومصر.
وعن موقفه من المصالحة السياسية مع النظام، قال المحامي مهند الحسني، رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان، في تصريح لـ”العرب”، “كانت التشاركية في الحكم والتسامح، من بين الأولويات قبل عامين من الآن، حين كان عدد الضحايا لا يتجاوز 25 ألفاً، وجاء الإبراهيمي كوسيط، وحاول أن يبني السلام على حساب العدل، وهو ما يُعرف بالسّلام الهش، كما هو الحال في اتفاقية دايتون في البوسنة واتفاقية الطائف في لبنان”.
وأضاف “لا يمكن بناء سلام إلاّ على أساس العدل، وفي سوريا ستتم محاسبة كل من استهتر يوماً بدماء السوريين واستباحها، سواءً كان من النظام أو من بين الجماعات المناهضة له، ومهما كانت صفته، سواءً كان فاعلاً أم محرضاً أم شريكاً في قتل السوريين، وهو ما سيُسبل ظلاله القاتمة على مستقبل المنطقة والعالم لعقود قادمة”.
|
وتابع “يضرب النظام السوري عرض الحائط بكل هذا الكلام، وهو مستمر على أرض الواقع في سياسة الأرض المحروقة خاصّة في المحافظات التي لا أمل له في السيطرة عليها، وهو الآن يحاول فرض حكم إمارات ظلامية في أماكن أخرى عبر تنظيمات إسلامية متشددة تابعة له، والحقيقة أنه يحثّ الخطى باتجاه مخطط يسعى من خلاله إلى تقسيم سوريا، ويعتبر هذا التقسيم منفذاً كي يستطيع الهروب من جرائم الإبادة الّتي اقترفها”.
خطط النظام
تؤكد المعارضة السورية أن النظام سيلجأ إلى التقسيم إن فقد السيطرة على العاصمة دمشق، وتشير إلى أنه قام بتغييرات ديمغرافية واسعة ليضمن مناطق ذات غالبية علوية مؤيدة له على طول الساحل في غرب سوريا، وهو أمر قد يلجأ له أكراد سوريا أيضاً، خاصّة وأنهم شكّلوا حكومة لمنطقة (غرب كردستان) الّتي تضم جزءاً من شمال وشرق سوريا، وانفصال هذه المنطقة أو حكمها ذاتياً لطالما كان حلماً يراود أكراد سوريا.
وعن إمكانية اتّخاذ النظام السوري لخيارات من بينها تقسيم البلاد إلى مناطق طائفية، أكّد المعارض السوري فواز تللو، العضو السابق في المجلس الوطني، “أنّ المناطق التي يتواجد فيها العلويون أو الأكراد، هي أماكن مختلطة، وقُراها وبلداتها متداخلة جغرافياً بشكل كبير، ولا يمكن الحصول فيها على منطقة متماسكة جغرافياً لقوميّة أو طائفة واحدة، ولن تسمح الثورة السورية بخرائط البعض الوهمية لـ (غرب كردستان) ولـ (الدولة العلوية)، فهي مبنية على أكاذيب ولن ينتج عنها إلاّ المزيد من الدمار والحروب، وسيكون العلــويون والأكراد أكبر الخاســرين”.
وتابع “في سوريا، سيكون المستقبل مفتوحا لجميع القوميات والطوائف من خلال حقوق متساوية، ولن نسمح لأيّة جهة أكثرية كانت أو أقلية في عموم سوريا أن تضطهد جهة أخرى، ولن نسمح بعد انتصار الثورة بنظام حكم يؤدي إلى تقسيم أو انفراد قومية أو طائفة ما بحكم منطقة بعينها، بما في ذلك حكم الفيدراليات الذي يكرّس التقسيم مثلما حصل في العراق، وهو ما يروج له النظام رفقة مؤيّديه من الروس والإيرانيين، وكلّ ما يُطرح عن التّقسيم هو وليد اللّحظة العنيفة الّتي تعيشها سوريا، وسيزول بزوال الــسبب”.