الخيال والابتكار السبيلان الوحيدان لتطوير السياحة التقليدية

أصبحت السياحة التقليدية في العديد من البلدان بالية حقا، حتى أنها أصبحت تزعج السكان المحليين كما تزعج السياح أنفسهم، لذلك من الضروري على الدول التي تعتمد السياحة كقطاع حيوي لتنويع اقتصادها أن تبحث عن أفكار خلاقة بعيدة عن الاعتماد على زيادة أعداد السياح، فاليوم الأفكار والابتكار هما السبيل الوحيد لجذب سياح يستفيدون وتستفيد منهم البلدان التي يزورونها.
روبرت غوفرز
لفترة طويلة، ركزت الوجهات السياحية على نقاط مثل زيادة عدد السياح وعدد الأسرّة والغرف الفندقية والأرباح، لكن نظام السياحة الحالي أصبح قديما.
ووجدت المدن السياحية نفسها عالقة في سياسات موحدة وحلول منسوخة تكرر أخطاء الماضي، وتحوّل تركيزها إلى زحمة السياحة وما يخلفه ذلك من تأثير على المواطنين.
اليوم تحتاج المدن السياحية إلى الابتكار والإبداع لتطوير الأحياء والمدن والبلدان، لأن ذلك من شأنه أن يعزز أو يبني الهوية المحلية التي تجعل المواطنين يعتزون بمميزات مناطقهم، كما سيجذب بدوره السياح الأجانب.
ويتعين على الوجهات السياحية معرفة كيفية التعامل مع الأهداف مثل السعادة والاعتزاز المدني والسمعة، وهي أهداف غالبا ما كان يتم تجنبها، لأنها غامضة وصعبة، لكن يمكن تحقيقها اليوم مع القليل من الخيال والابتكار.
ومن أجل ذلك يحتاج أصحاب المصلحة في مجال السياحة إلى فهم دور الخيال وأهميته، حيث يمكن أن يساعد على التحلي بالشجاعة لاتخاذ قرارات جريئة ومبدعة ومبتكرة، وأن يكونوا مختلفين دون التخلي عن هويتهم المحلية بل عبر إبرازها وتعزيزها.
ويتطلب الابتكار في المجال السياحي التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، كما يتطلب وجود قيادة جريئة تفهم أفضل ما يخدم المصالح المحلية من خلال اندماجها مع المشهد المحلي ومع التطورات العالمية، فذلك يمكن أن يسهل التعاون بين أصحاب المصلحة ويوحد بينهم.
وسيساهم التعاون في تحسين سمعة البلاد والإعجاب العالمي بها، كما سيعزز مشاعر الاعتزاز المحلي على المدى الطويل، بالإضافة إلى زيادة القدرة التنافسية على المدى القصير.
ومن الأمثلة على ذلك، بوتان، وهي بلد غير ساحلي في جنوب آسيا، وتقع في الطرف الشرقي من جبال الهيمالايا وتحدها الهند والصين.
ولعدة قرون، لم تكن بوتان وجهة بارزة، لكنها تمكنت من جذب انتباه العالم فجأة في نهاية القرن الماضي.
وقد تحدى البلد الأفكار الحالية والمعايير التي يعتمدها النظام العالمي في بداية القرن الحادي والعشرين، حرفيا ومجازيا.
إستونيا تمكن أي شخص في العالم من الإقامة الإلكترونية التي تمنح حاملها العديد من المزايا الرائعة دون أن يغادر بلده
وعندما تولى الملك الرابع جيغمي سينغي وانغشوك عرش بوتان سنة 1972، عمل على إعادة تعريف مظاهر الازدهار في الألفية الجديدة والشروط التي سينعش بها اقتصاد بلاده.
ومع استمرار العالم في اعتبار الدخل القومي الإجمالي كمعيار للتنمية والازدهار، قدّم ملك بوتان الجديد فكرة السعادة القومية الإجمالية.
وفي حين يبدو المصطلح مثل خطاب في العلاقات العامة لخدمة التسويق للوجهات السياحية، مثّل للكثير من البوتانيين فلسفة طوباوية ومبدأ توجيه عملي.
وتستند السعادة القومية الإجمالية إلى أربعة مبادئ، هي التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة والحفاظ على القيم الثقافية وتعزيزها والحكم الرشيد.
ووضعت لجنة وطنية لغرس هذه المفاهيم في بوتان، مما أسفر عن مبادرات مبتكرة وفعالة.
