التسويق الأدبي ضرورة ثقافية أم تسليع للأدب

القاهرة - “لماذا تقتلونني بالصمت” صاح الأديب المصري الكبير ذات يوم في وجه نقاد عصره بعد أن تجاهلوه وتجاهلوا أعماله نظرا للاختلاف المذهبي معه، الحال نفسه ربما تكرر مع عدد آخر من الأدباء البارزين أمثال صالح جودت ونجيب الكيلاني، ولا يزال يتكرر حتى الآن مع أدباء بارزين وأعمال أدبية متميزة، ليبقى الحديث عن التسويق الأدبي وتسويق الأديب نفسه لأعماله، وأهمية ذلك في الوقت الحالي قائما في ظل كثرة المطبوعات والمنشورات الثقافية، وكثرة الأعمال الأدبية على مستوى الوطن العربي، والحاجة الملحة للتعريف بها ونشرها على نطاق أوسع.
في الوقت الحالي، لم يعد التسويق الأدبي مقتصرا على النقد الأدبي للأعمال الأدبية، بل تجاوز ذلك إلى حفلات التوقيع التي يحرص عليها العديد من الأدباء ودور النشر، وحلقات المناقشة التي تُعقد عن الأعمال الأدبية الصادرة حديثا، مرورا بالمدونات وصفحات الفيسبوك والصفحات الثقافية والمنتديات، وعمل فيديوهات عن العمل الأدبي الحديث، وانتهاء بعروض الكتب والأخبار والحوارات الصحفية حول الأعمال الأدبية الصادرة حديثا.
تسويق الجاهلية
التسويق للعمل الأدبي بدأ منذ القدم، ففي أيام الجاهلية كان لكل شاعر راوية يقرأ شعره على الحضور في المناسبات المختلفة، وكان الشاعر المميز يحصل على مكانة متميّزة لدى المستمعين وربما الحكام آنذاك، وكان الراوية يعتبر الوسيلة الإعلامية التي تساهم في نشر أخبار الشعر، وهو الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في الوقت الحالي، فضلا عن الوسائل التسويقية الحديثة.
كثرة الأشكال التسويقية للأعمال الأدبية وللأدباء ذاتهم، جعلت التساؤل حول مدى أهمية التسويق الأدبي ملحا، في الوقت الذي تكثر فيه الأعمال الأدبية ويصعب تمييز الصالح منها والطالح، فضلا عن الإشكالية المتعلقة بأهمية ذلك، وهل العمل الأدبي الجيّد لا بدّ أن يشي بنفسه دون الحاجة إلى دعاية؟ وإلى أيّ مدى ساهمت الدعاية في أن تطفو أعمال رديئة على السطح الأدبي مقابل اختفاء أعمال أدبية أخرى ربما تفوقها في الجودة الفنية والأدبية؟
في مجال الأدب، هناك انفجار معلوماتي وتراكم معرفي هائل من مخرجات المطابع
سلعة ثقافية
“ما المانع في أن يكون الأدب سلعة ثقافية؟” يقول الناقد الأدبي يوسف نوفل مؤكدا أن الأدب لا يضيره على الإطلاق أن يكون سلعة فهو يباع ويشترى ويكافأ صاحبه عليه، فالكتاب صناعة وسلعة باعتباره نافذة ثقافية، بعدما مضى زمن العلم المجاني وأصبح الحصول على العلم له مقابل مادي.
ويستطرد نوفل “الغضاضة هي الحط من قيمة الأدب، وتقديم أدب مبتذل ورخيص، ومن ثم يكون الترويج للأعمال المبتذلة ابتذالا أيضا، ولكن الترويج للأعمال الجيدة هو بمثابة الإعلام بما هو جديد ولا غضاضة في ذلك على الإطلاق”.
ضرورة ملحة
|
ويضيف قوله “في مجال الأدب، هناك انفجار معلوماتي وتراكم معرفي هائل من مخرجات المطابع، فتنوع نشاط التأليف بما تدفعه المطابع من إنتاج أدبي غزير يفرض علينا الوقوف أمام صعوبة استيعاب الكم الهائل من الأعمال، وهذا ما يحققه التسويق والترويج الأدبي للأعمال الأدبية ولعل أحدثها حفلات التوقيع، وكلها أمور جيدة لأنها بمثابة مؤشرات تلفت نظر كل إنسان إلى ما ينشر خاصة أننا أمام أجناس وأذواق أدبية متعددة”.
