اللاجئون السوريون عبء ثقيل تناور به دول الجوار اقتصاديا وسياسيا

فيما تحذر منظمات دولية من تداعيات التضييق على السوريين خصوصا في لبنان وتركيا، لا يشهد الأردن حملات منظمة، لكن الخطاب السياسي لا يختلف عما هو عليه في البلدين الآخرين.
السبت 2019/08/17
البيئة في سوريا غير مهيئة لاستقبال الهاربين العائدين

بيروت- قبل أكثر من أسبوعين، وصل نضال حسين إلى سوريا بعدما رحّلته السلطات التركية بشكل مفاجئ إثر توقيفه، على غرار الكثير من اللاجئين السوريين الذين يتعرضون لضغوط متزايدة من دول الجوار المضيفة والراغبة في إعادتهم إلى بلدهم.

في لبنان وتركيا والأردن، البلدان التي تستضيف 5.2 ملايين لاجئ سوري، تقارب السلطات ملف اللاجئين بوصفه “عبئا”، مع إتمام النزاع السوري عامه الثامن، من دون أي بوادر لحل سياسي قريب.

يقول نضال (48 عاما) لوكالة فرانس برس بعد وصوله إلى شمال غرب سوريا “تركت زوجتي وثلاثة أولاد في إسطنبول”. ونضال واحد من مئات اللاجئين الذين رحّلتهم سلطات المدينة لعدم حيازتهم مستندات إقامة، إلا أنّه سيحاول “بعد فترة الدخول مجددا إلى تركيا” غير آبه بمخاطر أمنية محتملة.

وتسبّبت الحرب السورية في تشريد ملايين السكان. وتستقبل تركيا العدد الأكبر منهم ويقدر بنحو 3.6 ملايين شخص. ويستضيف لبنان، وفق السلطات، 1.5 مليون سوري، بينما تفيد الأمم المتحدة بوجود نحو مليون مسجلين لديها. وتقول السلطات الأردنية إن هناك نحو 1.3 مليون سوري على أراضيها، بينما تفيد سجلات الأمم المتحدة بوجود أكثر من 661 ألفا.

وفيما تحذر منظمات دولية وباحثون مواكبون لملف اللجوء، من تداعيات التضييق على السوريين خصوصا في لبنان وتركيا، لا يشهد الأردن حملات منظمة، لكن الخطاب السياسي لا يختلف عما هو عليه في البلدين الآخرين لناحية تحميل اللاجئين مسؤولية الجمود الاقتصادي وتراجع فرص العمل.

67.7 بالمئة نسبة الأتراك المستائين من وجود السوريين في بلدهم خلال العام الجاري

ويقول مدير الأبحاث في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في بيروت ناصر ياسين المشرف على أبحاث تتعلق باللاجئين السوريين في المنطقة “في غياب حلول واضحة المعالم لعودة اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة إلى سوريا، تزداد الحملات ضدهم لخلق ضغوط عليهم أكثر وأكثر حتى يعودوا أدراجهم”. ويرد هذه الحملات في جزء منها إلى أنّ “الأزمة طالت، إذ مرّ على اللجوء السوري ثماني سنوات (…) وباتت البلدان المجاورة لسوريا تعاني من إنهاك”.

وقالت منظمات إن تركيا رحّلت مئات اللاجئين السوريين مؤخرا في إطار حملة بدأتها ضد الهجرة غير الشرعية في إسطنبول.وتشدد يلديز أونين من حملة “كلنا لاجئون” في تركيا على أن “إرسال السوريين إلى بلد لا يزال في حالة حرب.. يضع هؤلاء أمام خطر مميت”. وتقول إن “البيئة العدائية تجاه السوريين التي ساءت مؤخرا في ظل توافق الأحزاب السياسية والإعلام على أن السوريين هم أساس المشاكل” في البلاد، من شأنه أن “يفتح الطريق أمام إجراءات مُعدة لجعل حياة المهاجرين أكثر صعوبة”.

وأفادت دراسة نشرتها جامعة قادر هاس في إسطنبول الشهر الماضي أن نسبة الأتراك المستائين من وجود السوريين ارتفعت من 54.5 بالمئة إلى 67.7 بالمئة عام 2019. ويرجّح مراقبون أن تكون الإجراءات التركية مرتبطة بمساهمة وجود اللاجئين في خسارة حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في الانتخابات البلدية الأخيرة، ما جعله تحت ضغوط سياسية داخلية يسعى لتجاوزها.