وفي حين تدعم معظم البلدان مؤسسات السياحة الخارجية لجذب الزوار، تفرض بوتان قاعدة تقضي بضرورة أن يحجز السائحون رحلتهم عبر مرشد سياحي بوتاني مرخص له من قبل السلطات المعنية. ولا تقل التسعيرة عن 200 دولار في اليوم خارج الموسم السياحي و250 دولارا في اليوم خلال موسم الذروة.
ويشمل هذا السعر رسوم التنمية المستدامة التي تبلغ 65 دولارا في اليوم، والتي تستثمر لدعم أهداف التعليم دون مقابل والرعاية الصحية المجانية وتخفيف حدة الفقر، بمعنى آخر، تفرض ضرائب على السياح نتيجة لسياسة الحكومة الصارمة التي تحمي ثقافة البلد وتقاليده.
وأسفرت فكرة السعادة القومية الإجمالية عن وضع مؤشر يقيس السعادة وتنظيم مؤتمرات لدراسة تحقيقها وإنشاء مركز دراسات وأبحاث في تيمفو عاصمة المملكة.
ويشكك البعض في نجاح حملة السعادة القومية، حيث يعيش معظم السكان في فقر مدقع، كما يجادل آخرون بأنه كان بمثابة دعاية لإخفاء الصراعات العرقية الداخلية، لكن الفكرة أثّرت على سمعة بوتان العالمية وتطورها السياحي، إذ اشتهرت الفكرة بين بلدان العالم.

أما بالنسبة إلى إستونيا البلد الصغير في أوروبا الشرقية التي عرف تاريخها بعمليات غزو واحتلال متكررة، وبعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في 1991، لم ير الإستونيون جدوى من التمسك بالحدود المادية الضيقة.
وخلال 20 عاما، أسسوا الدولة الإلكترونية الأكثر تقدما في العالم، وانطلقت منها شركة سكايب، التي تأسست سنة 2003 مما سهّل من تطوير “الجمهورية الرقمية”.
والآن، أصبحت الخدمات الحكومية مثل التعليم والرعاية الصحية والانتخابات والنظام القانوني والضرائب وغيرها رقمية، ولم يعد الإستونيون في حاجة إلى الحدود.
وفي 2001، لفت هذا البلد انتباه العالم، إذ كانت إستونيا واحدة من أوّل الدول التي أعلنت التمتع بالإنترنت كحق من حقوق الإنسان، كما جذبت الجماهير الأجنبية مع إطلاق برنامج الإقامة الإلكترونية.
ووفقا لموقع البلاد الرسمي، يعدّ برنامج الإقامة الإلكترونية فضاء بلا حدود للمواطنين العالميين لتكون أول دولة في العالم تمنح هذه البطاقة.
ومثل المواطنين والمقيمين في إستونيا، يحصل المواطنون الإلكترونيون على بطاقة هوية رقمية صادرة عن الحكومة مما يمنحهم إمكانية التمتع بجميع الخدمات العامة الإلكترونية المتوفرة.
ويستطيع أي شخص في العالم الحصول على تلك الإقامة التي تمنح حاملها العديد من المزايا الرائعة دون أن يغادر بلده، تخيل أن تصبح أحد المستثمرين في الاتحاد الأوروبي ومحميا بقوانينه دون أن تغادر منزلك.
وإلى حدود 28 أغسطس 2019، تقدم 55 ألف شخص من 136 دولة بطلب للحصول على بطاقة الإقامة الإلكترونية، ومعظمهم من رواد الأعمال وأصحاب الأعمال الحرة.
ويعدّ البرنامج مبادرة إبداعية تخدم السياحة والسفر على المستوى العالمي، مما يصوّر إستونيا كوجهة بارزة ولاعب مبتكر في النظام.
وعلى الرغم من مشكلات بوتان وإستونيا الخاصة وعيوب النظم التي أسساها، إلا أنهما تعملان على تجاوز الأخطاء التي يرتكبها آخرون.
وتم بناء نموذج السياحة الأوروبية على منظمي الرحلات السياحية ووكلاء الأسفار، ولا تتمتع الوجهات فيها بقدرة كبيرة على تنظيم زوارها.
ويجب على المدن أن تطور قطاع السياحة بطرق تسمح لها بأن تتحكم فيه. باختصار، ينبغي أن يكون أصحاب المصلحة المحليون في قطاع السفر والسياحة مبدعين في كيفية بناء أعمالهم، وعليهم أن يوظفوا خيالهم للابتكار.