جبل صبِر في تعز متنفس اليمنيين من رائحة الحرب

الكثير من اليمنيين يجدون في جبل صبر الراحة والمتعة وفيه يخلعون كل معاني الأسى والبؤس ودفن كمّ هائل من المأساة التي علقت في أذهانهم منذ بدء الحرب.
الجمعة 2019/10/25
فسحة راحة في زمن الحرب والحصار

صنعاء- وأنت متّجه إلى “جبل صبر”، المطل على مدينة تعز، جنوب غربي اليمن، تلاحظ بشكل لافت إقبال السكان على هذا المكان، الذي أصبح بمثابة منتزه ومتنفس للكثير من سكان المدينة، الواقعة في معظمها تحت سلطات حكومة الرئيس عبدربه.

في هذا الجبل، يجد الكثيرون الراحة والمتعة، وفيه يخلعون كل معاني الأسى والبؤس، وعن طريق معايشته يستطيع السكان دفن كمّ هائل من المأساة، التي علقت في أذهانهم منذ بدء الحرب قبل نحو خمس سنوات.

في بداية الحرب بمدينة تعز في عام 2015، توقفت الحركة في جبل صبر، وشهد هذا المكان مواجهات عنيفة بين القوات الحكومية من جهة، ومسلحي جماعة أنصار الله الحوثية من جهة أخرى. استطاع في النهاية الطرف الأول الانتصار وطرد المسلحين بعد مواجهات استمرت أشهرا، خلّفت عددا كبيرا من الضحايا.

ومع مطلع عام 2016، بدأ الجبل بشكل فعلي يستقبل زواره من سكان المدينة المحاصرة، فيما ازداد مؤخرا نشاطه بشكل لافت، وبات ملجأ جميلا، ومتنفسا فريدا للكثير من السكان.

ونتيجة لأهمية جبل صبر، نجد بعض المطربين اليمنيين، قد تغنوا فيه بأغانيهم الجمالية، فيما شعراء يمنيون تحدثوا عن جمال هذا المكان، وأهميته كمتنفس يطل على المدينة ويحتضنها من الناحية الجنوبية. ونظرا إلى اهتمام السكان بالجبل وتحوّله إلى مزار سياحي، قام مستثمرون وتجار محليون ببناء متنزهات فيه، يقيم فيها الزائرون لساعات.

الجبل يجمع الأهل والأصدقاء في مكان واحد، يمكثون هناك لساعات يتبادلون الحديث والشجون ومناقشة الأوضاع الحالية

ويقول باحثون إن جبل صبر يعدّ ثاني أعلى الجبال في اليمن والجزيرة العربية بعد جبل النبي شعيب بمحافظة عمران شمالي البلاد، إذ يبلغ ارتفاعه 3070 مترا عن سطح البحر، فيما يبلغ ارتفاعه من مدينة تعز إلى قمته في حصن العروس 1500 متر. يقول الشاب اليمني عماد المشرع، وهو أحد سكان مدينة تعز، “منذ سنوات أصبح جبل صبر المتنفس الوحيد لأبناء المدينة، وحديقة مفتوحة للزائرين الفارّين من صخب الحياة ومشاهد الحرب اليومية”.

وأضاف، “تحوّل الجبل إلى مزار فريد، لأنه لم يعد بمقدور سكان تعز الذهاب نحو حدائق الألعاب أو الحيوان، التي تقع تحت سيطرة الحوثيين في منطقة الحوبان شرقي المدينة، بسبب الحصار، أو الذهاب إلى سواحل المخا بسبب منع دخولها وخوفا من تعرض الكثيرين إلى الاختطافات”.

وأضاف المشرع أن “جمال جبل صبر الباهر وإطلالته الساحرة على المدينة حوّلاه إلى متنفس عام للرجال والنساء”. وتابع “رغم ذلك، فإن الأطفال لا يزالون محرمين من التمتع بطفولتهم، حيث إن الجبل لا تتواجد فيه  ملاهٍ أو حدائق، لكنه يبقى الخيار الوحيد في زمن الحرب والحصار”.

وتمتلك اليمن مقومات سياحية وتراثية طبيعة ومتنوعة، ما جعلها وجهة للسياح الأجانب، الذين كانوا يتدفقون إلى البلاد بشكل مكثف قبل أن تشهد اليمن صراعا سياسيا وعسكريا خلال السنوات الماضية، أثّر بشكل سلبي على الجانب السياحي.

وقد كان جبل صبر من بين المواقع السياحية المهمة في تعز، التي تجذب السياح الأجانب والمحليين، نظرا إلى تميّزه ببيئة فريدة. يقول المواطن رهيب هائل، إن جبل صبر بات من أهم المواقع السياحية للسكان في مدينة تعز، حيث يحظى باهتمام كبير من قبل المواطنين.

وأضاف أن” الجبل يشهد الإقبال الأكبر في فصل الصيف عندما ترتفع درجة الحرارة في المدينة، فيما تكون مواقع الجبل حينها ذات درجة حرارة معتدلة، ما يجعل الأجواء هناك جذابة ومميزة”.

ولفت إلى أنه “في فصل الشتاء ينخفض عدد الزوار لجبل صبر، بسبب انخفاض درجة الحرارة فيه بشكل كبير، ما يجعل الأجواء باردة أكثر عن المدينة”. وتابع، “تمتع الجبل بمزايا إيجابية كثيرة، جعل شعراء يكتبون قصائد عن الأجواء الجميلة والنسائم الفريدة فيه”.

بعض المطربين اليمنيين تغنوا بجمال جبل صبر
بعض المطربين اليمنيين تغنوا بجمال جبل صبر

ومضى قائلا، “في جبل صبر عدد من المتنزهاتن ومتنفسات أخرى، كانت جاذبة حتى للسياح الأجانب قبل الحرب”. وقال إن “الجبل ما زال بحاجة إلى اهتمام أكبر من قبل السلطات المحلية، من حيث توسعة الطرق فيه، وبناء متنزهات جديدة، وتقديم خدمات مميزة للزوار القادمين”.

يعدّ جبل صبر ملتقى مهما للأصدقاء الذين يتجمعون في أحد المتنزهات السياحية فيه، وهو ما يؤكده المواطن محمد سيف إسماعيل، الذي يحرص كثيرا على الذهاب بشكل متكرر إلى المناطق السياحية في تعز.

وأضاف إسماعيل، الذي يسكن في مدينة تعز، أن الجبل يحتوي على العديد من الغرف الخاصة، التي يتم استئجارها من قبل مجموعة من الأشخاص للجلوس فيها خلال فترة الترفيه والتنزه.

وتابع “هناك غرف مغلقة وثمة غرف أخرى مفتوحة للهواء الطلق، مما يجعل الزائر من خلالها يستمتع بمشاهدة المدينة من علو مرتفع، تكسوه الأجواء الهادئة والمعتدلة، ما يجلب السعادة للنفس”.

ولفت إلى أن “الزائر إلى جبل صبر، يلفت انتباهه الازدحام المروري الكبير في الطريق الرئيسية هناك، وهو الأمر الذي يدل على كثرة الزوار إلى الجبل، وحاجة الجبل إلى توسعة سريعة للطريق”.

وبيّن أن الجبل يجمع الأهل والأصدقاء في مكان واحد، يمكثون هناك لساعات يتبادلون الحديث والشجون ومناقشة الأوضاع الحالية، إضافة إلى مضغ القات عند الكثير منهم”.

20