الوساطة مع إيران.. هل تنجح فرنسا فيما فشلت فيه اليابان وسلطنة عمان

رغم الرفض الذي يظهره الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمساعي الوساطة التي يقودها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بين الولايات المتحدة وإيران في النزاع القائم بين البلدين بحسب تصريحاته في اجتماع الأمم المتحدة، إلا أن ماكرون يأمل في أن يحدث دوره اختراقا في جدار الأزمة بين واشنطن وإيران، وأن تؤتي تحركاته الدبلوماسية ثمارها بالنجاح في تخفيف حدة التصعيد بين البلدين الذي بلغ ذروته خصوصا مع الهجوم الأخير على منشأتي نفط سعوديتين والذي نسبته واشنطن إلى إيران.
باريس – يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إحداث اختراق نوعي في جدار الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران. ويعوّل الرئيس الفرنسي على نجاح مبادرته من أجل التخفيف من مستويات التوتر الحالية في المنطقة، ومن أجل تعزيز دوره كزعيم أساسي من زعماء أوروبا والعالم.
ويسعى ماكرون من خلال القيام بلقاءات مكوكية في نيويورك على هامش الجمعية للأمم المتحدة بين نظيريه الإيراني حسن روحاني والأميركي دونالد ترامب إلى تهدئة التوتر بين واشنطن وطهران.
وقال ماكرون للصحافيين “فرنسا تحاول طرح مقترحات لتجنّب التصعيد”. وأكد مجددا على أن أي إطار عمل لمفاوضات جديدة في المستقبل ينبغي أن يركز على وضع نظام لمراقبة البرنامج النووي الإيراني الحالي وبحث أنشطة إيران النووية بعد عام 2025 وبرنامجها للصواريخ الباليستية ونفوذها الإقليمي.
الموقف الفرنسي جاء متقدما عن موقف ألمانيا ومختلفا عن موقف بريطانيا التي لطالما ارتبطت بعلاقات خاصة مع الولايات المتحدة
وتعتبر باريس أن فشل كافة المبادرات السابقة التي أطلقتها دول أخرى مثل اليابان وسويسرا وعُمان، كما تلك التي ضجّت بها قنوات التواصل الخلفي مع طهران، يجعل من الوساطة الفرنسية الحيّز الدبلوماسي الدولي الوحيد والجدي والذي يلقى قبول الأطراف المتنازعة كما بقية الأطراف الدولية الأخرى.
وعلى الرغم من تكرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن عدم الحاجة لوساطة مع إيران وأن تلك الأخيرة تعرف ما عليها أن تفعل، إلا أن سيّد البيت الأبيض يعطي رعاية لمساعي باريس من خلال وصف ماكرون بأنه “صديق”، بمعنى أنه يملك أن يفعل ما تمليه عليه تلك الصداقة.
وقال ماكرون الاثنين “نحن وحلفاؤنا والأطراف الإقليمية وإيران بحاجة لأن نجلس حول الطاولة ونتناول تلك النقاط الأربع”. وأضاف أن الهجوم على منشأتي النفط في السعودية يوم 14 من سبتمبر كان نقطة تحول. وقال إن “ثمة دلائل على أنه هجوم دولة ويشير مستوى العتاد (المستخدم فيه) إلى أنه ليس من تنفيذ المتمردين الحوثيين”.
وساطة باريس
تعتمد باريس في وساطتها على دبلوماسية عنوانها “الكلام مع الجميع”، كما على تواصل مستمر بين باريس وطهران وبزيارات قام بها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى طهران. وتستند وساطة ماكرون على شفافية في الموقف الفرنسي لجهة تأكيد تحالف فرنسا مع الولايات المتحدة بما لا يعطي أي إشارات خاطئة لطهران، وعلى صراحة في موقف باريس إن لجهة التمسك بالاتفاق النووي الموقع مع إيران في فيينا عام 2015، أو لجهة الإجهاز في الضغط على إيران لتقديم تنازلات تفضي إلى فتح باب المفاوضات من جديد لمناقشة كافة ملفات النزاع.
وكان الرئيس الفرنسي من أول الزعماء الأوروبيين الداعين إلى تطوير الاتفاق النووي والمطالبة باتفاق جديد يطال ملف برنامج إيران للصواريخ الباليستية كما البحث في سلوك إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة. وكان أعلن عن ذلك على نحو لافت أثناء أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قبل عامين.
ويرى مراقبون أميركيون أن الموقف الفرنسي جاء متقدما عن موقف ألمانيا ومختلفا عن موقف بريطانيا التي لطالما ارتبطت بعلاقات خاصة مع واشنطن. ويضيف هؤلاء أن موقف باريس يمثل بالنسبة لواشنطن حجر الزاوية لموقف أوروبي بإمكانه أن يكون جامعا بالاقتراب من موقف إدارة ترامب في الولايات المتحدة.
ومنذ قمة مجموعة السبع في بياريتز بفرنسا في نهاية أغسطس الماضي لم يخف ترامب أمله بعقد لقاء ثنائي مع نظيره الإيراني، معتبرا أنه سيكون ضربة دبلوماسية موفقة له قبل عام من الاستحقاق الرئاسي الأميركي. لكنّ هجوم 14 سبتمبر الذي نسبته واشنطن لطهران واستهدف منشأتي نفط سعوديتين أعاد التوتر وأثار مخاوف من تصعيد عسكري جديد في المنطقة.