وبعد وقت قصير من الانتخابات المحلية التركية التي تعرض فيها حزب العدالة والتنمية لواحدة من كبرى هزائمه منذ عقود، بدأت تقارير تتحدث عن مداهمات تستهدف منازل سوريين وأعمالهم واقتناص بعضهم في الشوارع إن لم يكن بحوزتهم بطاقات هوية وإعادتهم إلى سوريا بواسطة الحافلات.

والشهر الماضي، أُبلغ اللاجئون السوريون في إسطنبول، وهي القلب الاقتصادي النابض لتركيا وفيها ما يقرب من 900 ألف سوري، بأن أمامهم حتى العشرين من أغسطس الجاري لمغادرة المدينة ما لم يكونوا مسجلين بها.

أما في لبنان، ينظم الأمن العام رحلات عودة جماعية، يصفها بالـ”طوعية”، تمّت بموجبها إعادة أكثر من 325 ألف لاجئ إلى سوريا، وفق بياناته. لكن منظمات إنسانية ترجّح أن عدد العائدين أقل بكثير، وتتحدث عن توثيق حالات ترحيل “قسرية”، الأمر الذي تنفيه السلطات بالمطلق.

تركيا تستقبل العدد الأكبر من اللاجئين السوريين
تركيا تستقبل العدد الأكبر من اللاجئين السوريين

وفي منطقة عكار شمالا، أقدم عناصر من الجيش قبل فترة على هدم جدران إسمنتية لأكثر من 350 خيمة خلال مداهمة تجمعات عشوائية للاجئين، وأوقف عشرات الأشخاص لعدم حيازتهم أوراق إقامة قانونية، وفق منظمات إنسانية. قبل ذلك، أرغمت السلطات اللاجئين في بلدة عرسال (شرق) منذ مطلع يونيو على هدم أكثر من 3600 غرفة إسمنتية بنوها لتحلّ مكان الخيم. في الوقت ذاته، تلاحق وزارة العمل منذ أسابيع العمالة الأجنبية غير القانونية، في حملة تقول إن هدفها حماية اليد العاملة المحلية، لكن ناشطين يدرجونها في خانة الضغوط على السوريين لطردهم.

ويتزامن ذلك كلّه مع خطاب سياسي يحمّل اللاجئين المسؤولية عن المشكلات الاقتصادية في لبنان. ويقول ياسين “من السهل توجيه أصابع الاتهام إليهم واستخدامهم ككبش محرقة” إن في تأزم الوضع الاقتصادي أو عند ارتفاع معدلات البطالة والتدهور البيئي وغيرها، “لكن هذه كلها مبالغات هائلة”.

في الأردن، لا يزال السوريون بمنأى نسبيا عن حملات الضغط الذي تصفه “هيومن رايتس ووتش” بـأنه “غير شرعي”. إلا أن عمان على لسان المتحدث باسم وزارة التخطيط والتعاون الدولي عصام المجالي، تعتبر أن أزمة اللجوء تسبّبت “بالعديد من الأعباء والتحديات” وأدت إلى “زيادة الضغط على أمن المملكة وتماسكها الاجتماعي”.

وتقدر السلطات كلفة الأزمة السورية حتى نهاية العام 2018، بـ12 مليار دولار. ومنذ افتتاح معبر نصيب مع جنوب سوريا صيف العام الماضي، عاد نحو 25 ألف لاجئ مسجلين، وفق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأردن. وتجمع منظمات دولية وحقوقية على أن البيئة في سوريا غير مهيئة لاستقبال الهاربين العائدين، في ظل تقارير عن اعتقالات وسوق للتجنيد الإلزامي، عدا عن الوضع الاقتصادي المتدهور ودمار البنى التحتية.

ويقول ياسين “لا تزال شروط العودة غير حاضرة” مع الخشية من “الاضطهاد والهواجس الأمنية”. ويضاف إلى ذلك تحدي إعادة الإعمار، إذ إن “أكثر من نصف اللاجئين السوريين في المنطقة يقولون إن منازلهم مدمرة أو غير قابلة للسكن”.

6