عيوب الترويج
ويضيف قوله “هناك العديد من الأعمال العظيمة والمميزة التي لم يروج لها وبالتالي ظُلمت، ومن ضمن الوسائل الترويجية للعمل الأدبي النقد الموضوعي الشامل له، فالنقد يرتكب جريمة كبرى حال تجاهله للعمل الجيد، ونقدنا العربي ليس بريئا تماما، فكم من نقد ظالم ومتجاهل، وكم من أعمال أدبية مميزة لم تلق الترويج اللائق بها”.
أهمية التسويق
الروائي المصري عمرو عاشور صاحب رواية “كيس أسود ثقيل”، والحاصل على جائزة ساويرس فرع شباب الكتاب يقول “في الوقت الحالي أصبحت وسائل الدعاية منتشرة بشكل كبير، وعلى رأسها موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك وحفلات التوقيع، فضلا عن وسائل أكثر حداثة مثل البرومو، وبالرغم من أن هناك عددا من الأدباء لا يبالون بالدعاية إلا أنني أرى أنها مهمة جدا في الوقت الحالي، وكانت السبب في جعل عدد من الأعمال على رأس الكتب الأكثر مبيعا، والكاتب الذي ينجح في تسويق عمله هو كاتب ناجح بلا شك”.
|
العمل الجيد
ويستطرد عاشور “كون العمل جيدا هو أول دعاية له، فعندما كنت أكتب روايتي الأولى “دار الغواية” سألني أحد الأصدقاء ما هي الدعاية التي من الممكن أن تقوم بها لروايتك الأولى؟ فقلت له سأحاول كتابة عمل جيد، وهو ما حدث بالفعل حين صدرت الرواية بتصدير من الأديب الكبير إبراهيم عبدالمجيد، وكُتب عنها العديد من المقالات، فالعمل الجيد يفرض نفسه بأي شكل”.
دور النشر
وهو ما أدّى إلى ظهور ما يسمى بـ”الجمعية” حيث يجمع الكاتب بعض الأموال ويتولى هو مسؤولية النشر، وهو ما فعله الروائي علاء الأسواني حينما رفضت وزارة الثقافة أن تنشر له آنذاك، ثم ظهر بعد ذلك عدد آخر من دور النشر مثل دار ميريت والعين اللتين قدّمتا أسماء أدبية مهمة، وفي الوقت الحالي قد يحصل الكاتب على نسبة من المبيعات خاصة مع وجود الترجمات والجوائز العربية والمحلية”. المدير العام لدار ليان للنشر والتوزيع، فتحي المزين، يقول “دور النشر المعروفة في مصر لا يتجاوز عددها العشرة، ودور النشر الجديدة لا تتعدّى العشرين.
لم يعد التسويق الأدبي مقتصرا على نقد الأعمال الأدبية، بل تجاوز ذلك إلى حفلات التوقيع
وبناء عليه فمن الممكن أن نجد كل يوم عملا جديدا ورغم ذلك إننا لا نعرفه بالمرة، ولذلك فالتسويق والدعاية الصحفية والتواصل مع النقاد إجراءات مهمة جدا لأيّ عمل، فضلا عن أن الموهبة الكبيــــرة للكاتب هي الجسر الحقيقي للنجاح”.
ويضيف: أبرز وسائل الدعاية والتسويق للعمل الأدبي والتي يحرص عليها عدد كبير من دور النشر هي حفلات التوقيع، والتواصل مع الصحفيين لنشر الأخبار وإنجاز الحوارات الصحفية حول الأعمال الجديدة.
ويشير إلى أن هناك العديد من الأعمال الأدبية التي لا تأخذ حقها في الدعاية، وهو ما يؤثر بدوره على انتشارها وطبع المزيد من النسخ منها، لافتا إلى أن عددا كبيرا من الأعمال الأدبية التي وصلت إلى القائمة الطويلة للبوكر هذا العام لم تتعدّ الطبعة الثانية أو الثالثة، مما يوضح حجم القصور في الدعاية لأعمال مهمة وبارزة كان يمكن أن يكون مصيرها الشهرة والنفاد من المكتبات لو وجدت الدعاية اللازمة.
بالتعاون مع وكالة أنا برس