مخاوف من تسييس ترامب لأجهزة الاستخبارات الأميركية

هدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب التقاليد المتعارف عليها في تعيين رؤساء وكالات الاستخبارات في البلاد وذلك باقتراحه تعيين شخصية سياسية مغمورة وقليلة الخبرة الأمنية والدبلوماسية على رأس جهاز الاستخبارات المركزي (سي.آي.أيه)، فيما كان كافة المدراء السابقين دبلوماسيين سابقين ضالعين في المسائل الأمنية والعسكرية ومسؤولين كبارا في البنتاغون ومدراء في وكالات الاستخبارات الأخرى. ولا يخفي الرئيس الأميركي امتعاضه من رؤساء أجهزة الاستخبارات غير المسيّسين والذين لا يدعمونه.
واشنطن - أثار اختيار الرئيس دونالد ترامب لنائب يفتقر إلى الخبرة السياسية لتسلم رئاسة الاستخبارات الأميركية قلقا من احتمال تسييس القرارات الأساسية المتعلقة بالأمن القومي، فيما تعهد نواب ديمقراطيون بعرقلة اقتراح ترامب.
وأعلن ترامب الأحد تعيين النائب الجمهوري جون راتكليف لخلافة دان كوتس مديرا للاستخبارات الوطنية وهو الشخص الذي يدير الوكالات الاستخباراتية الـ17.
ويغادر كوتس منصبه بعد 24 شهرا تجاهل خلالها ترامب باستمرار قادة الأجهزة الاستخباراتية ولم يكن يطلعهم على خططه المتعلقة بعلاقاته مع روسيا.
وفي حين أن مغادرة كوتس لم تحدث مفاجأة، أثار اختيار راتكليف لخلافته قلقا بين النواب.
وقال السناتور الديمقراطي جون وورنر، “إنني قلق جدا لأنه يبدو أن الرئيس يبحث عن شخص يكون وفيا له أكثر من شخصية مستقلة تدافع عن الجهاز الاستخباراتي”.
وأبدت الشخصيات الجمهورية الرئيسية حذرا ورأى البعض أنه رغم قلة خبرته قد يصغي إليه ترامب على عكس كوتس.
وقال السناتور ريتشارد بور رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ التي يتعين عليها الموافقة على التعيين “لا أعرف جون لكنني أتطلع للتعرف إليه”.
وحظي كوتس السناتور السابق باحترام كبير في الأوساط السياسية لأنه لم يتردد في التعبير عن معارضته لترامب بشأن قضايا أمنية مهمة، أما راتكليف فقد بات معروفا بعد أربع سنوات في مجلس النواب لدفاعه الثابت عن الرئيس.
وشأنه شأن العديد من الأشخاص الذين عيّنهم ترامب، يظهر بانتظام على قناة “فوكس نيوز” ليكرر نظريات المؤامرة وليزعم أن المحقق الأميركي الخاص روبرت مولر كلف من قبل الديمقراطيين بالتعاون مع الاستخبارات الأميركية التحقيق في تدخل روسيا بالانتخابات الأميركية.
وقال العام الماضي “هل كان التحقيق حول ترامب حرصا على الأمن القومي أو أن هناك دوافع سياسية كانت وراءه؟”. وهذا الرأي، المخالف تماما لنظرة مدراء الاستخبارات للتحقيق حول التدخل الروسي في الانتخابات، لا يبشر بالخير لجهاز الاستخبارات الذي لطالما كانت علاقاته مع ترامب ضعيفة.
وراتكليف (53 عاما) سيتولى منصبا مهما يقضي بالتدقيق في معلومات تجمعها وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفدرالي والبنتاغون ووكالات أخرى ترفع للرئيس.
ومدير الاستخبارات مكلف بتحديد أولوية المخاطر والتهديدات التي تواجهها البلاد في الأجل القصير والطويل، فيما كان كافة المدراء السابقين دبلوماسيين سابقين ضالعين في المسائل الأمنية والعسكرية ومسؤولين كبارا في البنتاغون ومدراء في وكالات الاستخبارات.
ومسيرة راتكليف المهنية ليست غنية فقبل وصوله إلى الكونغرس في 2015 كان رئيس بلدية مدينة صغيرة ثرية في ضواحي دالاس بتكساس لثماني سنوات وقاضيا فدراليا لعام.
وقال جون ماكلافلين نائب المدير السابق لسي.آي.أيه “سيكون راتكليف أول مدير استخبارات دون خبرة استخباراتية أو دبلوماسية”، فيما عانت الاستخبارات الأميركية من تسييس ترامب لها.