وحول سؤال عما إذا كان هذا الهجوم قد “زاد من فرص عقد لقاء” بين دونالد ترامب وحسن روحاني؟ أجاب ماكرون في الطائرة التي أقلّته الأحد إلى نيويورك “كلا. علينا أن نكون واقعيين. نرى جيّدا أنّ الوضع يزداد توتّرا”.
وبدوره قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إنّه في مثل هذه الأجواء “الموضوع الأول” ليس مصافحة بين ترامب وروحاني بل الحفاظ على عملية “نزع فتيل الأزمة” التي أطلقت في الأسابيع الأخيرة.
وتقول أوساط دبلوماسية فرنسية إن مقاربة ماكرون للنزاع الحالي بين واشنطن وطهران تنطلق من مسلمة أن الولايات المتحدة نفسها لا تتحدث عن حرب مع إيران وتنفي أي خطط لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، وأن مآلات الصراع مهما اشتد توتره ذاهبة إلى توقيع اتفاق جديد مع طهران. وتضيف هذه الأوساط أن ماكرون يريد أن يكون شريكا كاملا في أي اتفاق مقبل على نحو يجعل فرنسا رقما صعبا بالنسبة لإيران كما بالنسبة للولايات المتحدة.
ارتباك الترويكا الأوروبية
تخشى دوائر اقتصادية في باريس من أن تدفع فرنسا ثمن هذا الصراع بعد أن خرجت شركاتها الأساسية الكبرى من السوق الإيراني بسبب العقوبات الأميركية ضد إيران وضد الشركات العالمية التي تبرم صفقات معها.
وترى هذه الدوائر أن إيران والولايات المتحدة قد تتوصلان على نحو مفاجئ إلى اتفاق ثنائي يرضي الرئيس ترامب ويمنح الأميركيين امتيازات خاصة داخل السوق الإيراني. مع العلم أن أحد الأسباب التي قدمها ترامب قبل سنوات لشنّ هجماته ضد الاتفاق الذي أبرم مع إيران برعاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، هو أن الولايات المتحدة لم تستفد من السوق الإيراني مقابل تقدم الشركات العالمية الأخرى من أوروبا والصين واليابان داخل هذا السوق.
ويبدو واضحا أن لا منافس في ملف النزاع مع إيران للدور الفرنسي. وترى مصادر فرنسية مطلعة أن موقف بريطانيا بات ضعيفا داخل هذا الملف بسبب أزمة البريكست من جهة وبسبب توجهات مطردة للندن ولرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للاقتراب من الموقف الأميركي.
فقد انضمت بريطانيا إلى المهمة العسكرية البحرية في الخليج بقيادة الولايات المتحدة، وكان لها نزاع مباشر مع إيران في مسألة ناقلة النفط الإيرانية التي أوقفتها سلطات جبل طارق وأفرجت عنها قبل أسابيع، ومسألة الناقلة السويدية التي ترفع علما بريطانيا والتي أوقفتها إيران قبل أن تعلن مؤخرا الإفراج عنها. كما أن بريطانيا كانت قد انضمت في فبراير الماضي إلى الولايات المتحدة، وعلى عكس الموقف الأوروبي، في اعتبار حزب الله، بجناحيه السياسي والعسكري، منظمة إرهابية.
وترى المصادر الفرنسية أيضا أن الموقف الألماني بدا مرتبكا في مقاربة الأزمة الإيرانية بسبب رمادية السياسة الخارجية الألمانية وعجزها عن إيجاد نقطة توازن بين سياساتها مع إيران وتلك مع الولايات المتحدة. وتضيف المصادر أن برلين لم تسع للعب دور متقدم في هذا الملف داعمة المبادرة الفرنسية، لاعتقادها بأن واشنطن لا تثق بموقف برلين ولا تعتبره حياديا في هذا الملف، خصوصا أن توترا شخصيا يسود العلاقة الشخصية بين سيد البيت الأبيض والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
ويعتبر ماكرون أنه يعيش لحظة اعتراف دولي بدوره سواء من قبل واشنطن أو موسكو أو بكين أو الاتحاد الأوروبي، كما يحظى بعلاقات ممتازة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى. وينظر الرئيس الفرنسي إلى الموقف الواحد الذي صدر عن زعماء بريطانيا وألمانيا وفرنسا بصفته دعما من قبل الترويكا الأوروبية الموقعة على اتفاق فيينا ودعما أوروبيا من ورائه للوساطة الفرنسية لحل النزاع مع إيران.
وقالت بريطانيا وفرنسا وألمانيا الاثنين إن من الواضح أن إيران مسؤولة عن الهجوم على منشأتي نفط في السعودية في 14 سبتمبر وطالبت طهران بالموافقة على التفاوض على برامجها النووية والصاروخية وقضايا الأمن الإقليمي. وقالت الحكومات الثلاث في بيان مشترك “حان الوقت لإيران كي تقبل بإطار مفاوضات طويل الأمد على برنامجها النووي وكذلك على القضايا الأمنية الإقليمية، والتي تشمل برامجها الصاروخية”.
وينظر المراقبون باهتمام إلى حدث مفاجئ قد يحصل في نيويورك على ما لمّح ماكرون يصنع تحولات جديدة في ملف النزاع مع إيران طالما زعماء العالم كما زعماء الدول المعنية مباشرة بالصراع مجتمعون بنيويورك، بحيث يسهل التواصل ودفع المقاربات إلى حدودها القصوى سواء باتجاه التوتر أو تخفيضه.