وتولى ترامب الرئاسة رافضا تقريرا استخباراتيا تحدث عن تدخل بوتين مباشرة في الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2016 للإضرار بحملة منافسته هيلاري كلينتون، كما قلل من شأن معلومات استخباراتية حول كوريا الشمالية وإيران ليعلن “وقائعه الخاصة”.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي أعلنت سو غوردون مساعدة كوتس أن استقلاليتها كانت مهمة في الأجواء السياسية الحالية.
وصرحت غوردون أن “هناك شيئا مميزا في الأفراد الذين يلمون بالعالم كما يلم عملاء الاستخبارات بالعالم”.
وأضافت “الصعب حاليا هو أنه أصبحنا في مرحلة سياسية بامتياز. والأمر صعب لأننا جميعا أشخاص جديون نحاول معالجة مشاكل جدية”.
وتعمقت الهوة بين أجهزة استخبارات حاذقة تمثل المؤسسة التقليدية في الولايات المتحدة، والرئيس دونالد ترامب، الذي ينظر إليه مسؤولون استخباراتيون كبار بريبة وصلت إلى تعمد إخفاء معلومات حساسة عنه خشية تمريرها إلى روسيا.
ولم يسبق من قبل أن وصلت مستويات عدم الثقة إلى هذا الحد بين مؤسسات أميركية مؤثرة والبيت الأبيض، الذي باتت “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة تنظر إليه باعتباره “حصان طروادة” روسيا في قلب العالم الحر.
وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلا عن مسؤولين حاليين وسابقين لم تسمهم، أن وكالات استخبارات أميركية أخفت معلومات سرية عن ترامب نتيجة لخشيتها من إمكانية تسريب هذه المعلومات أو إساءة استخدامها.
وتتعلق المعلومات الحساسة التي تم إخفاؤها بأساليب عمل الاستخبارات والطرق المتبعة للقيام بعمليات تجسس على دول أخرى وتقنيات فنية تشكل شخصية كل جهاز استخبارات على حدة.
وليس من المعتاد أن تطلع مؤسسات الاستخبارات رؤساء الولايات المتحدة على مثل هذه المعلومات سعيا منها لحماية مصادر معلوماتها وتغطية تحركاتهم، ولإبقاء إمكانية إنقاذ عملائها في الخارج في حالات الخطورة ممكنة.
وراتكليف انضم إلى لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ في يناير وحتى الآن قام بالدفاع عن ترامب بدلا من الغوص في عالم الاستخبارات، فيما أعلن الديمقراطيون أنهم سيعرقلون تعيين راتكليف.
وقال السناتور رون وايدن العضو في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ إن “راتكليف هو الأكثر حزبية والأقل كفاءة لتولي منصب مدير الاستخبارات الوطنية”. وأضاف “ثبيت هذا الشخص يعني الموافقة على توجه هذه الإدارة لتسييس وكالاتنا الاستخباراتية. إنها مرحلة خطيرة وتحتاج أميركا إلى أكثر الأشخاص كفاءة وموضوعية لقيادة وكالاتنا الاستخباراتية”.
واختار ترامب معاداة وكالات الاستخبارات منذ ما قبل توليه الحكم بشكل رسمي، إذ رفض الاجتماع مع مسؤوليها لإطلاعه على تقارير أمنية حساسة، كما هاجمها أكثر من مرة على حسابه على تويتر.
وتعتبر سي.آي.أيه المحرك الرئيسي لخيوط السياسة الخارجية الأميركية، وتضخم دورها بعد هجمات 11 سبتمبر، حيث أصبحت وكالة الاستخبارات المركزية تحت المراقبة المباشرة للرئيس الأميركي. وإذا كان التاريخ دليلا من الممكن الاستعانة به، فإن هذه الوكالة هي التي ستقرر مجريات الأمور لسنوات قادمة، وفق مجلة فورين بوليسي الأميركية.
وصنف تحليل نشرته مجلة نيوستاتيمان البريطانية وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.أيه) باعتبارها القوة الثالثة التي يمكن أن تقف في وجه دونالد ترامب، بعد قوة سيادة الشعب وقوة بعض المنتمين إلى الحزب الجمهوري.
ويشير التقرير، نقلا عن فيليب روث، مؤلف كاتب “المؤامرة ضد أميركا”، إلى أن المجتمع المخابراتي الأميركي لن ينسى قضية اختراق روسيا للتأثير على الانتخابات الأميركية لصالح ترامب.
وإلى جانب المخابرات المركزية تأتي وكالة الأمن القومي في المركز الثاني من حيث التأثير في هذا الصراع بين ترامب ومجتمع الاستخبارات الذي يبدو مزاجه العام ضد ترامب.
ويذهب معهد غلول برسرتش الكندي إلى القول إن معركة لوبيات تلوح في الأفق الأميركي، وكل الأطراف ستستخدم المخالب الخانقة للوصول إلى أهدافها، ولكن ينبغي على لوبي المخابرات الخروج من هذه اللعبة، لأنها تثير القلق.
